العلاقات الأميركية ـ الروسية ودور العقيدة العسكرية الدفاعية

الاثنين 2 فبراير 2015 08:02 ص

يُعرّف المحللون العسكريون العقيدة العسكرية الدفاعية بأنها «منظومة المفاهيم المتبناة رسمياً في دولة ما» لضمان الأمن القومي ولمواجهة التهديدات المحتملة أو المفترضة، كما أنها نظام لرؤية متطورة بهدف تحضير البلاد والقوات المسلحة للدفاع عن الوطن.

من خصائص هذا المفهوم أنه محدد زمنياً، يُصار، بعد انقضاء هذه المدة إلى تعديل أو إلغاء مضمون العقيدة لتحل محلها عقيدة أخرى.

ثانية هذه الخصائص أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنفوذ الدولة المعنية، وكلما امتد واتسع النفوذ، كلما اتسعت هي الأخرى للمحافظة عليه وقد تشمل كما هو سائد في الدول الكبرى، ليس فقط الدفاع عن وجود الدولة وأمن المواطن على الحدود وداخلها، بل أيضاً عنهما خارج الحدود.

أما ثالثة هذه الخصائص، فهي المرونة لتُتيح التعديل تبعاً للأحداث والتطورات التي تطرأ على الساحتين الداخلية والدولية.

يقودنا هذا الاستعراض النظري لمفهوم العقيدة الدفاعية الى استعراض آخر يتعلق بما يجري على الساحة الدولية بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، من جهة، وروسيا الاتحادية وحلفائها من جهة أخرى، حيث يستمر تصاعد التوتر، ومن معالمه التي حصلت مؤخراً، تعديل بعض بنود العقائد الدفاعية تبعاً للتطورات والأحداث المستجدة، لدى بعض الاطراف كما سنرى. إلا ان السؤال الذي يُطرح هو: كيف تؤثر هذه العقائد على العلاقات بين الدول؟

أولاً: العقيدة العسكرية الاميركية. يرى البعض ان العقائد الدفاعية الاميركية السابقة سيطر على مضمونها المواجهة مع القطب العالمي الآخر، أي الاتحاد السوفياتي، ثم في مرحلة لاحقة، كانت الصين تدخل على خط المواجهة في بعض الأحيان. ففي ستينيات القرن الماضي، طُبِعت هذه العقيدة، في عهد الرئيس ليندن جونسون، بحرب فيتنام، وارتكزت على ان الجيش الاميركي قادر على خوض حربين أو حربين ونصف حرب في الوقت نفسه، وذلك لدى ظهور احتمال مواجهة إما مع الاتحاد السوفياتي أو مع الصين، اذا ما تطورت الحرب وامتدت الى خارج الحدود الفيتنامية، باعتبار ان هاتين الدولتين هما من أكبر مساعدي ثوار الفيت كونغ في حربهم ضد الأميركيين.

إلا ان نجاح ديبلوماسية هنري كيسنجر، وزير الخارجية الاميركي، في تلك الفترة، وزيارة الرئيس نيكسون للصين، أوقف الحرب، فتراجعت العقيدة الدفاعية الى خوض حرب ونصف فقط، واستمر مضمون هذا المفهوم معتمدا طيلة الثمانينيات.

ومع وصول الرئيس جورج بوش الاب الى البيت الأبيض، شهد عهده تعديلات جذرية على العقيدة الدفاعية الأميركية، بينها تقليص الإنفاق العسكري على ضوء انهيار الاتحاد السوفياتي وذراعه العسكرية، وانتهاء الحرب الباردة وانتقال الاهتمام الاميركي الى النزاعات الاقليمية. ومع الرئيس الاميركي بيل كلينتون، شهدت العقيدة الدفاعية تحـــــولاً تكتيكياً بسيـــــطاً تمثـــل بدخول عنصر جديد عليها، قوامه نشر قوات أميركية كافية لربح معركة واحدة وصد العدو في مكان آخر.

وتجدر الاشارة الى انه بانهيار المنظومة الاشتراكية، سادت بين موسكو وواشنطن أجواء تعاون «أعرج»، فالإدارة الاميركية، طيلة حكم بوريس يلتسين لمدة ولايتين تقريبا، استخدمت مختلف الوسائل لإضعاف الحكم الروسي الجديد ـــ الضعيف أصلاً ـــ ونجحت في ذلك.

ورغم تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 وآثارها المدمرة في جدار الامن الدفاعي الاميركي، لم يطرأ أي تغيير جذري على العقيدة الدفاعية الاميركية، بحسب المراجعة التي أجراها وزير الدفاع الاميركي السابق رونالد رامسفيلد.

ومن أهم نتائج هذه المراجعة: إمكانية ردع النزاعات في المناطق الاقليمية مع إمكانية انتصار أميركي متزامن في نزاعين إقليميين، والانتصار في واحد منهما انتصاراً نهائياً.

يقول أحد المعلقين الاختصاصيين عن وضع العقيدة الدفاعية الاميركية طيلة فترة ولايتي الرئيس بوش الابن: «ان الجيش الاميركي، خلال ثماني سنوات متتالية، كان يلعب دور الحُكم المحلي، حيث يُفاوض عشائر وقبائل في مناطق النزاعات لعقد صفقات جانبية تحفظ الاستقرار، توازياً مع وجود جيش ضعيف وحكومات هشة، ولم تنتصر أميركا بذلك لا في العراق ولا في أفغانستان».

وبدأت الانتقادات تظهر الى العلن للعقيدة الدفاعية السائدة بمجيء وزير دفاع جديد هو روبرت غيتس، الذي طالب بعقيدة جديدة تتناسب مع الظروف والتطورات المستجدة.

تقاطعت هذه الآراء مع رأي الرئيس أوباما، فتمت مراجعة العقيدة الدفاعية لتعدّل مطلع 2010 وتركز على مكافحة الإرهاب والتمرد في المناطق الإقليمية وداخل البلدان ذات الحكومات الهشة، علماً أن العلاقات بين موسكو وواشنطن تأثرت كثيرا بالتصرفات الاميركية الهادفة الى تقليص النفوذ الروسي من خلال تعزيز انضمام البلدان الاوروبية الشرقية الى المؤسسات الأطلسية - الأوروبية، أو من خلال إنشاء مؤسسات بالقرب من حدود نفوذ روسيا.

ثانياً: العقيدة الدفاعية الروسية. في الرابع من فبراير/شباط 2010، وقّع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على وثيقة «العقيدة الدفاعية الروسية» لتحل محل النسخ السابقة الصادرة عامي 1993 و2000.

إلا ان الكرملين، انسجاماً مع الحاجة لمراعاة المصالح الوطنية الروسية، ونظراً للتوترات السائدة بين روسيا والمعسكر الغربي، أدخل تعديلات على هذه النسخة، ثم وقع عليها الرئيس بوتين ونُشرت في 26 ديسمبر/كانون الاول 2014، بعدما وضع الجيش على أهبة الاستعداد ملوحاً باستخدام الترسانة النووية اذا ما اضطر الى ذلك.

وقد عكس ما قام به بوتين تدهور العلاقات مع الغرب بوضوح على هامش الأزمة الأوكرانية، علماً ان اوكرانيا كانت قد اتخذت خطوة نحو «الحلف الأطلسي» في كانون الاول 2014، إثر التخلي عن وضعها كدولة «محايدة»، ما أثار غضب موسكو، على اعتبار أن ذلك يفتح الباب أمام كييف لطلب الانضمام مستقبلاً الى المنظمة الاطلسية.

وبالعودة الى مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان الحكم الروسي الجديد، الذي استولى على الإرث السوفياتي، يعمل جاهداً على استرجاع النفوذ في الجوار الروسي القريب. وقد كرر الرئيس بوتين من خلال النسخة المعدلة للعقيدة إدانته القوية لمساعي «حلف شمال الأطلسي» المتواصلة من أجل تعزيز قدراته الهجومية على الحدود المباشرة لروسيا.

وفي الإطار نفسه، كانت موسكو قد نددت أكثر من مرة بقرار الحلف، المنسجم مع روحية السياسة الغربية المتبعة نحوها، بنشر قوات في عدد من الدول الأعضاء على حدود روسيا، مثل دول البلطيق أو بولندا، إضافة إلى إدانة مشروع نصب الدرع الأميركية المضادة للصواريخ في شرق أوروبا.

مع ذلك، أبقت النسخة المعدلة على الطابع الدفاعي للعقيدة العسكرية الروسية مع التشديد على عدم التدخل عسكرياً إلا بعد استنفاد الحلول غير العنيفة كافة.

وأشارت إلى أن إحدى المهمات الرئيسية لقواتها المسلحة في وقت السلم هي «حماية المصالح الوطنية لروسيا أينما وُجدت، خصوصا في القطب الشمالي»، مع الإشارة الى أهمية هذه المنطقة الاستراتيجية من وجهة نظر اقتصادية، إذ إنها تتيح لروسيا التزود مستقبلاً بالطاقة، علماً أن الولايات المتحدة وكندا وغيرهما من الدول القائمة على شواطئ هذا القطب، تنازع روسيا عليها. 

 

المصدر | عفيف رزق، السفير

  كلمات مفتاحية

العلاقات الأميركية الروسية العراق أمريكا روسيا أوكرانيا الصين الحرب الباردة ديمتري ميدفيديف

روسيا والجبهة الأميركية الأطلسية