خبراء اقتصاديون يشككون في جدوى تعويم الجنيه المصري

الجمعة 25 نوفمبر 2016 07:11 ص

قلل خبراء اقتصاديون في مصر، من التأثيرات الإيجابية المتوقعة لخطوة تعويم الجنيه المصري على الوضع الاقتصادي للبلاد، وضرب السوق السوداء للعملة الصعبة.

وشكك الخبراء في إمكانية الخروج من الأزمات التي يمر بها الاقتصاد المصري، والوصول إلى بر الأمان.

ويتم طرح تخفيض العملة باعتباره حلا يبدأ بعده الاقتصاد المصري في التنفس، حيث يسمح بعودة الثقة للمستثمرين، واستعادة تدفقات العملة الصعبة للبلاد، بينما يرى عدد من الاقتصاديين أنه خطوة قد تفيد بشروط محددة، رغم آثارها السلبية، لكن الحل يكمن في وضع سياسات تعالج الخلل في هيكل الإنتاج، وتعطي إشارات بوجود سياسة اقتصادية سليمة ومستقرة، ووضع سياسي آمن، بحسب «أصوات مصرية».

وانطوى قرار التعويم الذي أعلنه البنك المركزي يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، على تخفيض مبدئي للقيمة الرسمية للجنيه بنحو 48%، حيث كان يباع الدولار بسعر 8.88 جنيه قبل التعويم، ووضع المركزي سعرا مبدئيا لتداوله عند 13 جنيه، يُترك بعده للعرض والطلب في البنوك.

واستكملت العملة المحلية انخفاضها بنهاية اليوم الأول للتعويم لتفقد نحو 70% من قيمتها، واستمرت في مسارها لتهبط بما يزيد على 100%، بوصول السعر الذي تبيع به البنوك الدولار إلى نحو 17.50 جنيه (في متوسط تعاملات أمس الخميس).

ويرى «محمود عبد الفضيل»، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن «سعر صرف الجنيه مقابل الدولار يعبر عن الخلل الأكبر في بنية الإنتاج والتصدير والاستيراد».

لذلك فإن تحريك سعر الصرف «ليس سوى حلا قصير الأجل ومؤقت، بينما العلاج الحقيقي يكمن في تغير هيكل الإنتاج وبنية الصادرات وتركيبة الواردات في الأجل المتوسط»، وفق «أصوات مصرية».

ويقول «عبد الفضيل»، إن «أثر تخفيض سعر صرف العملة المحلية يكون سالبا أو موجبا حسب هيكل الصادرات وسلة الواردات، وفي حالة الاقتصاد المصري هناك ضعف في بنية الصادرات، لذلك يكون من الصعب أن تشهد قفزة مع تراجع الجنيه».

بينما يرى «جون بول بيجا»، كبير الاقتصاديين في بنك الإمارات دبي، في حوار مع تلفزيون «بلومبرج»، أن «الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة لن يكون عن طريق دفعة في الصادرات لأن مصر ليست لديها قاعدة متنوعة للتصدير».

شروط نجاح مغامرة البنك المركزي

كان سعر الدولار قبل التعويم قد ارتفع تدريجيا على مدار نحو أربعة أشهر في السوق السوداء حتى وصل إلى 12 جنيها، مقابل سعره الرسمي في البنوك الذي استقر عند 8.88 جنيه منذ مارس/آذار الماضي، إلا أن المضاربات زادت على العملة المحلية مع التوقعات باقتراب تخفيض السعر الرسمي، ليكسر الدولار حاجز 18 جنيه قبل اتخاذ قرار التعويم ببضعة أيام.

وارتبط انتعاش السوق السوداء للعملة خلال السنوات الثلاث الأخيرة بالنقص في موارد مصر من العملات الأجنبية داخل النظام المصرفي الرسمي، نتيجة تراجع موارد البلاد الأساسية منها، وعلى رأسها السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.

ويستهدف البنك المركزي المصري من قرار تعويم الجنيه استعادة العملة الصعبة التي يتم تداولها خارج الجهاز المصرفي، والقضاء على السوق السوداء.

ويرى «عبد الفضيل» أن «نجاح مغامرة البنك المركزي بالتعويم الكامل للجنيه، يتوقف على ثلاثة عوامل..هي فك الأرصدة  الدولارية المكتنزة لدى الأفراد والشركات على نطاق واسع، وتدفقها إلى القطاع المصرفي، واستقطاب تحويلات المصريين العاملين في الخارج، التي غذت السوق الموازي للعملة خلال السنوات الأخيرة،  ونجاح سياسة أسعار الفائدة الجديدة في تحويل جانب كبير من الودائع الدولارية في الداخل والخارج إلى شهادات إدخار بالجنيه المصري».

وترى «ريهام الدسوقي»، كبيرة محللي الاقتصاد في بنك استثمار أرقام كابيتال الإماراتي، أن الطلب الفعلي على العملة الصعبة ليس كبيرا بالقدر الذي عكسته السوق السوداء قبل تعويم الجنيه، وأن الارتفاع الكبير في قيمة الدولار كانت بتأثير المضاربة على العملة.

أما الطلب الحقيقي على العملة الصعبة في السوق فيأتي جانب كبير منه من القطاع الصناعي لتلبية احتياجاته من مستلزمات الإنتاج المستوردة، كما تقول المحللة الاقتصادية، التي تتوقع أن تكون التدفقات المالية المنتظرة بعد استقرار سوق الصرف كافية لتغطية هذا الطلب، في الوقت الذي شهدت فيه حركة واردات السلع الاستهلاكية هدوءا كبيرا نتيجة إجراءات ترشيد الاستيراد التي اتخذتها الحكومة.

تحرير سعر الصرف سيحل بعض المشاكل، في رأي «عالية المهدي»، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مثل «مشاكل المستوردين الذين لم يجدوا العملة الصعبة في الفترة الماضية، والشركات الأجنبية التي لم تكن تستطيع تحويل أرباحها للخارج، نتيجة نقص الدولار».

لكنه لن يحل المشاكل الخاصة بالقدرة على جذب الاستثمار الأجنبي، والتي «تتطلب تعديل كل المنظومة المرتبطة بالنشاط الاستثماري، بما فيها قانون الاستثمار وقانون التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي، وقانون العمل، وقانون الشركات (في الجزء الخاص بالإفلاس)».

بينما تقول «ريهام الدسوقي» أن الاستثمار المباشر يتطلب وقتا لاستعادته، لكن الرهان على أن الاستثمار في محافظ الأوراق المالية (وخاصة السندات وأذون الخزانة الحكومية) سيكون الأسرع استجابة لتعويم سعر الصرف.

وتبرر المحللة الاقتصادية الإقبال المتوقع للمستثمرين الأجانب على سوق الأوراق المالية في مصر بأن «العائد عليها مرتفع جدا (وصل بعد التعويم إلى 20% على بعض الأوراق)، مقارنة بالسوق العالمي الذي لا تتجاوز أسعار الفائدة فيه 1%».

لكن توافر العملة الصعبة في السوق الرسمي، وعدم وضع قيود على تعاملاتها في البنوك، تعتبر شروطا أساسية لجذب تلك الاستثمارات المنتظرة، كما تقول «ريهام الدسوقي».

ويرى «عمر الشنيطي» المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، أن الأمل في أن تساعد شهادة الثقة التي يقدمها صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري (بموافقته على إقراضه) في جذب المستثمرين للسوق المصري، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن عدم إقبال الاستثمار الأجنبي لا يرجع فقط إلى عدم استقرار سعر الجنيه.

فاستقرار السياسات الاقتصادية والأوضاع الأمنية تعتبر عوامل أساسية في هذا المجال، كما يقول «الشنيطي»، لأن «المستثمرون يحتاجون إلى الاطمئنان لسير الاقتصاد بشكل سليم لفترة، وليس بمجرد إجراء، حتى يطمئنوا على أموالهم».

لم تعد لمصر استثمارات المحافظ المالية بقوة خلال السنوات الخمس الماضية، في رأي «ريهام الدسوقي»؛ لأن المخاوف السياسية والأمنية كانت تمنعها نتيجة للاضطرابات التالية لثورة يناير/كانون الثاني2011، ثم أحداث يونيو/حزيران 2013، وعندما بدأت البلاد تحظى بقدر من الاستقرار دخلنا في مشكلة نقص العملة الأجنبية.

لكن «الشنيطي» يعتقد أن تلك الاستثمارات لن تعود إلا بعد أن يرى المستثمرون استقرارا لفترة طويلة نسبيا على مختلف الأصعدة، ويتأكدون أن الإجراءات الصحيحة يتم اتخاذها لفترة طويلة، وأنهم يرون خطوة تخفيض العملة خطوة صحيحة على الطريق بالنسبة لهم، وسياستهم تجاهها ستكون «ننتظر ونرى».

وبحسب مؤشر التنافسية العالمية لعام 2016-2017، الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، اعتبر 21% من المستثمرين الذين تم استطلاع آرائهم أن عدم الاستقرار السياسي هو أهم معوقات الاستثمار في مصر، مقابل 8.4% رأوا السياسة الخاصة بسعر الصرف من أهم المعوقات.

المصدر | الخليج الجديد + أصوات مصرية

  كلمات مفتاحية

تعويم الجنيه الجنيه المصري أزمة الدولار البنك المركزي المصري طارق عامر