سوريا والبلقان.. تركيا تراقب أعداءها على جبهات متعددة

الأربعاء 11 أبريل 2018 10:04 ص

تعد تركيا في موقف لا تحسد عليه كونها محاطة بالخصوم التاريخيين؛ روسيا إلى الشمال، وإيران إلى الشرق والجنوب، عبر سوريا، وأوروبا إلى الغرب.

وقد خاضت الإمبراطورية العثمانية حروبًا في كل هذه المسارح في مرحلة أو أخرى، ولكن حتى في أوج قوتها، لم تستطع الإمبراطورية العثمانية المشاركة في مسارح متعددة في وقت واحد ولم تكن تعتمد في تحقيق الفوز على التعصب الديني لقواتها، كما ادعى بعض المعلقين الأوروبيين في ذلك الوقت، ولكن عبر تخصيص الموارد بطريقة حذرة للمسرح الأكثر إلحاحًا مع إبقاء المسارح الأخرى هادئة نسبيا، واليوم، مع تزايد قوة تركيا، ما زالت تمارس هذه الاستراتيجية.

دروس التاريخ

هناك حدثان لا علاقة لهما على ما يبدو؛ أحدهما داخلي والآخر خارجي، يكشفان كيف تقوم أنقرة بتطبيق هذه الإستراتيجية؛ الأول هو هدم مركز أتاتورك الثقافي، الذي يقع في ساحة تقسيم، موقع احتجاجات عام 2013، وقد أشاد «أردوغان» بهذه الخطوة وقال إن المبنى سوف يتحول إلى دار للأوبرا.

ومع توسع قوة تركيا، يبدو أنها سوف تبتعد عن الجمهورية العلمانية التي كانت جزءًا محوريًا من رؤية المؤسس «مصطفى كمال أتاتورك» للبلاد الذي كانت أوروبا هي نموذجه بالنسبة لتركيا الحديثة، ولذلك كان البلد بحاجة إلى البناء على نظام سياسي علماني.

لدى «أردوغان» رؤية مختلفة لتركيا، تتطلب أن يلعب الدين دوراً أكبر في المجتمع والسياسة، وهدم المركز الثقافي هو خطوة في هذا الاتجاه حيث يريد «أردوغان» توحيد البلاد حول جذورها المسلمة، لأن دولة مقسمة لا يمكن أن تكون دولة قوية لفترة طويلة، وعندها فقط سيكون قادراً على التعامل مع التهديدات التي تواجه تركيا من الخارج.

والحدث الثاني هو تسلم تركيا 6 أعضاء من حركة «فتح الله كولن» الأسبوع الماضي من كوسوفو دون علم حكومة كوسوفو، وردا على التسليم المفاجئ، أقالت كوسوفو وزير الداخلية ورئيس المخابرات وقد أدان «أردوغان» إقالة المسؤولين واتهم رئيس وزراء كوسوفو «بحماية الإرهابيين».

قد لا تواجه تركيا نفس النوع من التحديات التي واجهتها خلال الحقبة العثمانية، عندما حاربت من أجل أراضيها في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، لكنها ما زالت محاطة بأعداء محتملين.

وبالنظر إلى أنها قد انخرطت بالفعل في الصراع في سوريا، يجب عليها تقليل التهديدات التي يمكن أن تنشأ على جبهاتها الأخرى.

ففي أوروبا، يعني هذا أن عليها أن تفعل كل ما في وسعها للحفاظ على البلقان تابعا للتأثير التركي، وخلال حكم العثمانيين، شكلت أوروبا تهديدًا دائمًا حتى عندما كان العثمانيون يسيطرون على كوسوفو والمجر، فإن المسافة بين أوروبا الوسطى والقلب العثماني جعلت من الصعب نشر القوات هناك حيث استغرق الأمر ما يصل إلى ثلاثة أشهر فقط لنقل القوات إلى ساحة المعركة، وكان شتاء أوروبا القاسي يعني أن الحملات العسكرية كان ينبغي أن تتم في غضون موسم واحد. (الخريطة: الإمبراطورية العثمانية)

وبسبب التحديات اللوجستية، لا تريد أنقرة شن حرب أخرى في أوروبا، لكنها تريد أن تمارس السلطة في المنطقة لضمان أنها لا تشكل تهديدًا خطيرًا عليها، وقد اكتسبت أنقرة نفوذاً كافيًا على وكالة الاستخبارات في كوسوفو لإبعاد ستة أشخاص من البلاد دون معرفة الحكومة، ما يدل على أن أنقرة تعمل بالفعل للحصول على موطئ قدم هناك.

ويمكن للنفوذ التركي في كوسوفو أن يضعف صربيا، الأمر الذي سيفيد أنقرة وفي الواقع، كان ضعف صربيا، في أعقاب وفاة الحاكم الصربي «ستيفان دوسان» وتفشي وباء الطاعون في القرن الرابع عشر قد مكن العثمانيين من الانتقال إلى المنطقة والسيطرة على الأراضي، وقد فقدوا هذه المنطقة بعد ذلك.

ولكن إذا اندلعت حرب في البلقان، فإن أنقرة ستدعى للدفاع عن إخوانها المسلمين في البوسنة والهرسك، خاصة بالنظر إلى أن المؤسسات المتعددة الأطراف مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي التي أبقت على السلام في البلقان طيلة العشرين سنة الماضية تضعف وسيكون هذا مكلفًا ويحتمل أن يكون خطيرًا على الأتراك وتريد أنقرة بدلاً من ذلك أن تمارس نفوذها على المنطقة، لكنها لن تصل إلى حد خلق الكثير من التقلبات التي يمكن أن ينشب فيها صراع عسكري.

الأولوية للأهم

يكمن القلق الأمني الأكثر إلحاحاً في تركيا في الشرق الأوسط، لذا سيبقى تركيزها هناك وهي تواجه الآن تحديات كبيرة من إيران المنافسة التاريخية التي أنشأت وضعا قويًا في سوريا، وبدرجة أقل في العراق ويأتي هذا على النقيض من الوضع القائم أيام الإمبراطورية العثمانية، عندما كانت الأراضي التي تشكل الآن سوريا والعراق خاضعة لسيطرة العثمانيين وعملت كحاجز بين العثمانيين والسلالة الصفوية الفارسية.

ومع وجود سوريا والعراق فيما بينهما، لم يكن على الإمبراطوريتين مواجهة بعضهما البعض في مناطقهما الأساسية وهذا هو السبب في أن سوريا والعراق المواليتين لإيران يشكلان خطرا كبيرا على تركيا، حيث يمكن أن يجد أحد خصومها الرئيسيين طريقا للوصول إلى أعتاب تركيا.

في الوقت نفسه، تدرك تركيا أنها لا تزال بحاجة إلى مراقبة جبهتها الغربية وسيجبرها ذلك، في مرحلة ما، على إعادة تركيز اهتمامها على البلقان، وهي نقطة اشتعال محتملة للصراع.

وقد كانت البلقان منطقة حرجة بالنسبة للإمبراطورية العثمانية، حيث شكلت ما يصل إلى 25 في المائة من إيراداتها من الضرائب خلال فترة صعودها في القرنين السادس عشر والسابع عشر وتسبب فقدانها في موجة من الثورات القومية التي ألهمتها الثورة الفرنسية في القرن التاسع عشر في شلل الإمبراطورية العثمانية، ما مهد الطريق أمام القوى الأوروبية لدفع العثمانيين إلى الخروج من القارة.

ويبدو غزو تركيا لسوريا مدفوعا بعدد من الأهداف التكتيكية، ولكن جميعها مرتبطة باستراتيجيتها لإعادة إنشاء مساحة عازلة بينها وبين إيران وفي حين أنها تنفذ هذه الاستراتيجية، فإنها لا تريد أن تنجر إلى صراع آخر في مكان آخر، وستسعى إلى إبقاء خصومها التاريخيين في وضع حرج بينما تنهي غزواتها الشرقية أولا.

  كلمات مفتاحية

تركيا سوريا البلقان الإميراطورية العثمانية

«ستراتفور»: لماذا تراجعت تركيا عن هجومها على سنجار؟

«أردوغان»: عملية درع الفرات بسوريا مستمرة في عفرين ومنبج