كيف تغيرت رؤية العرب لقضايا الحكم بعد الربيع العربي؟

السبت 1 نوفمبر 2014 11:11 ص

كان المتظاهرون الذين خرجوا إلى الشوارع خلال الربيع العربي الذي بدأ في 2010 يطالبون بتغيير النظام السياسي، وقد خرجت علينا السنين الأخيرة بتغير جذري في عدد من دول المنطقة. ففي عدد من الدول وصل الإسلاميون إلى السلطة ولكنهم في مواقف مختلفة تركوا السلطة سواء بالاستقالة أو بالانقلاب أو بصناديق الاقتراع، وفي أماكن أخرى اندلعت حروب أهلية لتضع مطالب تجربة الإصلاح السياسي موضع التساؤل، وبعد مرور قرابة الأربع سنوات على أول تظاهرة لا يبدو أن التحول نحو الديمقراطية قد نجح سوى في تونس.

وهذه التغييرات الجارية في العالم العربي قد أدت بالمواطنين إلى إعادة تقييم أولوياتهم، على سبيل المثال، يُظهر الباروميتر العربي أن القليل من العرب الآن يريدون إصلاحات جذرية وهناك على الأقل 7 إلى 10 من المجيبين في جميع الدول يقولون أن الإصلاح لابد أن يكون تدريجيا. ففي الجزائر، خلال الشهور التي أعقبت الربيع العربي قال حوالي نصف من جرى عليهم الاستطلاع أن الإصلاحات السياسية يجب أن تتم بشكل تدريجي مقارنة بنسبة 78% بعد عامين فقط من اندلاع الثورات.

وفيما يتعلق بتأثيرات التغيير السياسي السريع، هل غيرت الشعوب العربية معتقداتها حول أفضل الطرق للنظام السياسي؟ هل لا يزال العرب يدعمون الديمقراطية أم أن نظام الحكم الصارم صار هو المفضل منذ الربيع العربي؟ وهل وجود الإسلاميين القصير في السلطة زاد أم قلل من تأييد الإسلام السياسي؟

وبمقارنة نتائج ثلاث موجات من بيانات الاستطلاع خلال العقد الماضي، وجد الباروميتر العربي أن دعم الديمقراطية في العالم العربي قد زادت نسبته بينما انخفضت نسبة دعم الإسلام السياسي، وبتفاعل الاتجاهين – كانت هناك نتيجة رئيسية تقول بأن الديمقراطيين الإسلاميين الذين يدعمون كلا من الديمقراطية والإسلام السياسي – قد صاروا نادرين جدا في المنطقة.

لا تزال الشعوب العربية تدعم الديمقراطية بشكل كبير، وفي كل بلد من البلاد التي تم بها الاستطلاع نجد ثلاثة أرباع المجيبين أو أكثر2014، يوافقون أو يوافقون بقوة على عبارة «النظام الديمقراطي ربما يمر بمشكلات ولكنه أفضل من الأنظمة السياسية الأخرى.» وهذا المعتقد منتشر جدا في لبنان (85%) ومصر (84%) وتونس (83%) والجزائر (82%) والأردن (81%) وفلسطين (81%) والعراق (76%) واليمن (73%).

ومنذ أحداث الربيع العربي انخفضت نسبة تأييد الديمقراطية في العراق واليمن لتهبط بنسبة 10 و 9 نقاط على التوالي، وعلى كل حال فهذه التغييرات يبدو أنها نتيجة العوامل الداخلية فضلا عن العوامل الإقليمية. ففي العراق، أثار فشل حكومة نور المالكي في بناء نظام سياسي قوي وشامل سؤالا لدى عدد كبير من العراقيين عموماً والسنة على وجه الخصوص، هل هذه الديمقراطية يمكن أن تستمر في البلاد؟ أما في اليمن فلا تزال الدولة ضعيفة للغاية ولا تزال تكافح من أجل استيعاب تحديات فرضها عليها الثوار الحوثيين في الشمال والحركة الانفصالية في الجنوب وهو ما جعل الكثير من اليمنيين يؤمنون بضرورة الحكومة السلطوية من أجل إعادة إنشاء النظام السياسي والإبقاء عليه.

أما دعم الإسلام السياسي فلا يزال منخفضا بشكل جوهري، لم تزد النسبة في أي دولة عن 50% ممن يقولون بضرورة أن يكون للقادة الدينيين سلطة على القرارات الحكومية. فلم يكن الدعم سوى 34% في الجزائر و 27% في تونس و 20% في مصر و 9% في لبنان. وقد انخفض دعم الإسلام السياسي خلال العقد الماضي، وقد شهدت الجزائر أكبر هذه الانخفاضات حيث انهار دعم الإسلام السياسي لينخفض من 60% في 2006 إلى 34% في 2013. وقد شهدت مصر مثل هذا الانهيار حيث كان دعم الإسلام السياسي بها بنسبة 37% في يونيو 2011 مقارنة ب 18% في أبريل 2013.

وهناك استثناءان فقط لهذا التوجه: الأردن وتونس، حيث بقي دعم الإسلام السياسي على حاله خلال موجات الاستطلاع الثلاثة، ففي 2006 كانت نسبة 52% تفضل الإسلام السياسي وقد انخفضت النسبة إلى 47% في 2012 وهي نسبة انخفاض بسيطة.

وفي تونس لم يكن هناك تغير ملحوظ في دعم الإسلام السياسي فمن نسبة 25% في أكتوبر 2011 تؤيد دور رجال الدين في اتخاذ القرار الحكومية إلى 27% في فبراير 2013.

تظهر النتائج أيضاً توجهاً مهماً حول تغير شدة المواقف من الإسلام السياسي بشكل كبير بين التونسيين فمن بين 75% من التونسيين غير المؤيدين للإسلام السياسي في 2011 نجد 56% منهم لا يوافقون على أن يكون لرجل الدين دور في القرارات الحكومية بينما يوجد 19% آخرين لا يوافقون بشدة، وفي 2013 تغيرت النسبة أيضا حيث صارت النسبة 36% لا يوافقون و 38% لا يوافقون بشدة، ويبدو أن العيش خلال أكثر من عام في ظل حكومة النهضة قد زادت من كثافة هذا التوجه حول الإسلام السياسي.

كما أن فحص التوجهات نحو الديمقراطية والإسلام السياسي يقدم على الفور رؤية إضافية لأنواع الأنظمة السياسية الذي تفضلها الشعوب العربية، وبتجميع الإجراءين معاً وجدنا أربعة توجهات متميزة: العلمانية الديمقراطية والديمقراطية مع الإسلام والعلمانية السلطوية والسلطوية مع الإسلام.

وبمقارنة نتائج استطلاع من ثمان دول من خلال موجات مختلفة من الاستطلاع مجد هناك توجها واضحا: دعم الديمقراطية مع الإسلام قد انخفضت في المنطقة، ففي سبع دول انخفض الدعم لهذه الرؤية العالمية أكثر من انخفاضها في الموجات السابقة.

وبالرغم من الأسباب الواضحة لهذا الانخفاض المختلف من دولة إلى أخرى فإن المقارنة بين التجربتين المصرية والتونسية كان لها دلالة. في مصر، أجريت الموجة الثانية من الاستطلاع في يونيو 2011 قبل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية بينما أجريت الموجة الثالثة في أبريل 2013 بعد أن صار محمد مرسي رئيسا للجمهورية لعشرة أشهر، وخلال هذه الفترة الممتدة على طول 22 شهرا انخفض دعم الديمقراطية مع الإسلام بنسبة 11 نقطة، وقد صاحب هذا الانخفاض في الدعم زيادة بنسبة 19 نقطة في دعم الديمقراطية مع العلمانية. في الوقت نفسه، انخفض دعم السلطوية مع الإسلام بنسبة 8 نقاط، وتقترح هذه النتائج بقوة أن العيش في ظل حكومة يقودها الإخوان المسلمين قد حولت بعض المصريين للوقوف ضد أيديولوجية التنظيم الأساسية.

أما تونس فهي الاستثناء الرئيسي للانخفاض العام للديمقراطيات الإسلامية في المنطقة، حيث بقي دعم الديمقراطية مع الإسلام مستقرا عن نسبة 23% من أكتوبر 2011 إلى فبراير 2013. في الوقت نفسه، انخفض دعم الديمقراطية العلمانية بنسبة 7 نقاط، أما الاختلاف الواضح بينها وبين مصر فيتعلق بالاستراتيجيات المختلفة التي تبنتها النهضة وتلك التي تبناها مرسي والإخوان في مصر حيث ساعدت استراتيجية الحكم المعتدلة في تونس على الإبقاء على مستويات دعم الديمقراطية مع الإسلام بالرغم من عدد كبير من الصعوبات الاقتصادية التي واجهت التونسيين.

وفي أماكن أخرى نجد أسباب الانخفاض العام أقل وضوحا وذلك على الرغم من الأحداث الدولية والداخلية التي لعبت دورا، ففي العراق وفلسطين نجد الأحزاب التي رفعت لواء الدين وقد فازت في الانتخابات ولكنها في الوقت نفسه فشلت في تشكيل تحالفات واسعة وبذلك تكون أسباب انخفاض دعم الديمقراطية مع الإسلام في هذه البلاد مشابهة للأسباب التي أدت لانخفاضها في مصر.

أما انخفاض دعم الديمقراطية مع الإسلام في الدول التي لم تشهد تجربة حكومة إسلامية مباشرة فقد كان بسبب التأثر بالعوامل والأحداث فى المنطقة ويبدو أن الشعوب العربية في هذه البلاد تتأثر بالأحداث التي تجري في الدول المجاورة، أما ليبيا فتعج بالفوضى والقتال الجاري هناك وحالة عدم الاستقرار العامة يمكن أن يساهما بشكل جزئي في الدور الذي يلعبه الممثلون الإسلاميون في البلاد.

وحتى في تونس، حيث تقاسم النهضة السلطة مع أحزاب أخرى، لا يزال الاقتصاد ضعيفا ولا يزال التحدي الأمني قائما، وقد استبدلت حكومة ترويكا بحكومة تكنوقراط وهو ما انعكس بشكل أفضل على الرأي العام، وقد اعتبر التقدم المحدود للنهضة التونسي مثالا ناجحا بالنسبة للمواطنين في دول أخرى بالمنطقة.

المصدر | ميشيل روبنس ومارك تيسلر، واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي ثورات الربيع العربي

لماذا فشلت مصر ونجحت تونس؟

مؤتمر حقوقي في واشنطن حول انتهاكات حقوق الإنسان فى دول الخليج

إما الصعود المستمر أو السقوط المدوي!

«السويدان»: فلول حكم الطغاة هم سبب الفوضي فى العالم العربي

الثورة العربية المضادة وأسطورة تفرد الإسلاميين

لماذا فشلت التجارب الديمقراطية في الوطن العربي؟