روسيا في الفناء الخلفي لأميركا

السبت 21 فبراير 2015 02:02 ص

في غمار انشغال العالم بصخب الأحداث في الشرق الأوسط وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة في الثاني عشر من شباط الجاري، قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بجولة في أميركا اللاتينية شملت فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا. وهي، كما نعلم، دول «حساسة» لواشنطن، حيث تقع في ما يسمى بــ «الحديقة الخلفية» للولايات المتحدة.

وأسفرت زيارة الوزير الروسي عن اتفاقات مع هذه الدول الثلاث، منها إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع فنزويلا وتسهيل الإجراءات الخاصة بدخول السفن الحربية البحرية الروسية إلى موانئ فنزويلا ونيكاراغوا، بالإضافة إلى توقيع عدد من وثائق التعاون العسكري التقني مع هاتين الدولتين.

في كوبا، التي بدأ الغزل بينها وبين الولايات المتحدة مؤخراً، أكد شويغو أهمية تطوير العلاقات العسكرية الروسية ـــ الكوبية، خصوصاً لناحية استقبال السفن الحربية الروسية في مرفأ هافانا. وينظر الروس إلى هذه الجولة كاستمرار لمحاولات بلادهم المستميتة لتعزيز وجودها العسكري في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، وكرد على توسع «حلف شمال الأطلسي» في اتجاه الحدود الروسية.

إن المحاولات الروسية لاستعادة ما يُطلق عليه البعض «الماضي السوفياتي» في أميركا اللاتينية تجلت بوضوح في أواخر الولاية الثانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (2004 ـــ 2008)، عندما حطت في أيلول 2008 قاذفتان استراتيجيتان تابعتان للقوات الجوية الروسية من طراز «توبوليف ـــ 160» في مطار «ليبيرتادور» العسكري في فنزويلا، إيذانا بمرحلة جديدة لعودة روسيا إلى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة. وعادت هاتان القاذفتان الروسيتان إلى روسيا بعد استعراض القوة الروسية بالتحليق فوق المياه الدولية، كمقدمة للتحضير لمناورات عسكرية روسية فنزويلية مشتركة جرت في بحر الكاريبي في تشرين الثاني من العام المذكور.

ووقعت موسكو مع كاركاس عقودا عسكرية بأكثر من أربعة مليارات دولار، شملت تجهيز الجيش الفنزويلي بالمقاتلات المتعددة المهام «سوخوي ـــ 30 م ك ف»، ومروحيات النقل العسكري «مي ـــ 17»، ورشاشات كالاشنيكوف. كما جرى توقيع عقد حول إنشاء مصنع لإنتاج هذه الرشاشات في الأراضي الفنزويلية. بالإضافة إلى ذلك، وقعت روسيا وفنزويلا عقداً لإنشاء مركز فني لتصليح وصيانة الطائرات الحربية، وكذلك مركز لتصليح المروحيات وتدريب الطيارين.

ويشير المركز الروسي لتحليل التجارة العالمية للسلاح إلى احتمال أن تحتل فنزويلا قريبا المرتبة الثانية، بعد الهند، من حيث حجم شراء السلاح والتقنيات العسكرية الروسية. وفي السياق نفسه، لا يُستبعد أن تسعى موسكو للعودة إلى محطة رادار في الأراضي الكوبية كان يستخدمها في السابق الاتحاد السوفياتية، وأغلقتها روسيا بعد انهيار الدولة السوفياتية مطلع الألفية الجديدة.

ورغم محاولات استعادة التعاون العسكري مع بعض دول أميركا اللاتينية، تُصر موسكو على أنها لا تنوي نشر قواعد عسكرية في تلك البلدان. فقد أكد نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف، الذي شملته العقوبات الأوروبية والكندية مؤخراً بسبب الأزمة الأوكرانية، أن «بلاده لا تُخطط لإقامة قواعد عسكرية في أميركا اللاتينية، ولكنها تدرس مع العديد من بلدان أميركا اللاتينية إمكانية إنشاء مشاركات الدعم اللوجستي في أراضيها لمصلحة الجيش الروسي».

وكان أنطونوف في نهاية العام الماضي قد أعلن أن بلاده «تخطط لتوسيع تعاونها العسكري التقني مع أميركا اللاتينية من خلال إنشاء الموانئ واستخدام مطارات هذه الدول». لكن هذه التصريحات يعتبرها بعض المراقبين من قبيل ذر الرماد في العيون للتغطية على التوجه الروسي الجديد في إطار التغيرات التي جرت في العالم منذ الحرب الروسية ـــ الجورجية والأزمة الأوكرانية الحالية. وهذا يمس، في المقام الأول، سياسة خارجية وعسكرية روسية جديدة تتضمن تأكيد دور روسيا كقطب مهم على الساحة الدولية.

ومن المعروف أن المحاولات الروسية ذات الطابع العسكري تشمل أيضا منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في اتجاه سوريا وإيران ومصر والعراق والجزائر وغيرها من دول تلك المنطقة، كما تشمل آسيا والدول الآسيوية التي كانت تدور في الفلك السوفياتي السابق. هذا بجانب العلاقات العسكرية المميزة بين روسيا والصين، وروسيا والهند.

إن محاولات العودة العسكرية الروسية إلى الفناء الخلفي للولايات المتحدة، تأتي من أكثر الأمور التي تقلق واشنطن، خصوصاً أنها تأتي كجزء من الرد الروسي على الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية وتوسع «حلف شمال الأطلسي».

في هذا السياق، يعتقد مدير «المركز الروسي للدراسات الجيوسياسية»، ليونيد إيفاشوف، أن جولة شويغو في فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا بالغة الأهمية. ويقول في هذا السياق إن بلاده بحاجة الى رادع ما «غير نووي» لعدوان محتمل عليها.

غير أن ما يعقد المسألة هو محدودية القدرات المالية لهذه الدول، بما في ذلك فنزويلا التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة. فقد توقفت روسيا عمليا عن «السخاء السوفياتي» السابق، سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي. وربما تعطل أو تأخر صفقة السلاح الروسي لمصر، التي سلط الإعلام الأضواء عليها بمبالغة شديدة على مدار العام الماضي، يعكس هذا الأمر. 

 

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا الهند التجارة السلاح افريقيا الحدود التصريحات

«المونيتور»: التوترات تتصاعد بين السعودية وروسيا

روسيا تهدد بدعم إيران لمهاجمة السعودية في حال تسليح أمريكا لأوكرانيا

أوكرانيا تتخلى عن حيادها .. طريق «الناتو» أقرب من روسيا

«أوباما» يعترف: خفض أسعار النفط «قرار سياسي» لإضعاف روسيا

أمريكا تؤكد: «الأسد قاتل وفقد الشرعية» .. وروسيا تُجيب: «ندعم بشار لمحاربة الإرهاب»

مسؤولون غربيون: «بوتين» يمثل «خطرا حقيقيا وراهنا» على دول البلطيق

«نيمتسوف» .. الاغتيال الأحمق

روسيا والجبهة الأميركية الأطلسية