مريم المنصوري في السياق الإمبريالي

الجمعة 3 أكتوبر 2014 09:10 ص

منذ أسبوع واحد فقط أصبحت «مريم المنصوري» – ولو بصورة مؤقتة - وجهًا للتحالف الدولي التي تقوده الولايات المتحدة بالتعاون مع دول شرق أوسطية بهدف تدمير تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم «داعش».

«مريم» البالغة من العمر 35 عامًا من أبناء العاصمة أبوظبي وأول امرأة تقود طائرة في سلاح الجو الإماراتي؛ حيث قادت طائرة من طراز (إف-16) ضمن سلسلة ضربات شاركت فيها الإمارات ضد داعش داخل الحدود السورية.

وفي أعقاب ذلك الكشف دخلت وسائل الإعلام الاجتماعية في حالة هيستيرية من النشوة؛ فوكالة «الأسوشيتد برس» أشارت إلى أنّ «عددًا من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي استمتعوا بكيل عبارات التوبيخ (للدور الذي لعبته مريم) ضد المسلحين أصحاب الأيدلوجية المتشددة».

«هاي داعش. تقوم بقصفكم امرأة. نهارٌ سعيدٌ»؛ بهذه التغريدة علقت «علا عبدالحميد» - مساعد باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى - في 24 سبتمبر الماضي على الدور الذي قامت به «مريم المنصوري» ضد «داعش».

مركز التفكير الصهيوني معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي صنع أفكارًا على طريقة استخدام وسائل سريّة بهدف إثارة الحرب مع إيران، قلق على حقوق المرأة ربما يجعلك تقول إنه أمر محدود من الناحية الاستراتيجية.

 وعلى سبيل المثال؛ فإن ذبح إسرائيلي وحشي لامرأة في قطاع غزة ليس شكلاً من أشكال الاضطهاد للمرأة؛ وهذا بصفة عامّة ما تقرّه المنظمة.

سيدة أُخرى تُطلق على نفسها اسم (سياسة خارجية احترافية مقرها أبو ظبي) كتبت أيضًا تغريدة تنعكس على العدالة الخيالية لقصص «مريم المنصوري»؛ حيث جاء في نصها: «خذ هذا، إرهابيون جنسيون! نساء الإمارات يُمطرن المساواة من أعلى».

بالطبع؛ الضرر غير المباشر الواقع على المدنيين حتمًا يرافق المهام الطويلة ما يجعل الأحوال الجوية الحالية تشبه شيئًا يختلف عن العدالة الثورية، ولكن على الأقل المرأة على الأرض سيكون هناك فرصٌ أكبر للنيل منها.

 

تمثال الحرية

وعلى قناة «فوكس نيوز» سخرت «كيمبرلي جيلفويل» – مقدمّة أحد أشهر البرامج بالقناة – على إنجاز «مريم المنصوري» بقولها: «إنه حقًا لأمر مثير»، مضيفة بنبرة مزجت بين العاطفة والتهديد: «أتمنى أن لو كان طيارًا أمريكيًا. داعش.. ما رأيكم أنكم تقصفون من قِبل امرأة. الأرجح أنّ ذلك مؤلمٌ بشكل كبير؛ لأنه في بعض الدول العربية المرأة لا تستطيع حتى قيادة السيارة».

كلمات «كيمبرلي جيلفويل» قصدت بها المملكة العربية السعودية، التي تُعدُّ شريكًا رئيسيًا في التحالف ضد داعش. وبالرغم من القضية الغير هامة والمتعلقة بالدور الأصولي للسعودية في ظهور داعش في المقام الأول، إلا أن ذلك لا يعفي الولايات المتحدة نفسها من المسئولية الكبيرة في هذا الصدد.

من جانبه تحدّث الصحافي «باتريك كوكبرن» في كتابه الذي حمل عنوان “عودة الجهاديين: تنظيم الدولة الإسلامية وثورات السنة الجديدة” عن دور السعودية في ملء جيوب الجهاديين بالأموال، بينما الدعم المسلح من الولايات المتحدة وغيرها للمجموعات السورية “المعتدلة” التي بين الحين والأخر تحارب جنبًا إلى جنبٍ مع القاعدة التي بدورها تستفيد من هذا السلاح، ما يعني أنّ «واشنطن تسمح طواعية بوصول أحدث الأسلحة إلى عدوٍ لا يرحم».

وواصلت «كيمبرلي جيلفويل» سخريتها من «مريم المنصوري» بإطلاق لقب «تمثال الحرية، صغيرتي» عليها – لأن «مريم» اختارت بشدة ألا تكون ضمن عشرات الآلاف من النساء العاملات في الإمارات. تأمل الفقرة التالية من تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس ووتش العام الماضي:

«العديد من عاملات المنازل في الإمارات يعانون من أجور متدنية وحرمان من الطعام وساعات عملٍ طويلة وحبس قسري واعتداء جسدي وجنسي. عقد العمل الموّحَد الخاص بالعمالة المنزلية المُعلن في إبريل 2007 لا يحدد ساعات العمل أو يمنح أيام راحة أسبوعية ولا حتى أجر ساعات إضافية أو تعويضات للعمال».

العمالة المهاجرة من الرجال والنساء في الإمارات اللاتي يتحملن سوء المعاملة من أزواجهن لا يعرفون معنىً لكلمة «الحرية»؛ والتي من المفترض أن الإمارات الآن تساعد في توفيرها لضحايا داعش.

المشاركون لكيمبرلي جيلفويل في تقديم البرنامج على شبكة فوكس نيوز أمطروا «مريم المنصوري» بوابل من السخرية التي حوت بعض الإيحاءات الجنسية بالإضافة إلى تهكم أحدهم بالقول: «بعد قصفها داعش، لم تعرف مريم كيف تركن الطائرة»، ووصلت السخرية والتهكم على «مريم» إلى حدٍ تناسى معه الأمريكان الرعب من الحرب وقد كان حاضرًا في بدء الحلقة.

 

الحق في حرب إمبريالية

وفي عنوان على صدر موقع «فوكس» الأمريكي للمعلق «ماكس فيشر» بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2014: «الكبر والعنصرية وراء الثناء الأمريكي على المرأة الطيار التي قصفت داعش»، بدا منه أن الكاتب يريد أن يمدنا بمقالة نقدية دقيقة تعقيبًا على ما قامت به كيمبرلي جيلفويل وضيوفها. وكما يظهر جليًا فإن تلك ليست هي القضية.

إنها ليست الجزء الذي يحوي نقاطًا مسموح بها، فأحد الملاحظات تكمن في أن الإمارات جديرة بالثناء والمديح «فقط إذا بدأنا بفكرة أن المجتمعات العربية والإسلامية يتوارثون الرجعية في معاملتهم للنساء».

وبالحديث عن أشياءٍ رجعية موروثة فإن هناك حاجة للنظر إلى أبعد من الجملة السابقة التي أعلن فيها فيشر أن «مريم المنصوري» قامت بـ«إنجاز فردي بمثابة صفقة كبيرة جدًا وتحتاج بشدة إلى الثناء».

وفي مكان آخر بالمقال أشار: «هي فتحت باب التقدم أمام المرأة الإماراتية»، «ما قدمته إنما هو النهوض بالمرأة». ما الذي حدث إذن، هل فيشر أنهى شرعنة الحرب الإمبريالية والتي لم تكن جيدة يومًا ما للأحياء. لقد غادرنا ولدينا شعور بأنّ الحرب صارت واقعًا طالما أن كل شخص مسموح له أن يشارك.

ليس هناك مجال لإنكار حُجّة فيشر القائلة بأن: «الأحكام المُسبقة والصور النمطية السائدة لدى الغرب عن العرب تتلخص في التنازل في أحسن الأحوال والعنصرية وبُغض النساء في أسوأ الأحوال». لكن كلامه عن وجود شيء جنسي فريد من نوعه لدى الأمريكيين فيما يتعلق بـ«ضرب الصدر»، تعبيرًا عن السرور بـ«نجاح مساواة الجنسين وإذلال داعش» نتيجة الظهور العسكري لـ«مريم المنصوري»، والذي يكشف حقيقة أن الاستجابة المشابهة تظهر غالبًا عندما تقوم نساؤنا بقصف المسلمين والعرب.

في 2002م على سبيل المثال لخص الكاتب الأمريكي «توماس فريدمان» بأسلوب غمرته البهجة مقالاً في مجلة «أتلانتك» الشهرية عن المرأة الطيار التي قادت طائرة (إف-15) فوق أفغانستان وألقت قنبلة تزن 500 رطل على قافلة تابعة لطالبان: «في الوقت الذي كانت فيه القافلة تتبخر جرّاء القنبلة صرخت قائدة الطائرة في طالبان كما لو كانوا يسمعونها من ارتفاع 20 ألف قدم: لقد قتلتكم امرأة».

 

هادم الفرصة المتكافئة

وكما كتبت في مقال مؤخرًا لموقع «فايس»:

«قد يقول قائل هل 20 ألف قدم أو تبخر القافلة من الممكن أن يُشكل عائقًا يحول دون الاستماع. لكنه من الواضح جدًا أن عبارات السخرية الجنسية من قِبل طيارين يمسكون بالزناد والصحافيين الذين اقتبسوا كلماتهم لا تساهم بشكل كبير في تفكيك العوائق التقليدية بين الجنسين».

وأشار فيشر إلى «الأحكام الغربية المُسبقة» واصفًا إياها بأنها أحد أهم الأسباب وراء قصفنا للعالم الإسلامي والعربي بهذه الصورة الخالية من أي ندمٍ أو إحساسٍ بالذنب – وإلقاء الدمار باعتباره جهود متحضرة لتحرير النساء من استبداد الرجال، فعلى الرغم من أننا نحب الحديث عن أنفسنا باعتبارنا هادم للفرص المتكافئة (صرح الموقع الرسمي للجيش الأمريكي أن "قلب المحارب ليس مقتصرًا على جنس واحد")، التأصيل لفكرة التمييز بين الجنسين في الولايات المتحدة يعني أننا مؤهلون بالكاد لنشر المساواة بين الجنسين على الآخرين.

وبالإشارة إلى الدور الإماراتي باعتباره تابع للإمبراطورية فإنه من المستحيل أن نحتفل بـ«الإنجاز الفردي» لمريم المنصوري كما فعل فيشر باحتفاله باستقلالية المحتوى الكبير للدمار الإمبريالي في الشرق الأوسط. ليست الإمارات وحدها هي المشتري الأبرز للسلاح الأمريكي – المتمثل في طائرات إف-16 الذي قادته مريم المنصوري – لكنها أيضًا تلعب دور المضيف لآخرين إذا ذكروا ذُكر معهم مجمعات متخصصة في الصناعة العسكرية؛ مثل جيوش المرتزقة التي أسسها «إيريك برنس»، الملياردير المؤسس لشركة الأمن الخاصة المعروفة باسم «بلاك ووتر».

وفي حين أن ذخيرة «بلاك ووتر» تشمل ذبح المدنيين في العراق، فإن القوات الجديدة تمّ تدريبها للاستجابة للتهديدات ذات الطبيعة المختلفة نوعًا ما، فطبقًا لمقال نشرته صحيفة «نيويوك تايمز» عام 2011: القوات المرتزقة المستوردة «من الممكن نشرها إذا واجهت الإمارات أي نوعٍ من الاضطراب في معسكرات العمالة المزدحمة أو متظاهرين يطالبون بالديمقراطية».

 

دورة لا تتوقف

في عام 2009 وصلت برقية من السفارة الأمريكية في أبي ظبي نشرتها ويكيليكس توضح أنّ ولي عهد أبي ظبي «محمد بن زايد» «يرى أنّ منطق الحرب يُهيمن على المنطقة، وهذا الهاجس هو السبب في سعبه الدؤوب لبناء قواته المسلحة».

وبدون شك فإن بناء التنظيم العسكري هو أحد الوسائل الضامنة للإعداد لهذا المنطق، بينما فتح مجال القتال للنساء ربما يعطي إشارة للحصول على امتيازات التعددية المحتملة وتحسين الصورة لصناعة الحرب المشتركة.

وأشارت وكالة «رويترز» إلى أحداث منطقية أخرى حدثت في رسالة سبتمبر: «فقد جاء على لسان مدير الاستخبارات الأمريكية (إف بي أي) أمام الكونجرس: الدعم للدولة الإسلامية يتزايد بعد قصف الولايات المتحدة للعراق، والمجموعات المسلحة ربما تلجأ إلى أماكن أخرى كملاذٍ لها يُجبر واشنطن على تقديم تنازلات».

لسببٍ غير مفهوم وافتراض أساسه الصدفة يوضّح موقع «رويترز» أن هذا المقال تم تصنيفه تحت اسم «سلع المستهلك الدورية»، فعلى أقل تقدير هناك تعليق جدير بالاهتمام حول حالة كل فرد في السوق تحسبًا لمزيدٍ من الصراع.

المصدر | بيلين فرنانديز، ميدل إيست أي

  كلمات مفتاحية

مريم المنصوري الإمارات التحالف الدولي داعش الدولة الإسلامية

موقع تابع للحرس الثوري الإيراني يؤكد: الطيار «مريم المنصوري» إيرانية الأصل

«مريم المنصوري» الطريق إلى "المجد" مفروش بدماء السوريين

مريم المنصوري قادت التشكيل الجوي الإماراتي في قصف «الدولة الاسلامية»… وعائلتها تتبرأ منها

مريم المنصوري .. أول مقاتلة إماراتية تقود طائرة «إف 16»

عبدالله بن زايد: نسعى لبناء مجتمع متسامح و"المتطرفون" لا مكان لهم في العصر الحديث

لماذا علقت الإمارات عملياتها العسكرية ضمن التحالف الدولي لمواجهة «داعش»؟