اقتصاديات الجيش المصري في 2016.. لبن وسمك و«تونة» وأشياء أخرى

الأربعاء 28 ديسمبر 2016 02:12 ص

مشهد الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، وهو يشاهد اليوم الأربعاء، أحواض الاستزراع السمكي، التي تشرف عليها القوات المسلحة المصرية، بمحافظة الإسماعيلية، شمال البلاد، كان كفيلا باختزال وضع المؤسسة العسكرية المصرية في مناحي البيزنس والاستثمار.

من مواد الغذاء، إلى تربية العجول والأبقار، ومن السكر إلى الدواء والألبان، ومن الحديد إلى الأثاث، ومن تأجير قاعات الأفراح إلى بيع الحلويات، تزايد تغلغل الجيش المصري في الحياة الاقتصادية للبلاد؛ منذ الانقلاب العسكري، في 3 يوليو/ تموز 2013، على «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب ديموقراطيا في تاريخ مصر.

بعيدا عن صناعة السلاح، المهمة المنوطة بالجيوش النظامية، وحلول مصر ثانيا في قائمة «مستوردي الأسلحة»، بقيمة 12 مليار دولار، وفق دراسة أصدرها الكونغرس الأمريكي، تغول الجيش المصري في الاستثمار في كل شيء في البلاد بدءا من الزراعة إلي بناء الطرق والكباري والاستثمار العقاري والصناعات الإلكترونية مرورا بمصانع اللبن والدجاج ومزارع الخضروات والفاكهة ومصانع المعلبات والمزارع السمكية.

إمبراطورية اقتصادية ضخمة

يصعب حصر إمتدادات الإمبراطورية الاقتصادية المملوكة للجيش المصري، وسط تقديرات تقول إن «الجيش يسيطر على ما يتراوح بين 50 و60% من الاقتصاد».

كما يصعب رصد أرباح المؤسسة العسكرية من أنشطة تجارية تمارسها دون رقابة من الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر، وغيره من الجهات الرقابية، حيث تظل أموال القوات المسلحة التي وصفها جنرال سابق بالمجلس العسكري بـ«عرق الجيش» خارج موازنة الحكومة المصرية.

لكن الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، يقول إن الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة المصرية تعادل ما بين 1 إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وإن الجيش لا يتطلع لمنافسة القطاع الخاص.

موقع «ميدل إيست آي» البريطاني في تقرير نشر في مارس/آذار الماضي، رد على مزاعم «السيسي» مؤكدا أن «الاقتصاد العسكري المصري تطّور إلى ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات»، مشيرا إلى «استحالة الحصول على أي أرقام دقيقة عن حجم هيمنة الجيش علي الاقتصاد بسبب الغموض الذي يحيط بسياساته في هذا المجال»، لكنه أكد أن العسكر يهيمنون على 50-60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر.

وتحصل كل مصانع الجيش وشركاته على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما يتضمن إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت؛ الأمر الذي يسمح لها بتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أقل من نظيرتها.

وخلال أكثر من عامين من حكم «السيسي»، حصل الجيش رسميا على حق استغلال الطرق في عموم البلاد مدة 99 عاما، كما بدأت سياراته تنتشر في الشوارع لبيع المواد الغذائية، ومؤخرا دخل الجيش على خط المنافسة في بيع مكيفات الهواء وتوريد الدواء للمستشفيات، وتولي مشاريع حراسة المؤسسات المدنية، عبر شركة «كير سيرفس».

رصد موجز أعده «الخليج الجديد» في هذا التقرير، يكشف إلى أى مدى بلغ تغلغل المؤسسة العسكرية المصرية في مناحي البيزنس والاستثمار خلال عام واحد فقط.

من التكييف إلى الحديد

خلال الشهر الجاري، أعلنت شركة مملوكة لوزارة الانتاج الحربي في مصر، أنها ستطرح أجهزة «ديب فيرزر» (مجمدات) في الأسواق، يليها ثلاجات الشهر المقبل، ونسخ مطورة من أجهزة تكييف في وقت لاحق.

وخلال ديسمبر/ كانون أول الجاري، وقعت وزارة الإنتاج الحربي في مصر بروتوكول تعاون مع شركة «ماتريكس جروب»؛ للتوسع فى منافذ بيع منتجات شركات الإنتاج الحربي من (السلع المعمرة والأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية والإلكترونية إضافة الى الأثاث الخشبى اللازم لتجهيزات القرى السياحية والمدارس) من خلال سلسلة من منافذ البيع باسم «إسعد مصرى».

بينما في نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، أنهت القوات المسلحة المصرية، عملية الاستحواذ على مجموعة «صلب مصر» مقابل 3.8 مليار جنيه، بعد قيام جهاز «الخدمة الوطنية» التابع للقوات المسلحة المصرية، بزيادة رأسمال الشركة مقابل سداد الديون، بحسب صحيفة «البورصة» المصرية.

وبموجب الصفقة، ترتفع حصة الجيش المصري في المجموعة إلى 82% بعد زيادة رأس المال، مقابل سداد مديونية الشركة التى تزيد على 600 مليون دولار، لتصل القيمة الإجمالية للصفقة إلى نحو 1.135 مليار دولار.

وفي أبريل / نيسان الماضى، كشف  اللواء أركان حرب «كامل الوزير» رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، عن إضافة خطين لإنتاج شركة «العريش للأسمنت» المملوكة للجيش؛ لزيادة الطاقة الإنتاجية لها إلى نحو 6 ملايين طن سنويا.

ويأتى ذلك ضمن خطة الجيش المصري للتواجد فى الصناعات الاستراتيجية، وقطاعات مثل الحديد والأسمنت.

أدوية وألبان

في نهاية يوليو/ تموز الماضي، أرسل «المجلس الأعلى للجامعات» في مصر، خطابا بالأمر المباشر إلى نحو 15 جامعة مصرية، يطالبها بوقف جميع المناقصات العامة والممارسات الجديدة والمزايدات على الأدوية والمستلزمات الطبية، تمهيداً للشراء من إدارة الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة.

ويتبع وزارة التعليم العالي 11 معهدا تعليميا ونحو 18 مستشفى جامعيا، وتبلغ قيمة المشتريات والمصروفات السنوية على توريد المستلزمات الطبية للمستشفيات الجامعية نحو 2 مليار و300 مليون جنيه، ولا تخضع ميزانيات المستشفيات الجامعية لوزارة الصحة والسكان.

بينما في سبتمبر/ آيلول الماضي، أعلنت القوات المسلحة المصرية، عن توفير شحنات ألبان الأطفال التي تعاقد عليها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، تمهيدا لطرحها في السوق المحلي بسعر 30 جنيها للعبوة (نحو 3 دولارات).

وفي بيان للمتحدث باسم الجيش المصري العميد «محمد سمير»، قال إن «هذه العبوات ستوزع على شركات التوزيع المختلفة، وطرحها بالصيدليات، ومنافذ البيع المعتمدة التابعة لوزارة الصحة بمختلف محافظات الجمهورية».

مواد غذائية ووجبات مدرسية

مطلع نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، نفذ الجيش المصري عملية مربحة، تقضي بتوزيع 8 ملايين عبوة من مواد غذائية على المواطنين بسعر 25 جنيها للعبوة الواحدة.

وقال العميد «محمد سمير»، المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، في بيان تم نشره عبر الصفحة الرسمية للجيش على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «كل عبوة تتكون من كيلو جرام واحد من السكر والأرز والفول و3 أكياس من المكرونة، بالإضافة إلى عبوة من من السمن وصلصة الطماطم والشاي، مبينا أنه «تم تجميعها داخل عبوات خاصة وطرحها للمواطنين بنصف ثمن التكلفة، وبواقع 25 جنيها للعبوة الواحدة».

ومن بيع المواد الغذائية إلى طهي الطعام، أعلن نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون التعليم والطلاب، الدكتور «محمد عثمان»، في 30 أغسطس / آب الماضي، أن الجامعة تعاقدت مع هيئة القوات المسلحة للإشراف على خدمات توريد الطعام؛ وطهيّه ومن ثم تقديمه إلى الطلاب بالمدن الجامعية، التي تضم نحو 59 ألف طالب.

وفي مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بدأ الجيش المصري، توزيع الوجبة المدرسية على طلاب المرحلتين رياض الأطفال والابتدائية، بموجب تعاقد بين وزارة التربية والتعليم، وجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة لتوريد التغذية المدرسية للطلاب.

وفي السياق ذاته، تعاقد قطاع المعاهد الأزهرية في 23 أغسطس/آب الماضي، مع شركات تابعة للقوات المسلحة لإسناد عملية توريد التغذية المدرسية الخاصة بالمعاهد الأزهرية والإشراف على توزيعها، بدءاً من العام الدراسي الحالي.

السكر واللحوم والتونة

مشهد الطوابير أمام منافذ بيع القوات المسلحة المنتشرة، وسط العاصمة القاهرة؛ للحصول فقط على 2 كيلو جرام من السكر لكل مواطن، يكشف إلى أي مدى باتت تتحكم المؤسسة العسكرية في حياة المصريين.

المنافذ المنتشرة في محافظات مصر، يديرها مجندون يؤدون الخدمة العسكرية، وتبيع (اللحوم، البط، الأوز، الدواجن، العسل، المربى، الجبن، الألبان، السكر، الأرز، المكرونة).

وفي صفقة نوعية، ووفق تعاقد بين «الشركة الوطنية لتنمية الثروة السمكية»، التابعة للجيش المصري، والمستثمر السعودي، «محمد عامر»، وأحد الشركات الألمانية المتخصصة فى استزراع سمك «التونة»، تم تأسيس شركة للاستزراع السمكى تحت اسم «الشركة الدولية للمنتجات البحرية».

ويقول مصدر مطلع، إن الشركة ستقوم بالاستزراع السمكي لعدد من أنواع الأسماك على رأسها «سمك التونة»، وأنواع مختلفة من الأسماك الأخرى، منها «البوري»، «البربونى»، «الدينيس»، برأسمال مبدئى 150 مليون دولار، بحسب صحيفة «الأهرام» الحكومية.

يشار إلى أن «الشركة الوطنية لتنمية الثروة السمكية» تأسست في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، ويرأسها اللواء أركان حرب، «حمدى بدين»، القائد السابق للشرطة العسكرية في مصر.

ومشروع استزراع أسماك التونة الحالي هو المشروع الثالث الذي يستحوذ عليه الجيش المصري في قطاع الثورة السمكية.

امتيازات بالجملة 

ويشتكى رجال أعمال مصريون من مزاحمة الجيش لهم في المجال الاقتصادي، ويشيرون إلى أن المنافسة غير عادلة، خاصة أن الجيش لا يدفع ضرائب على أرباحه، ويشتري مستلزمات الانتاج بدون جمارك، ويسخر الجنود للعمل مجانا في مشاريعهم.

وأقحم الجيش نفسه في العديد من المشروعات في مجالات متنوعة بعضها يتعلق بإنتاج المواد الغذائية والإسكان والتعمير والكهرباء وشركات الأمن والحراسة، وتقديم الخدمات الفندقية، كما أسندت إليه مؤخرا مسؤولية منظومة بطاقات التموين الذكية وبطاقات الخبز، الأمر الذي لم يجد اعتراضا في الإعلام رغم أن هذه المشاريع من المفترض أن تخضع لمختلف الوزارات المدنية.

خلال الفترة الأخيرة، تم تكليف القوات المسلحة بإقامة 350 مشروعا بمليارات الدولارات، بحسب تصريحات صحافية لرئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، «عماد الألفي»، وتنفذ الهيئة الهندسية 3 مشروعات كبرى، وهي مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع شبكة الطرق العملاقة، ومشروع استزراع مليون فدان، بالإضافة إلى لبن الأطفال، بحسب «العربي الجديد».

وبالإضافة إلى جهاز مشروعات الخدمة، فهناك الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وتملك أكثر من 15 مصنعاً للصناعات الهندسية والمدنية والعسكرية، والهيئة العربية للتصنيع التي تدير 11 مصنعاً وشركة تعمل في مجالات الصناعات العسكرية والمدنية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة المتخصصة في مجالات الإنشاءات العسكرية والمدنية.

ويثير انخراط الجيش المصري في النشاط الاقتصادي للبلاد انتقادات حادة من قبل سياسيين معارضين ومن قبل بعض رجال الأعمال؛ خاصة أن امبراطورية الجيش الاقتصادي لا تدخل ضمن الموازنة الاقتصادية للبلاد، ولا يستفيد منها ماديا إلا كبار الجنرالات، ولا يعرف أحد على وجه الدقة حجم ثروات «السيسي» ورفاقه.

  كلمات مفتاحية

الجيش المصري عبدالفتاح السيسى صدقي صبحي العميد محمد سمير حصاد 2016

«جيش مصر» يستلم الدفعة الثانية من ألبان الأطفال المدعومة

«الشفافية الدولية»: فساد الجيش المصري وصل إلى مستوى «حرج»

«الجيش واكلها والعة» يتصدر «تويتر» في مصر .. ونشطاء: ما خفي كان أعظم

الجيش المصري يعتزم إنشاء 3 شركات في مجالات الزراعة وإنتاج الألبان

صيادو المزارع السمكية بمصر يبحثون عن الرزق في أعماق البرد