السعودية مضطرة إلى إعادة التفكير في أيديولوجيتها لمكافحة «الدولة الإسلامية»

الخميس 4 ديسمبر 2014 09:12 ص

ربما يعتبر العديد من المراقبين بسهولة أن الخلافة المعاصرة مثل تلك التي نشأت في العراق وسوريا في يونيو الماضي هي مجرد ثورات مؤقتة تلعب على عواطف المسلمين وحنينهم إلى الماضي المجيد. إلا أن الظاهر أن المملكة العربية السعودية تأخذ ذلك التحدي على محمل الجد. حيث انضمت بسرعة إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأعلنت ذلك الكيان كتهديد إرهابي.

وبالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية كانت تقوم في الماضي برعاية وتغذية مجموعات مشابهة جدًا لداعش، تم وصفها في وقت لاحق بأنها منظمات إرهابية، كتنظيم القاعدة في أفغانستان على سبيل المثال، فمن المستغرب أن تعتبر الآن مشروع داعش تهديدًا للأمن القومي. وإذا كانت القومية الإسلامية هي وسيلة المملكة العربية السعودية لمواجهة خطر القومية العربية في الحقبة السابقة، فما هي استراتيجية المملكة العربية السعودية اليوم في المعركة؟ فلو تركنا الوعد بالقوة العسكرية جانبًا، فإن الحل الوحيد هو تخفيف أوجه التشابه بين المملكة والخلافة.

في قلب مشروع خلافة «أبوبكر البغدادي» هو الوعود بتجاوز الحدود الوطنية وهو الأمر الذي يقلق المملكة العربية السعودية في المنطقة التي رسمت الحدود السياسية فيها عبر الأراضي القبلية منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى. فشمال المملكة العربية السعودية يتكون من فروع القبائل التي تعيش عبر الحدود في الأردن وسوريا والعراق. فعلى سبيل المثال، فإن قبيلة شمر في شمال المملكة العربية السعودية لديها أشقاء وأبناء عمومة في الحسكة في سورية وجبل سنجار في العراق. وينطبق ذلك أيضًا على قبيلة عنيزة وغيرها الكثير. فكل هذه الكيانات العابرة للحدود تؤيد علاقات القرابة «الوهمية» التي يمكن تعبئتها من أجل تحقيق التضامن والاستفادة من موارد بعضها البعض، وخصوصًا في أوقات الشدة.

وتعد الخلافة المعاصرة العابرة للحدود في قلب الخلافة القديم بتوحيد الأراضي التي تم تقسيمها من قبل القوى الاستعمارية، وفي وقت لاحق من قبل دول ما بعد الاستعمار. حتى في تلك الجمهوريات العربية التي كانت تدعو إلى قومية واعدة لتوحيد كل العرب، مثل مصر في عهد جمال عبد الناصر والعراق في عهد صدام حسين، نجد أن القادة الشعبيين قد حافظوا على خطاب الوحدة ضد القومية المحلية. إلا أن هؤلاء القادة القوميين قاموا بحماية حدود «سايكس بيكو» الشهيرة على الرغم من أنهم استمروا في التنديد بها في كل خطاب قومي ألهبوا به حماسة جمهورهم. كما احتفلت مراكز البحوث بتاريخ القومية المحلية على الرغم من التزامهم بالقومية العربية.

بالطبع، هناك دائمًا خوف من امتداد الإرهاب من الدول المجاورة إلى المدن السعودية الكبرى ومن تقبله بسرعة بين السعوديين، خصوصًا بعد نجاح «الدولة الإسلامية» المذهل في العراق وسوريا خلال فترة قصيرة من الزمن. ففي أيامها الأولى، في صيف عام 2014، ضربت «الدولة الإسلامية» على وتر حساس بين السعوديين الذين تربوا على ضرورة عودة الالتزام بتطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية. ولكن هذه الأسباب المشروعة للخوف من داعش لا تفسر بشكل كامل النفور العميق المتجذر في النظام السعودي من نموذج الخلافة الذي وعد به «البغدادي» في الصيف الماضي.

فهناك العديد من الأسباب التي دفعت «الملك عبدالله» إلى اتخاذ تدابير، والانضمام إلى المجتمع الدولي في حرب لا نهاية لها، تذكرنا تقريبًا بـ 10 أعوام «الحرب على الإرهاب».

وكانت المملكة تعنى أبدًا بالإمارات المحلية التي تتباهي بأنها إسلامية مثل طالبان في أفغانستان. ففي الواقع، كانت المملكة العربية السعودية واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بتلك الإمارة في التسعينيات. فلماذا تنزعج المملكة العربية السعودية من قيام دولة إسلامية بالدعوة إلى النموذج القديم للحكم الإسلامي، وهو الخلافة؟

فالإمارات المحلية محصورة في مكانها ولا تشكل تهديدًا للمملكة التي شيدت في حد ذاته نتيجة لغزو عدة إمارات (الحجاز، نجد، عسير والأحساء). ولكن الخلافة شيء مختلف تمامًا، وتمثل الآن أكبر تحدٍ للملكية المركزية في الرياض التي تناضل من أجل القضاء على الاختلاف وفرض التجانس على مجموعة متنوعة من السكان.

الخطاب القومي العربي كان يثير قلق المملكة العربية السعودية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي مما دفعها إلى اللجوء إلى خطاب القومية الإسلامية المضاد الذي سعى قبل كل شيء لتخفيف البعد العربي من أي وحدة، عبر خلطها مع المسلمين من جميع أنحاء العالم. في ذلك الوقت، كانت تعتبر القومية العربية بأنها «جاهلية» تشبه الجاهلية السائدة قبل ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي.

لذا؛ فيجب نظريًا على المملكة التي تفخر بتبنيها أيديولوجية القومية الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية أن تتبني الروابط العابرة للحدود الوطنية بدلًا من الخوف منها. إلا أن «البغدادي» لا يستعد فقط للقضاء على الحدود الاستعمارية القديمة، ولكنه يسعى أيضًا إلى دمج المسلمين في قوة عسكرية متعددة الأعراق حيث تذوب الثقافة المحلية واللغة والعرق في الهوية الإسلامية الواحدة ونظام الحكم الإسلامي. فداعش تحتفي في وسائل إعلامها بتنوع جنسيات مقاتليها وتستخدم ذلك لمناشدة المسلمين في كل مكان.

أليس هذا ما تحاول المملكة فعله على الرغم من حديثها عن الوحدة الإسلامية؟ فكل من الخلافة الوليدة والنماذج التي تقدمها المملكة السعودية تدعو إلى تواصل المسلمين عبر الثقافات والقضاء على الفروق الخاصة بهم. فكل من المملكة والخلافة المعاصرة قد انحرفت عن النموذج القديم للخلافة التي ازدهرت في دمشق وبغداد في وقت لاحق. فالمملكة والخلافة المعاصرة متشابهتان لدرجة اصطدام كل منهما بالآخر.

فخلافة «البغدادي» كدولة تدعي العودة إلى الماضي المجيد، والحكم وفقًا لتفسير متشدد للشريعة، ودمج المسلمين المتنوعين وصبهم في شكل واحد وهو النمط المألوف جدًا للسعوديين. والحماس لهذا النموذج، على الأقل عبر ما يعبر عنه في وسائل الإعلام الاجتماعية، هو ما يهدد المملكة. حيث أظهر استطلاع حالي أن 5% فقط من السعوديين (حوالي 500000 شخص) يرون داعش بشكل إيجابي، غير أن هذه الأرقام قد لا تكشف درجة تأييد داعش الحقيقية في البلاد.

ويفرض هذا الصراع على المملكة العربية السعودية إعادة النظر في أيديولوجية الدولة والعلاقات بين الحكام والمحكومين. فالمملكة العربية السعودية قد نجحت في تطوير «القومية السعودية» كما رأينا على شاشة التلفزيون خلال مباريات كرة القدم واحتفالات اليوم الوطني، ولكن ذلك يحتاج أن يطبق كاستراتيجية للحفاظ على التنوع بدلًا من القضاء عليه. فالمملكة العربية السعودية قد لا تستطيع البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة جدًا إذا ما استمرت في التمييز ضد فئات من السكان -مثل الأقليات والنساء- وتهميش المعارضة. كما إنّ عليها السماح للناس بتمثيل أنفسهم في المجالس المنتخبة وهو ما سيشعرهم بالانتماء للمملكة ويربط بينهم.

المصدر | ذا مونيتور - ترجمة التقرير

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية الخلافة أبوبكر البغدادي السعودية المملكة محمد بن نايف

أتباع «الدولة الإسلامية» يتبنون إطلاق نارعلى دنماركي في السعودية

الخوف من «الدولة الإسلامية» و«الإخوان» وراء التقارب السعودي الروسي؟

«الدولة الإسلامية» يسند «الجهاد الإعلامي» للنساء بقيادة السعوديات

«كيري» يكشف سبب مهاجمة «مفتي السعودية» لتنظيم «الدولة الإسلامية»

مفتي السعودية: «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» ليسا من الإسلام فى شيء

مع اقتراب رأس السنة: السعودية تشدد الإجراءات الأمنية على المجمعات السكنية للأجانب