هل يقود «جون بولتون» أمريكا إلى حرب مع كوريا الشمالية وإيران؟

الخميس 5 أبريل 2018 12:04 م

لم يتم غلق الباب إلى البيت الأبيض بعد، وفي أعقاب إقالة وزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، جاء أحد الصقور المثيرين للجدل ليتسلم مقعدا آخر في حكومة الرئيس «دونالد ترامب» في أواخر الأسبوع الماضي.

وسيحل سفير الأمم المتحدة السابق «جون بولتون» محل مستشار الأمن القومي السابق، «إتش آر ماكماستر»، ليرافق وزير الخارجية الجديد «مايك بومبيو» من أجل صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في الوقت الذي ينتظر فيه العالم التحركات المقبلة في البيت الأبيض.

وليس من الدقيق التنبؤ بالسياسة الخارجية على أساس تحليل الشخصيات، لكن تعزيز وجود الصقور وغربلة البراغماتيين في البيت الأبيض يؤثر على القيود التي كانت تمنع من انحراف البوصلة، ويزيد من التهور في القضايا ذات المخاطر العالية.

ونتيجة لذلك، يجب أن نراقب جيدا الشخصيات المكلفة باتخاذ قرارات سياسية مصيرية.

لقد دفع مجموعة من البراغماتيين في البيت الأبيض الثمن وظائفهم بسبب مقاومة رغبة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في الترويج لسياسة نزع سلاح نووي قوية تجاه كوريا الشمالية وإيران.

وفي حين لا تزال التكاليف الباهظة للعمل العسكري قائمة، فإن تعيين المتشددين مثل مستشار الأمن القومي المعين حديثا «جون بولتون» ووزير الخارجية «مايك بومبيو» قد تخفف القيود وتزيد من التسامح تجاه المخاطرة في صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

دورة غير آمنة

وفي التجارة، كانت أفعال الرئيس أفضل من أقواله، وقد اعترف البيت الأبيض بإعفاء الحلفاء من التعريفات الجمركية للمعادن، وبدأ في الانحناء في المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وعلى اتفاق التجارة مع كوريا الجنوبية.

وقد ضيقت الإدارة نطاق تعريفتها الضخمة على الصين، للتركيز على القطاعات الإستراتيجية، بعد وزن التأثيرات على المستهلك الأمريكي، ويعد الحوار هادئا بين واشنطن وبكين.

وعلى الرغم من أن التوترات لا تزال مرتفعة، فإننا لم نصل بعد إلى مرحلة حرب التجارة العالمية، ولن نصل إلى هناك ما لم ترفض الولايات المتحدة المعايير التجارية.

ومن المعروف أن «لاري كودلو»، عميد التجارة الحرة، و«غاري كوهن»، الذي شغل منصب كبير المستشارين الاقتصاديين في إدارة «ترامب»، يدعمان وضع سياسات التعريفة التي ينتهجها الرئيس طالما أنه يتوجها بمفاوضات مثمرة في النهاية.

وحتى مع المخاوف من أي حرب تجارية تضر الأسواق العالمية، لا يزال لدى «ترامب» فرصة لادعاء الانتصار في هجومه التجاري الكاسح، بينما يحاول خبراء البيت الأبيض المناورة للهبوط الهادئ في تلك المحادثات.

لكن بعيدا عن التجارة، قد تكون السياسة الخارجية الأمريكية على مسار أكثر خطورة، ويعد تعيين متشددين مثل «بومبيو» و«بولتون» بعد عام من النقاش الصاخب وإجراء تعديلات في المكتب البيضاوي خطوة من جانب الرئيس لسحق المعارضة وتحفيز العمل لصالح جدول أعماله.

ويجلب الصقور القادمون مخاطر كبيرة؛ فليس لديهم فقط القدرة التقنية على اختراق البيروقراطية في واشنطن، ولكنهم أيضا يشاركون الرئيس إيمانه بالقوة الصارمة، باعتبارها أفضل طريقة لاستغلال القوة الأمريكية.

ويمكن لـ«بولتون» أن يقدم أسلوبا ومضمونا يتبنى آراء الرئيس السياسية الأكثر قسوة، ويكاد يكون شاعريا في معاركه، مع ميله إلى نسج الحكايات عن التاريخ الأمريكي، والاقتباسات من الرؤساء السابقين، لدعم حججه بمنحها نوعا من الثقل الفكري الذي يشتهيه «ترامب».

ومثل الرئيس، يرى «بولتون» أن المؤسسات متعددة الأطراف تضعف الدبلوماسية، وتجعلها وسيلة لإضاعة الوقت، وليست حلا للمشاكل، ومع ذلك، فإن السمة الأكثر التصاقا بـ«بولتون» هي حماسته الراسخة لتغيير النظم لمعالجة معضلات السياسة الخارجية الأكثر إرباكا في الولايات المتحدة.

وتتلخص نظرته للعالم في الالتزام بمنع الخصوم الذين لديهم طموحات نووية أو لديهم بالفعل التكنولوجيا النووية بأي ثمن.

وحتى بعد 15 عاما من الحرب الأهلية والانتشار الجهادي والمنافسة الإيرانية التي تلت ذلك، ما زال «بولتون» يساند قرار الولايات المتحدة بغزو العراق على أساس مزاعم بأن «صدام حسين» كان يمتلك أسلحة دمار شامل.

ولقد حاول في مناسبات عديدة تبرير العمل العسكري ضد كوريا الشمالية، باقتراح أن بكين ستكون شريكة في تغيير النظام.

ولقد مهدت حرب العراق الطريق أمام الانتعاش الإقليمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويؤكد «بولتون» أنه يجب على الولايات المتحدة دعم ثورة شعبية في إيران بمجرد أن تمزق واشنطن الاتفاق النووي الإيراني.

بيونغ يانغ تعمل على مدار الساعة

ويعد الخطر الكامن في قبول ومحاولة احتواء المارقين النوويين أمرا لا يقبل الجدل، ولن تكون هناك فعالية لحل بسيط لمنعهم، وفي حالة كوريا الشمالية، من المؤكد أن الوقت ليس إلى جانب واشنطن.

ولقد حاول الزعيم الكوري الشمالي «كيم يونغ أون» بشكل منظم إعاقة خيارات بكين لتغيير النظام، حتى لو كان ذلك يعني اغتيال أعضاء من عائلته.

ولدى بيونغ يانغ أسبابها في إبقاء بكين على مسافة بعيدة؛ حيث يعد الغموض هو خط الدفاع الرئيسي لحكومة كوريا الشمالية، ويتعلق الأمر بعدم السماح للصين أو أي طرف آخر بإلقاء الضوء على ظلامها المصمم بعناية.

وسواء كان التفكير في ضربة «دموية» محدودة لمحاولة زعزعة إدارة «كيم»، إلى التعاون في حملة عسكرية شاملة لإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية بالقوة تحت مظلة الولايات المتحدة، فإن واشنطن ستواجه حتما خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة وعالمية، وما يتبعها من ركود اقتصادي.

وبينما يوازن البيت الأبيض هذه المخاطر، ستحاول «بيونغ يانغ» تمديد الإطار الزمني للحوار لصالحها، مع العلم أنه مع مرور كل أسبوع، فإن برنامجها النووي النامي سيزيد من تضييق الخيارات العسكرية لدى الولايات المتحدة.

من أزمة إلى أخرى

ويرى «بولتون» أن القضايا النووية الكورية الشمالية والإيرانية مرتبطة بشكل جوهري، وفي رأيه، فإن العمل العسكري ضد كوريا الشمالية وإيران له ما يبرره إذا أوقف التعاون النووي بين البلدين.

ويريد «بولتون» التخلص من خطة العمل المشتركة الشاملة، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، وقد دعا إلى انسحاب أحادي وشيك منه على الرغم من حقيقة أن الأطراف الأخرى في الاتفاق والوكالة الدولية للطاقة الذرية على حد سواء يؤكدان أن إيران تمتثل للاتفاق.

وعلى حد تعبيره، «ليس طعنا في الشرف أو أمرا غير معتاد أن تنسحب البلدان من الاتفاقيات الدولية التي تخالف مصالحها الحيوية، وكما قال شارل ديغول، فإن المعاهدات مثل الفتيات والورود؛ فهي لا تدوم».

وعند هذه النقطة، يجب على إيران أن تفترض الأسوأ، ومن خلال التشكيك في صلاحية الصفقة في المقام الأول، قامت إدارة «ترامب» بالفعل بالتخلص من ضماناتها الأمنية الضمنية.

وسوف تفسر طهران الآن أي احتجاج محلي ينبثق كدليل على وجود طابور خامس، في حين يصفه الأيديولوجيون المناهضون لإيران في واشنطن بأنه علامة على الثورة، لكن الواقع بالطبع سيكون أكثر تعقيدا.

وهناك سبب لقيام الولايات المتحدة باختيار حل دبلوماسي غير مستساغ، بسبب تكلفة التدخل العسكري في الخليج العربي لإيقاف طموحات إيران النووية، وبينما تكافح الجمهورية الإسلامية لإبقاء نيران ثورة عمرها 40 عاما تحترق في قلوب شبابها تحت الرماد، لا يرجح أن يرحب الإيرانيون بالمتحررين المتسامحين مع العلاقات مع أمريكا بأذرع مفتوحة.

ومع ذلك، فإن سياسة الولايات المتحدة الأكثر عدوانية تجاه إيران تتبلور بوضوح، وقارن الوضع اليوم مع الوضع في عام 2012، عندما كانت الولايات المتحدة آخر الدول التي تفكر في ملامح المواجهة مع إيران.

وفي ذلك الوقت، كانت (إسرائيل) تزن مخاطر التحول إلى عمل عسكري، وفي هذه المرة، تقف الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية في نفس الجانب، مع حساب تكلفة تدمير خطة العمل المشتركة الشاملة.

وقد تغيرت الأمور في شبه الجزيرة العربية بشكل كبير خلال الأعوام الـ5 الماضية، وأسفرت الأسئلة التي صدرت تجاه الاتفاق النووي حول الالتزامات الأمنية الأمريكية في الخليج إلى دفع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تحمل المسؤولية العسكرية الحقيقية والمكلفة في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني هناك.

والآن، بعد أن تتابع (إسرائيل) علاقات أكثر انفتاحا مع السعودية، يمكن لخطة طوارئ عسكرية أمريكية إسرائيلية ضد إيران على الأقل استكشاف إمكانية الوصول إلى المجال الجوي والقواعد الجوية في الخليج.

وفي الوقت نفسه، تفهم (إسرائيل) أن أي حملة ضغط شاملة على إيران يجب أن تبدأ بحزب الله، ومع وجود إدارة في البيت الأبيض تهتم بمخاوفها، سيوفر ذلك لـ(إسرائيل) فرصة لمحاولة إضعاف المجموعة المسلحة الشيعية، في حين أنها لا تزال مكشوفة أمام جبهة الحرب الأهلية السورية.

وعلى الرغم من أن (إسرائيل) ستضطر إلى مواجهة تعقيدات كبيرة في حملة عسكرية على حدودها الشمالية، ليس أقلها دعم روسيا الكبير لإيران في سوريا، فإن الهجوم العسكري الإسرائيلي المدعوم من قبل الولايات المتحدة ضد حزب الله يظل إمكانية واضحة ومتنامية.

لوحة كاملة

وبالتفكير في نزع السلاح النووي بدعم عسكري واستراتيجية لتغيير النظام للتعامل مع تهديدات الانتشار في أماكن مثل إيران وكوريا الشمالية، فإن ذلك سيكون له تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة وبقية العالم.

وفي حالة كوريا الشمالية، فإن تهديد «ترامب» «بالنار والغضب» يكتسب المزيد من المصداقية في حين يحول إدارته إلى مجلس حرب.

وعلى الرغم من أن احتمال التدخل العسكري يبقى فرصه ضئيلة أمام التوصل إلى اتفاق دبلوماسي هو الأهم في القرن، وهو انسحاب أمريكي من شبه الجزيرة الكورية مقابل نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية وإعادة توحيد كوريا ضد الصين، فقد تؤدي المطالب المرتفعة وانعدام الثقة الشديد من الجانبين إلى تقليص المفاوضات إلى لعبة محفوفة بالمخاطر، في الوقت الذي تحاول فيه كوريا الشمالية إطالة الحوار لفترة كافية لعبور خط النهاية النووي، وحرمان الولايات المتحدة من خيار الضربة الوقائية.

وفي كلتا الحالتين، تخشى واشنطن احتمالات العمل العسكري في مسارح متعددة، في وقت يصل عجز الموازنة فيه إلى تريليون دولار، والانتعاش الاقتصادي هش، وهناك ارتفاع في المنافسة مع الصين وروسيا.

وقال «بولتون» نفسه إنه «مع التهديدات الفورية والمستمرة من الإرهاب الدولي والنشاطات النووية في أماكن مثل كوريا الشمالية وإيران، بالإضافة إلى التهديدات الاستراتيجية من روسيا والصين، فإن أجندة أمريكا مليئة بالفيضانات»، وفي هذا البيان لا يمكن المبالغة في أن كلامه حقيقي للغاية.

والسؤال هو ما إذا كانت تلك الأفكار في هذا البيان ستترجم إلى سياسة تضع في اعتبارها قيودا شديدة وحقيقية.

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الإيراني كوريا الشمالية جون بولتون مايك بومبيو بكين

مستشار «ترامب» للأمن القومي عدو للمسلمين