«ستيفن كوك»: مشاكل «ترامب» الداخلية تقود التحولات المفاجئة في سياسته الخارجية

الثلاثاء 10 أبريل 2018 09:04 ص

فاجأ إعلان الرئيس «دونالد ترامب» مؤخرا أن الولايات المتحدة ستخرج من سوريا «قريبا جدا» مجتمع السياسة، وقد ضرب الناس رؤوسهم من الدهشة، حتى أولئك الذين عارضوا منذ فترة طويلة التدخل الأمريكي في الحرب الأهلية السورية.

وعلى الفور تقريبا، صرحت الصفحات الافتتاحية، وحسابات «تويتر» الرسمية، وكبار المحللين بأن إدارة «ترامب» لم يكن لديها «استراتيجية شرق أوسطية».

لكن هذا الكلام لم يكن دقيقا تماما، لقد كان إعلان «ترامب» عن الانسحاب من سوريا تحولا مفاجئا في السياسة، وكذلك كان متسقا تماما مع استراتيجية الشرق الأوسط التي وضعها في حملته الرئاسية.

لكن منتقدي ترامب «الأكثر ذكاء» لم يتهموه دوما بأن استراتيجيته لم تكن موجودة، بل كانت حاضرة ولكن غير متماسكة بشكل أساسي، ويثبتون الآن أنهم على حق.

وخلال حملته الانتخابية، لم يدع «ترامب» فقط أنه سينسحب من الشرق الأوسط، حيث وعد بأن المصداقية الأمريكية في الخارج لن تتراجع أبدا.

وبالنظر إلى الهجوم الكيميائي الذي وقع في نهاية الأسبوع الماضي في سوريا، فقد تبين أن وعود «ترامب» متناقضة.

وهنا تكمن مشكلة جعل السياسة قائمة على رد الفعل، وفي جوهرها، تتنازل سياسة «ترامب» الجديدة الخاصة أمام القوى الأجنبية التي تريد تغيير النظام السياسي الإقليمي، حيث لا يراها عائقا أمام الولايات المتحدة، وتشمل تلك البلدان إيران وروسيا وتركيا.

ويتعلق نهج «ترامب» تجاه الشرق الأوسط بسياسته الداخلية، وليس استراتيجية لتأمين مصالح بلاده.

بين «ترامب» و«أوباما»

فقد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن استراتيجية «ترامب» تمثل استمرارا لاستراتيجية الرئيس السابق «أوباما» في الشرق الأوسط، وهذا صحيح إلى حد ما.

فعلى الرغم من الاختلافات في الفكر والمواقف، فمن الواضح أن الرجلين يشتركان في وجهات نظر متشابهة حول ما يقرب من عقدين من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وكان ترشح «أوباما» الأول لمنصب الرئاسة مبنيا جزئيا على النقد الصارخ للغزو الأمريكي للعراق، والذي اعتبره بحق حمقا استراتيجيا، لأنه أنفق مبالغ هائلة من الموارد بلا داع، وزعزع استقرار المنطقة، وهدد المصالح الأمريكية، واستنزف القوة بشكل عام.

وكانت المغامرة في العراق هي التي أقنعت «أوباما» بأن التدخل المباشر في سوريا يرقى إلى «اقتراف الغباء»، وبعد كل شيء، قام بحملة لإخراج الولايات المتحدة من حروب الشرق الأوسط، ولم يكن ليدخل في حرب أخرى.

ومن جانبه، انتقد «ترامب» بعض جوانب تفكير «أوباما» طوال حملته الانتخابية، وأعلن «ترامب» في اجتماع حاشد، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، «إن الأشخاص الذين يعارضوننا هم نفس الأشخاص الذين أهدروا 6 تريليونات دولار على الحروب في الشرق الأوسط، وكان بإمكاننا (بهذه الأموال) إعادة بناء بلدنا مرتين، لكننا أنتجنا فقط المزيد من الإرهاب والمزيد من الموت والمزيد من المعاناة، وتخيلوا لو أن هذه الأموال قد تم إنفاقها في الداخل».

لكن «أوباما» كان قد قضى العام الأخير من إدارته يعمل ضد غرائزه الخاصة، واتبع استراتيجية للتدخل في العراق وسوريا تم إجباره عليها بسبب التهديد الذي فرضه تنظيم الدولة الإسلامية ضد العراق، والشرق الأوسط، والمصالح الأمريكية في المنطقة، وأوروبا، وكذلك على الوطن الأمريكي نفسه، وهو ما كان يتطلب منه إلزام الولايات المتحدة بمعركة كان يسعى في السابق إلى تجنبها.

وكان «أوباما» يأمل أيضا أنه بعد انسحاب جميع القوات القتالية الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول عام 2011، سيكون العراق محكوما ومستقرا إلى حد ما، لكن أثبت استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل وأجزاء أخرى من العراق (بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من سوريا) أن «أوباما» كان مخطئا.

وقد تبرأ «ترامب» الآن من سياسة الحزبين الجمهوري والديمقراطي التي ورثها، لصالح تخفيض التدخل الذي يفضله هو و«أوباما» بشكل غريزي.

ولقد أعلن «ترامب» بشكل استباقي «إنجاز المهمة»، موجها صفعة إلى (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، وكل شخص في الولايات المتحدة يساوره القلق بشأن توطيد النفوذ الإيراني والروسي في الشرق الأوسط.

وحتى إذا ردت الولايات المتحدة عسكريا على الهجوم الكيميائي الذي شنه نظام «بشار الأسد» على «دوما»، فمن غير المرجح أن يعكس «ترامب» قراره وأن يبقي على القوات الأمريكية في سوريا.

وخلال المؤتمر الصحفي للبيت الأبيض يوم الجمعة الماضي، أكدت «سارة هاكابي ساندرز» أن الرئيس «ترامب» يريد الخروج من سوريا، لكنه سيجعل المسؤولين عن الوفيات في «دوما» يدفعون ثمن فعلتهم.

فما الذي يفسر تغير سياسة «ترامب» بشكل مفاجئ في هذه اللحظة؟ قد يكون جزء من التفسير متعلقا بالتغييرات الجارية في البيت الأبيض، خاصة مع رحيل مستشار الأمن القومي «إتش آر ماكماستر»، الذي كانت وجهات نظره حول الشرق الأوسط في نطاق النهج الأمريكي التقليدي تجاه المنطقة والحذر من تجدد القوة الروسية.

ومع ذلك، فإن هذا ليس سببا معقولا، لأن بديل «ماكماستر» هو السفير السابق للأمم المتحدة «جون بولتون»، وهو من الصقور المحافظين شديدي الصرامة تجاه طهران، ويشكك بنفس القدر في موسكو.

مصالح سياسية

وفيما يبدو، بالأحرى، أنه عندما يتعلق الأمر بسياسة سوريا، فإن «ترامب» يفكر في الصراع مثل «أوباما»، ولكنه يصنع السياسة مثل «أردوغان»، ليس في التفاصيل بالطبع.

وقد استقبل «أردوغان» الملايين من اللاجئين السوريين، وكان يريد أن يكون الشريك الأصغر في جهد بقيادة الولايات المتحدة لتغيير النظام، قبل أن يستقر على استنزاف «الأسد» من خلال دعم خصومه.

وعندما لم يفلح ذلك، تخلى «أردوغان» على ما يبدو عن جهود إسقاط الرئيس السوري، وقد أصبح يعمل مع وكلاء مناوئين لـ«الأسد» لتدمير دويلة سورية كردية على طول الحدود الجنوبية لتركيا، وهي سياسة ستساعد في نهاية الأمر الحكومة في دمشق.

وهنا يبدو «ترامب» مثل نظيره التركي في الطريقة التي تقود فيها حساباته بشأن السياسية الداخلية التحولات الكاسحة والمفاجئة في السياسة الخارجية، ومن المؤكد أن «أردوغان» سلطوي، لكنه ليس ديكتاتورا، لدرجة أنه غالبا ما يتم تصويره على أنه سياسي داهية وناجح، تهدف سياساته إلى كسب شعبه، وإثارة غضب عدد كبير من الخصوم.

ويدرك «أردوغان» أنه يواجه ساحة سياسية ذات مخاطر عليه وعلى حزب العدالة والتنمية، ولإكمال رؤيته التحويلية للمجتمع التركي، فإنه يحتاج إلى الفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في عام 2019، وفي نفس الوقت تأمين أغلبية في البرلمان.

ويعد التدخل التركي في سوريا، والذي بدأ في يناير/كانون الثاني الماضي، ويهدف إلى تدمير وحدات حماية الشعب الكردية السورية، جزءا من هذا الجهد، لأنه يساعد «أردوغان» على استمالة اليمين القومي، ويعتبر التدخل العسكري محفوفا بالمخاطر، ولكن من المرجح أن «أردوغان» سوف يستفيد منه سياسيا.

ومثل «أردوغان»، الذي يحتاج إلى أن يظل العدالة والتنمية هو الحزب المهيمن، يريد «ترامب» التمسك بالأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ويتطلع بالفعل نحو إعادة انتخابه في عام 2020.

لكنه في الحقيقة اتخذ خطوات ضد ذلك، فقد اتخذ خطوات لتقويض الرفاهية الاقتصادية للمزارعين الذين صوتوا له، ودمر سوق الأوراق المالية، وأغضب مجموعة أساسية من أعضاء «حزب الشاي» من خلال التوقيع على تخفيض ضريبي أضاف إلى حد كبير إلى العجز، وضرب صفقة الميزانية التي لم تشمل تمويل جدار على الحدود الجنوبية، وهو محور رئاسته.

وفي مقابلة مع «فرانك بروني» من صحيفة «نيويورك تايمز»، أعلن المؤيد والمعلق المحافظ «آن كولتر» الحرب على الرئيس، لأنه لم يحدث أي تقدم في ما أصبح يعرف باسم «الجدار».

لكن ما علاقة هذا بسوريا؟ حسنا، كل شيء في الواقع يعود إلى حملة «ترامب» عام 2016، بينما ينتظر بقلق انتخابات منتصف المدة، وقد قام بتشديد حرب تجارية مع الصين، وأعلن وفاة برنامج العمل المؤقت للمهاجرين (قانون الهجرة)، وأمر بنشر الحرس الوطني في الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك لإبعاد «قوافل» المهاجرين.

وفي خضم كل هذا، أعلن عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ويدفئ كل هذا قلوب العديد من ناخبي الرئيس، لكن بالنظر في دوامة العنف المعقدة في الحرب الأهلية السورية، لا شك أن العديد من الأمريكيين لا يدعمون بالضرورة أجندة «ترامب».

ويعبر تحول «ترامب» في سوريا عن حالة مثالية لسياسي أمريكي يقوم بما هو الأفضل لمصلحته السياسية ولكن بتكاليف كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة.

وسوف تسهل مغادرة سوريا الأمر على إيران في رحلة تعزيز نفوذها في ذلك البلد والمنطقة، وسوف يزيد من صعود الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في الشرق الأوسط، فيما سيقابل ذلك تراجعا حادا لصورة الولايات المتحدة.

وهذه مشكلة، لأنه في حين أن الأمريكيين - ولأسباب وجيهة - سئموا من الشرق الأوسط، لا تزال هناك مصالح لواشنطن هناك، والتي، إذا كان هناك من يتساءل، هي النفط و(إسرائيل)، وضمان عدم هيمنة أي بلد على المنطقة، وهناك أيضا مكافحة الإرهاب وحظر الانتشار النووي.

وتدور بعض الضجة في كل من اليسار واليمين بالنسبة للولايات المتحدة لإعادة تعريف مصالحها في الشرق الأوسط، ولكن هذه الدعوات لا تقوم إلا على النصح اللفظي، وتفتقر إلى خطة أو استراتيجية فعلية.

وفي الوقت الحالي، سوف تستمر المخاوف التي شكلت المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط لفترة طويلة، ولكن لا يبدو أن هناك من يرغب في الدفاع عنها، على الأقل رئيس الولايات المتحدة، الذي جعل الشرق الأوسط امتدادا للحسابات السياسية الداخلية.

وقد يكون من الصعب قبول ذلك، ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد حماية هذه المصالح الأساسية الثلاثة، فإن البقاء في سوريا يجب أن يكون جزءا من الاستراتيجية الأمريكية.

لكن هذا لا يبدو مرجحا، لذا فلا عجب ألا أحد يهتم كثيرا بما تقوله واشنطن أو تفعله.

  كلمات مفتاحية

سوريا ترامب أردوغان أوباما

«نيوزويك»: «ترامب» مكتئب ويمضي أيامه في الأكل ومشاهدة التلفاز