عسكرة المجتمع.. أجواء حقبة شمولية تخيم على سماء مصر

الأربعاء 14 مارس 2018 09:03 ص

«قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه».. هكذا وقفت إحدى الصغيرات داخل مدرستها تردد نشيدا للصاعقة المصرية، بعدما أصدرت وزارة التعليم المصرية قرارا رسميا مطلع الشهر الجاري، بتعميمه في النشيد الصباحي، ليكون النشيد الرسمي.

الوزارة المصرية قالت على لسان المتحدث الإعلامي باسمها «أحمد خيري» إن النشيد الجديد الذي سيتم إذاعته بدون موسيقى في المدارس المصرية كافة، يهدف لغرس روح الولاء للوطن لدى الطالب.

النشيد الذي لاقى انتشارا واسعا على صفحات مواقع التواصل ما بين السخرية والتأييد، ويعاد عشرات المرات يوميا على شاشات الإعلام، اعتبره مراقبون للمشهد المصري جزءا من عسكرة الشعب المصري، التي بدأتها الدولة منذ تصدر الجيش المشهد في مصر.

 

 

 

 

ولم يكن النشيد العسكري هو الإجراء الأول أو الوحيد الذي تتخذه السلطات المصرية نحو عسكرة الدولة المصرية التي يسيطر فيها الجيش على مفاتيح الاقتصاد والإعلام.

طابور الجامعة الصباحي

ومع بداية العام الدراسي الجاري الذي بدأ في سبتمبر/أيلول الماضي، أثار قرار المجلس الأعلى للجامعات في مصر بتأدية «تحية العلم والوقوف للسلام الوطني» في الجامعات، جدلا بقالب ساخر بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وتمثل موجة التعليقات في كون طبيعة الجامعات لا تتناسب مع تنظيم «طابور صباحي» لتأدية «تحية العلم» على غرار المدارس والثكنات العسكرية، في الوقت الذي اعتبره فيه النظام على لسان وزير التعليم العالي «خالد عبدالغفار» تعبيرا عن الانتماء والوطنية.

وقال «عبدالغفار» في تصريحات صحفية أثناء زيارته لجامعة عين شمس: «لا يوجد كبير على النشيد الوطني وتحية العلم واللي يكبر عليهم ميستحقش يكون مصري».

 

 

 

 

قبل المباريات

ولم تسلم الرياضة أيضا من محاولات العسكرة التي دائما ما يعتبرها النظام المصري ومؤيدوه «وطنية وانتماء»، مهاجمين كل من حاول السخرية من الإجراءات الجديد.

وأصدر رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم «هاني أبوريدة»، قرارا بعزف السلام الوطني لجمهورية مصر العربية قبل انطلاق مباريات الدوري المصري، في مشهد جديد على الدوريات حول العالم، إلا في المبارايات الدولية التي يمثل فيها الفرق أو المنتخبات بلادهم.

 

 

 

 

وتم تنفيذ قرار «أبوريدة» بداية من مبارة الأهلي والمصري البورسعيدي في كأس السوبر، واستمر بعدها في الدور الثاني للدوري المصري الذي حصده المارد الأحمر للمرة الأربعين في تاريخه.

سيطرة اقتصادية

ولم يكتفِ النظام بالتسويق للجيش عن طريق الأناشيد الوطنية والطوابير الصباحية فقط، فجعل منه المنقذ للاقتصاد المصري ليسيطر على غالبية المشاريع الاقتصادية والتنموية في البلاد منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق «محمد مرسي» من كرسي الحكم عام 2013.

في ديسمبر/كانون الأول 2015، اتخذ «السيسي» أولى القرارات الرسمية المتعلقة بأراضي وعقارات الجيش، وكان هذا القرار من شأنه الإبقاء على الأراضي المملوكة للجيش حتى بعد إخلائها، لتتمكن القوات المسلحة من استغلالها في مشاريع خاصة بها بالشراكة مع أجانب، وأتاح القرار لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة لأول مرة حرية إنشاء شركات تجارية هادفة للربح.

ونجحت القوات المسلحة في السنوات الأخيرة في الفوز بالغالبية العظمى لعقود شبكات الطرق والكباري، لاسيما مشاريع إنشاء الطريق الدائري الإقليمي، وطريق القاهرة - العين السخنة، وتطوير طريق القاهرة - الإسماعيلية، وتطوير وتوسعة طريق القاهرة - السويس، ومحور الفريق سعد الشاذلي، ومحور جوزيف تيتو، ومحور صحراء الأهرام، إضافة إلى عدد من الطرق والكباري اﻷخرى، وهو ما تسبب في إفلاس عشرات الشركات العاملة في هذا المجال، فضلا عن تشريد مئات الآلاف من العمال.

وقررت وزارة اﻷوقاف تفويض وزارة اﻹنتاج الحربي لطرح 10 آلاف فدان من أراضيها في كفر الشيخ على المستثمرين، لإنشاء أول منطقة استثمارية في المحافظة، كذلك نقل مسؤولية منظومة بطاقات التموين الذكية وبطاقات الخبز من وزارة التخطيط إلى وزارة الإنتاج الحربي.

كما فرض الجيش سيطرته أيضا على عدد من المحاور الأساسية لمنظومة الصحة، وهو ما كشف عنه العقد الموقع بين الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات، ممثلة عن وزارة الصحة والسكان، وشركة فاركو للأدوية والهيئة القومية للإنتاج الحربي ﻹنشاء أول مصنع ﻹنتاج أدوية اﻷورام في مصر.

كذلك الأنباء التي تشير إلى عزم جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة على استيراد لبن اﻷطفال بعد أزمة نقص تعرض لها خلال الشهور الماضية، بالرغم من صرخات شركات الأدوية الحكومية من هذا التوغل.

ولم تترك القوات المسلحة مجالا إلا وكان لها فيه نصيب، حتى منظومة التعليم لم تسلم من هذا التوغل، فقد تم الإعلان مؤخرا عن «مدارس بدر الدولية» التي أنشأها الجيش الثالث بالسويس، والتي توفر تعليما بالنظامين اﻷمريكي والبريطاني، إضافة إلى إشراف هيئة القوات المسلحة على مطاعم المدن الجامعية لجامعة القاهرة كخطوة أولى للإشراف على بقية المدن الجامعية في مختلف جامعات مصر.

وكان تقرير لموقع «ميدل إيست آي» البريطاني نُشر في مارس/آذار 2016، حذر من مخاطر توسع «الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية في مصر» على مدى جاهزية الجيش المصري لخوض الحروب؛ بسبب تفرغ قادته للهيمنة على كل فروع الاقتصاد والخدمات، وتحصيل المكاسب المالية لهم ولمحاسيبهم المقربين منهم.

وقال التقرير إن «الاقتصاد العسكري المصري تطّور إلى ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات»، مشيرا إلى «استحالة الحصول على أي أرقام دقيقة عن حجم هيمنة الجيش علي الاقتصاد بسبب الغموض الذي يحيط بسياساته في هذا المجال»، لكنه أكد أن العسكر يهيمنون على 50-60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر.

ورغم ذلك يزعم الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، أن الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة المصرية تعادل ما بين 1 إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الجيش لا يتطلع لمنافسة القطاع الخاص.

سيطرة إعلامية

ولم يكتف النظام المصري بالسيطرة على عقول المصريين من خلال أذرعه الإعلامية في القنوات الخاصة والحكومية كافة وإغلاق كل ما هو معارض، لتظهر قناة «دي إم سي» على الساحة بقوة كبيرة جعلتها في مقدمات القنوات.

القناة المجهولة النسب، يرجح غالبية المحللين امتلاكها للمخابرات المصرية؛ لتكون صوت الدولة الجديد، والمتحدث الرسمي باسم النظام ورئيسه.

وتضم «DMC» عشرة قنوات تقريبًا منها «إخبارية على مدار الساعة، رياضية، منوعات، أطفال، دراما، سينما، وأخيرا قناة عامة».

السنيما

مئات الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تعبر عن صوت النظام وتسخر من معارضيه، غير أن النظام المصري قرر إنتاج فيلم «سري للغاية» ليضم كبار نجوم الشاشة الفضية وأبطالها والمقرر عرضه في مايو/آيار القادم، ويتناول الأحداث التي مرت بها مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حتى انقلاب 2013.

واعتبر نقاد مصريون أن الفيلم الروائي الطويل، الذي يتم تصويره حاليا، ربما يعد دعاية للنظام الحالي، وهو ما ينفيه أحد أبطاله، مؤكداً أنه «تأريخ حيادي» للوضع السياسي.

ويأتي «سري للغاية» بعد أقل من 4 سنوات من حكم «السيسي» للبلاد، وفي ظل إعلانه الترشح لولاية ثانية، بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس/آذار المقبل.

وتسربت بعض الصور من كواليس الفيلم، أوضحت أن الممثل «أحمد السقا» يؤدي دور «السيسي»، فيما يؤدي «أحمد رزق» دور «مرسي»، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا (يونيو/ حزيران 2012 - يونيو/ حزيران 2013).

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر عسكرة الدولة الجيش المصري عبدالفتاح السيسي

اتجاه لتعيين لواء مخابرات أمينا عاما للبرلمان المصري