«جورج فريدمان»: لماذا شعرت (إسرائيل) بالرعب من مسيرة العودة؟

الثلاثاء 3 أبريل 2018 01:04 ص

قتلت (إسرائيل) 17 متظاهرا فلسطينيا في غزة في 30 مارس/آذار، وزعمت أن المتظاهرين كانوا مسلحين بقنابل المولوتوف وغيرها من الأسلحة وأن غالبية القتلى كانوا إرهابيين، وقال الفلسطينيون إنهم كانوا متظاهرين غير مسلحين يطالبون بحقوقهم الإنسانية. لكن الحقيقة القاسية هي أن الحدود بين (إسرائيل) وغزة، بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي، أصبحت أكثر نشاطا في الأشهر الأخيرة، فقد خصص الإسرائيليون أصولا عسكرية كبيرة للسيطرة على الحدود.

كما يجب النظر إلى الأحداث في غزة في سياق استراتيجي أوسع فقد كانت هناك تقارير غير مؤكدة في نهاية الأسبوع الماضي بأن سلاح الجو الإسرائيلي قصف قوات «حزب الله» على الحدود اللبنانية السورية. ومع هذا فمراقبة لبنان والهجمات على قوات «حزب الله» بالقرب من سوريا أو في سوريا ليست جديدة، ولكن هناك نمط جديد فقد أصبحت جميع حدود (إسرائيل) مهددة بأن تصبح نشطة.

في سوريا، لدى إيران قوة كبيرة وتأثير عميق على نظام «الأسد» وأفعاله وفي لبنان يعد «حزب الله»، القوة التي تسيطر عليها إيران، قوة جدية حيث لعب «حزب الله» دورا رئيسيا في الحرب الأهلية السورية حيث عانى من خسائر كبيرة. ولكن مع ازدياد أمن نظام «الأسد»، استعاد «حزب الله» قوته ولا تزال قدرته على إطلاق الصواريخ والقذائف على (إسرائيل) قائمة، في حين أن قواته البرية، التي حاربت (إسرائيل) في عام 2006، يجري تجديدها.

مشاكل استراتيجية

واجه العرب والإسرائيليون منذ تأسيس (إسرائيل)، مشاكل استراتيجية أساسية فلم يكن العرب قادرين أبدا على إنشاء قيادة موحدة حول المحيط الإسرائيلي من أجل شن حرب موسعة ومنسقة، والاستفادة من تفوقهم الرقمي وحقيقة أن الإسرائيليين عاجزون عن استيعاب إصابات واسعة (بعشرات الآلاف) بالنظر إلى عدد سكان البلاد الصغير والقوة القتالية الفعالة الصغيرة نسبيا. ولطالما كانت استراتيجية (إسرائيل) إما الاستفادة من الانقسامات في العالم العربي أو تشجيعها، وبالإضافة إلى ذلك، فإن استراتيجية (إسرائيل) في الحرب كانت تتمثل في فرض نهاية سريعة للقتال، حتى لو كان ذلك يعني حربا غير حاسمة، لتقليل الخسائر إلى أدنى حد.

وكانت الاستراتيجية المثالية للعرب هي إجبار (إسرائيل) على الدخول في حرب على طول محيطها، من لبنان وسوريا، أسفل خط نهر الأردن إلى إيلات، وفي الجنوب الغربي من مصر، في منطقة سيناء-النقب. ويحظى العرب بتفوق عددي، وهم أكثر تقبلا لخسائر أعلى. ولتحييد تأثير التكنولوجيا الإسرائيلية والقوى العليا، كانوا يفرضون حرب استنزاف عليها، وفي الوقت المناسب يكسرون القوات الإسرائيلية.

تم محاولة شيء من هذا القبيل في عام 1948 مع عدم كفاية التنسيق لتحقيق النجاح وفي عام 1970، خاض المصريون والإسرائيليون حرب استنزاف، لكن ذلك كان على طول قطاع واحد فقط من الحدود الإسرائيلية. وفي عام 1973، فتح السوريون والمصريون حربا على جبهتين حققت نجاحات أولية كبيرة لهم، لكنهم في نهاية المطاف تم التصدي لهم من قبل الإسرائيليين. ولم يكن العرب في أي من هذه الصراعات قادرين على فرض حرب كاملة، مما أجبر (إسرائيل) على الدفاع عن خط الأردن الطويل وطرد قواتهم في مواقع دفاعية لفترة غير محددة وقد سمحت استراتيجية إسرائيل السياسية لقواتها بالتركيز على العدو وإلحاق الهزيمة به.

دور غزة

وبالتالي فإن أحداث غزة مهمة فعلى خلاف الحلقات السابقة التي قدم فيها الإيرانيون الدعم المادي لحركة حماس من بعيد، أصبح الإيرانيون في سوريا ولبنان. ولا تزال حرب الأطراف الكاملة مستحيلة، لأن خط سيناء مأهول بالقوات الإسرائيلية والمصرية التي تنسق ضد الجهاديين، ويمسك الأردنيون خط نهر الأردن، وهم لديهم مخاوف أكبر بكثير من (إسرائيل). ومع ذلك، فإن احتمالات وجود جبهات نشطة في لبنان وسوريا، إلى جانب تهديد آخر من غزة، بما في ذلك صواريخ لا يمكن صدها بسرعة يشكل تهديدا كبيرا.

من وجهة النظر العربية (والآن الإيرانية)، فإن الانتصار المفاجئ ليس هو الهدف بل إن الهدف هو إيقاع إصابات وخسائر على العسكريين والمدنيين الإسرائيليين لفترة ممتدة لتقويض قدرة (إسرائيل) وإرادتها للقتال وقبل الوجود الإيراني، كان من الصعب تحقيق ذلك ولا يزال الأمر صعبا ولكنه ليس مستحيلا.

وهذا هو السبب في أن الإسرائيليين حساسون للغاية لأي شيء يحدث في غزة، ولماذا يختبر الفلسطينيون في غزة (إسرائيل) بعناية شديدة وقد كانت حماس في وضع حرج منذ فترة قصيرة، لكن الآن مع عودة إيران (تعاون سني وشيعي)، تظهر هناك بعض الفرص.

بالنسبة لـ(إسرائيل)، ما زال المفتاح في هذه اللحظة سياسيا حيث تبذل (إسرائيل) ما في وسعها لتأكيد أن الرئيس «عبدالفتاح السيسي» يسيطر على مصر وأن الهاشميين لا يزالون يسيطرون على الأردن. ويجب أن تكون الاستراتيجية الإيرانية هي زعزعة الاستقرار في هذه المناطق لاسيما في الأردن، وبالنظر إلى قوة إيران في العراق وتوسع الخدمات اللوجستية الإيرانية، فيمكن لطهران تضع قوة كبيرة على خط نهر الأردن، مما يؤدي إلى تضييق الخناق على القوات الإسرائيلية وتقويض استراتيجية (إسرائيل) المتمثلة في القوة المكثفة.

وبالنسبة لكل الحديث عن الأسلحة النووية الإيرانية، فهذه مرحلة مبكرة من التهديد الإيراني الحقيقي وهو حرب استنزاف ضد (إسرائيل). وبطبيعة الحال، فإن تركيا، وهي قوة كبرى وجارة لإيران، ليست سعيدة برؤية إيران تسيطر على العالم العربي، ولا الدول العربية الأخرى وقد تندمج الانقسامات في العالم العربي أخيررا ليس ضد (إسرائيل)، بل ضد إيران.

كل هذا، بالطبع، سابق لأوانه تماما. ولكن بالنظر إلى الأحداث الأخيرة في غزة والقوة الإيرانية في سوريا ولبنان، فليس من السابق لأوانه النظر في الشكل المحتمل للصراع. فمن المرجح أن صواريخ «حزب الله» من الشمال، وصواريخ «حماس» من الجنوب، والقوات الإسرائيلية المتناثرة على جبهات متعددة في العمليات البرية لن تكسر (إسرائيل)، لكنها سوف توترها وستكون خطوة في إعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة، وهذا هدف مهم لإيران التي سيكون اهتمامها بالهيمنة على العالم العربي أكثر من تدمير (إسرائيل).

  كلمات مفتاحية

غزة (إسرائيل) مسيرة العودة حماس إيران

«حماس» ترفض عرضا لوقف «مسيرة العودة»