من يحرك الكرملين؟

السبت 21 فبراير 2015 04:02 ص

ينطلق الرد الغربي على الاشتباه في الدعم العسكري الروسي للمتمردين في أوكرانيا على فكرة مؤداها أن أكبر نفوذ في الدائرة الداخلية للكرملين تتمتع به «الأوليغاركية» أي طبقة الأغنياء أصحاب النفوذ السياسي. وقد استند هذا الرد أيضاً على افتراض أنه إذا استطعت الإضرار بالصفوة الثرية المؤيدة للرئيس بوتين، فبوسعك الضغط عليه بطريقة غير مباشرة. وهناك تقارير تؤكد تضرر قطاعات من «الأوليغاركية» الروسية بشدة، لأن العقوبات الغربية بالإضافة إلى الانخفاض الشديد في أسعار النفط، ألحقا بها خسائر اقتصادية كبيرة.

والسؤال الآن: لماذا وسع الانفصاليون الأوكرانيون هجومهم وتحدثوا عن خيار نقل الحرب إلى كييف؟

يبرر البعض هذا بأن «الأوليغاركية» لم تعد هي التي تؤثر في قرار الكرملين، بل إن المؤسسة العسكرية الأمنية الروسية المعروفة هناك باسم «السيلوفيكي» هي التي باتت تشكل السياسة الخارجية للكرملين.

ويرى ألكسندر جولتس، الخبير العسكري المستقل، أن الأمر لا يقتصر على القوات المسلحة، بل هناك قوات الأمن الداخلي وجهاز الأمن الاتحادي «إف. إس. بي» والشرطة والمنظمات الأمنية الأخرى. والرؤية الأساسية للسيلوفيكي هي أن روسيا محوطة بالأعداء ويتعين عليها الدفاع عن نفسها ضد العدوان الخارجي والمؤامرات الداخلية».

ويشير جولتس إلى أن «السيلوفيكي» ليست مجرد حفنة من الجنرالات وضباط المخابرات، بل يصل عدد المحسوبين عليها، بالإضافة إلى أسرهم «إلى نحو عشرة ملايين تم توزيعهم بشكل استراتيجي... والعناية بهم ربما تكون أكثر أهمية من الأهداف المعلنة لعملية إعادة تسليح الجيش وتحديثه.. وهذا يلعب قطعاً دوراً في توجيه السياسة الروسية» ناحية وجهات النظر العسكرية والقومية. 

معظم مراقبي الشأن الروسي يشيرون إلى أن فهم تفكير الكرملين والمؤثرين عليه صعب، وبعض ما يتردد عنه يبقى مجرد تخمين وشائعات وقراءة فنجان. ويعتبر البعض «ألكسندر دوغين» الباحث اليميني البارز ومؤسس المدرسة «الأوراسية» المناهضة للغرب في الفلسفة السياسية الروسية، هو أفضل مرجع لمعرفة وجهة نظر موسكو للعالم. والعام الماضي وصفته مجلة فورين افيرز بانه "مخ بوتين". وإذا كان هناك من يعرف حركة الدوائر الداخلية المؤثرة في رسم مواقف الكرملين فهو هذا الرجل. ولكن «دوجين» نفسه ذكر أن أي تأثير له في الكرملين انتهى الصيف الماضي عندما أقيل هو وبعض الخبراء الآخرين من وظائفهم، وتتم تنحيتهم جانباً، وقال «إن أي شيء يخبرك به أي أحد عن الطريقة التي يتخذ بها الكرملين القرارات إما أنه تضليل أو خطأ».

ولكن معرفة من يحظى باهتمام وثقة الرئيس بوتين حالياً مهم أيضاً للغاية بالنسبة للسياسة الغربية في وقت سجلت فيه علاقات الغرب مع موسكو حالة تراجع كبيرة لم تبلغ مثلها مذ عقود. وفي الآونة الأخيرة صرح «سيرجي ماركوف»، مستشار بوتين للصحفيين، بأن تركيبة الدائرة الداخلية المقربة من الرئيس تغيرت بشدة العام الماضي، فتمت تنحية «الأوليغاركية» التي تعتمد قوّتها المالية على العلاقات الطيبة مع الغرب لتحل محلها قوة تأثير «السيلوفيكي».

وإذا صح أن سياسة العقوبات الغربية التي تسعى للضغط على الكرملين لتغيير النهج في أوكرانيا، من خلال الضغط على المقربين منه الأثرياء، ربما أدت فعلياً إلى تصاعد في التأييد الشعبي للجيش، وإلى تصلب مقاومة الكرملين بشأن التوصل إلى حلول وسط حيال أوكرانيا، فإنها بذلك تكون قد أخفقت في تحقيق أهدافها.

وقد أشار خبراء إلى أن تأثير المؤسسة العسكرية الروسية وقوات الأمن، وما تتمتع به من امتيازات، تصاعد في عهد بوتين، وربما يتزايد النفوذ والحظوة مع نزوع روسيا إلى مواجهة تتزايد صعوبة مع الغرب بشأن أوكرانيا. ويشير «أليكسي موخين» مدير «مركز المعلومات السياسية» المستقل في موسكو، إلى أنه على رغم بقاء معدلات التأييد لبوتين عند أكثر من 80 في المئة، إلا أن الكرملين يعلم أيضاً أن هذا لن يدوم إلى الأبد.

ويجادل محللون قائلين إن التركيز الشديد على دور «السيلوفيكي» في صياغة سياسة الكرملين يتجاهل دور «الأوليغاركية» الذي يبقى مهماً، على كل حال، وخاصة أن عليها إعادة بناء اقتصاد روسيا لتفادي تداعيات العقوبات، والاعتماد على موارد جديدة للاستثمار والنمو. وأشار بعضهم أيضاً إلى أن بوتين سيسعى لتحقيق توازن بين الجماعات المختلفة المقربة من الكرملين لتشكيل سياسة جديدة بهدف تقليص الخسائر الاقتصادية وإقصاء التوجهات السياسية غير الملائمة من وجهة نظر الكرملين.

* فريد واير كاتب ومحلل سياسي

  كلمات مفتاحية

روسيا من يحرك الكرملين الأوليغاركية السيلوفيكي بوتين الأوراسية الغرب ألكسندر دوغين

روسيا تهدد بدعم إيران لمهاجمة السعودية في حال تسليح أمريكا لأوكرانيا

أزمة اقتصاد روسيا كما يراها بوتين

«أوباما» يعترف: خفض أسعار النفط «قرار سياسي» لإضعاف روسيا

الأيديولوجية الروسية: غياب الموضوعية ..؟!

التحول الروسي من دعم نظام «الأسد» إلى «التوسط بين الطرفين»

«الكرملين» لا يؤكد صحة تصريحات «أوباما» عن تغير موقف بوتين من «الأسد»