«فورين بوليسي»: كيف قتلت الإمارات «الصماد» بـ«درون» وصاروخ صينيين؟

السبت 28 أبريل 2018 02:04 ص

في مساء يوم الإثنين، ظهر مقطع فيديو على الإنترنت مصور باللونين الأبيض والأسود عبر طائرة بدون طيار كانت تراقب قافلة مكونة من سيارتين تسير باتجاه الشمال على طول الطريق 45، شرق «الحديدة» في اليمن. ويظهر الفيديو تحول مسار هدف الطائرة بدون طيار، وهي سيارة تويوتا لاند كروزر زرقاء وسيارة أخرى تسير خلفها، إلى شارع جانبي. وبعد ثوان، تم ضربها بصاروخ بلو أرو 7 صيني الصنع.

ضغط سائق السيارة الثانية على الفرامل، وهرع مع رفاقه إلى السيارة التي تم ضربها، والتي تشتعل فيها النيران لاصطحاب الناجين. ولكن في التو، تأتي أوامر من ضباط مراقبة وتغذية الطائرات بدون طيار من غرفة عمليات في دولة الإمارات العربية المتحدة بـ«تحديد الهدف». وفي حين يبدأ الناجون بالابتعاد عن الحطام، يأتي الأمر «اقتلهم».

وفي تمام الساعة الثانية ودقيقتين وقعت الضربة الثانية، وانفجرت غرفة القيادة بالتصفيق، وفي لقطة عرضها «فورين بوليسي»، كان أحد الضباط في الغرفة يهتف: «ضربة جيدة يا شباب، ضربة جيدة! لقد أصبنا سيارة ابن الكلب هذا».

وفي النهاية، تم الإعلان عن مقتل «صالح الصماد»، رئيس المجلس السياسي الأعلى لـ«الحوثيين»، في غارة بطائرة بدون طيار، مما أدى إلى تعثر جديد في طريق عملية السلام اليمنية الراكدة بالفعل.

وكان «الصماد» شخصية تصالحية في التمرد الحوثي، وسعى للتوصل إلى تسوية تفاوضية للحرب الأهلية في اليمن. وكان من المقرر أن يلتقي مع «مارتن غريفيث»، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، في 28 أبريل/نيسان.

ومع ذلك، لا يزال التاريخ الدقيق للغارة غير واضح. وأعلن «الحوثيون» وفاة «الصماد» يوم الاثنين، وأفادت العديد من وكالات الأنباء الغربية أنه قد قتل يوم الخميس السابق. لكن «الصماد» كان في جنازة يوم السبت، الأمر الذي يشير إلى أن الضربة التي قتلته وقعت على الأرجح يوم الأحد، 22 أبريل/نيسان.

وتأتي وفاة «الصماد» في الوقت الذي تدخل فيه اليمن عامها الرابع من الحرب الأهلية. وفي عام 2014، سيطر «الحوثيون» على شمال غرب البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، بدأ تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، يضم الإمارات، عمليات عسكرية لإسقاط «الحوثيين»، في نزاع أسفر عن مقتل أكثر من 10 آلاف مدني في اليمن.

الوكيل الجديد

وتسلط الضربة، التي تعد أول اغتيال ناجح لشخص بارز في التمرد الحوثي، الضوء على الحسم العسكري المتزايد لدولة الإمارات. ومنذ عام 2016، تحاول الدولة الخليجية ترسيخ نفسها كشريك الغرب الرئيسي لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وفي نفس الوقت كانت دعم قدراتها العسكرية من خلال صفقات أسلحة مع بكين.

ويقول «فارع المسلمي»، الزميل المشارك في معهد «تشاتام هاوس»: «إنهم يعملون بجد بشكل لا يصدق على أساس كونهم الوكيل الجديد في المنطقة، سياسيا وعسكريا، فهم لم يعودوا يريدون البقاء على الهامش. وتعتبر اليمن واحدة من المعارك التي يعتقدون أنها يمكن أن تحسن كل من مؤهلاتهم وقدراتهم».

وقد استثمرت الإمارات بكثافة في المساعدات العسكرية للقوات التي تدعمها قوات التحالف في اليمن. وقد شيدت وحدات أمنية مختلفة، ينظر إليها على أنها قوات بالوكالة من قبل الأمم المتحدة، لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على الساحل الجنوبي. والآن، توجه الإمارات جهودها لدعم «طارق صالح»، وهو ابن أخ للرئيس الراحل «علي عبدالله صالح»، يقود هجوما لاستعادة ميناء «الحديدة» الاستراتيجي من «الحوثيين».

ويقول قائد كبير لقوات التحالف البرية التي تتقدم من ميناء «المخا»: «في الأيام الأخيرة ، كنا نراقب عن كثب تحركات قيادة الحوثيين».

وكانت الضربة التي قتلت «الصماد» جزءا من هجوم التحالف بقيادة السعودية على «الحديدة». حتى أن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، «خالد بن سلمان»، قام بالتغريد عن الضربة في وقت سابق من هذا الأسبوع، مدعيا أنها كانت ردا على هجمات صواريخ الحوثي. وكتب السفير السعودي: «تعهد الصماد قبل أسبوعين بجعل عام 2018 عام الصواريخ البالستية في السعودية، وكان الرد عليه ضربة مباشرة تحت قيادة وزير الدفاع صاحب السمو محمد بن سلمان».

وعلى الرغم من أن السعوديين قد ادعوا الفضل في الضربة، إلا أن المعلومات الاستخباراتية للهجوم تم توجيهها من خلال الموالين لـ «طارق صالح» إلى الإمارات، والتي نفذت العملية أيضا.

ولم تستجب الإمارات لطلب الحصول على تعليق رسمي.

وكان الرئيس السابق «صالح»، الذي أطيح به في عام 2011 خلال الربيع العربي، قد خاض حربا استمرت 10 أعوام ضد حركة التمرد الحوثية التي كانت تحاول الإطاحة بالحكومة. وفي عام 2014، دخل «صالح» في شراكة مع «الحوثيين» كوسيلة فعالة لتقويض خليفته، الرئيس «عبدربه منصور هادي»، ومع ذلك، في أواخر العام الماضي، بعد معركة شرسة في العاصمة، انهار التحالف منتهيا بمقتل «صالح».

وقد تم إجبار «طارق صالح» ورجاله على اللجوء إلى الإمارات، حاملين معهم معرفة عميقة بالأعمال الداخلية لـ«الحوثيين».

ليس حادثة منعزلة

ولم يكن موت «الصماد» حادثة منعزلة. وقد تم مؤخرا قتل عدد من الشخصيات الرئيسية من «الحوثيين»، الذين يشتركون في علاقات وثيقة مع الرئيس السابق «صالح»، مثل «منصور السعيدي»، قائد القوات البحرية الحوثية، و«صلاح الشرقي»، نائبه، و«ناصر القباري»، القائد العام لقوات الحوثي، و«فارس مناع»، تاجر الأسلحة سيئ السمعة والحاكم السابق لصعدة، وكلهم تم قتلهم في غارات جوية على مدار الأسبوع الماضي.

ومن المرجح أن يؤدي موت «الصماد» إلى تفاقم الانقسامات القائمة داخل الحركة الحوثية، حيث كان قد لعب دورا مهما في تماسكها. وكان أعضاء كبار في الحركة يقولون إن الوقت قد حان للتفاوض وتأمين صفقة مواتية. وكان يُنظر إلى «الصماد» كمفاوض موثوق به بسبب صلاته القوية مع عائلة «صالح». وفي المقابل، اعتقد معظم قادة الحركة أن هزيمة الرئيس السابق مقتله أثبتت جدوى اتباع نهج أكثر عدوانية.

وتوضح الضربة ضد «الصمد» أن الإمارات تسعى أيضا إلى مواصلة الكفاح العسكري واختبار قدرات جديدة. وفي العام الماضي، باعت الصين إلى الإمارات «لونغ وينغ 2»، وهي مركبة جوية غير مأهولة بالسلاح تعادل «إم كيو 9» الأمريكية.

ويقول «جاستين برونك»، وهو زميل باحث متخصص في القوة الجوية في لندن: «لقد كانت الإمارات تميل إلى نشر الطائرات بدون طيار. وقد رأينا استعدادهم لاستخدامها في مناطق حساسة سياسيا، مثل ليبيا، حيث قاموا هناك بضربات».

ويقول «برونك» إن «الصماد» تم قتله برأس حربي شديد الانفجار صيني الصنع.

وهذا جزء من سياسة أوسع لدولة الإمارات لتوسيع النفوذ في جميع أنحاء المنطقة، مع العديد من القواعد العسكرية على طول الساحل الجنوبي لليمن، إضافة إلى القاعدة الجوية الأكبر في عصب في إريتريا، وخطط التعاون الدفاعي مع الصومال. كما تقوم الإمارات ببناء علاقات مع السودان والسنغال، وكلاهما أرسل قوات إلى الخطوط الأمامية في اليمن.

ويتناغم دور الإمارات المتنامي مع مصالح الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وشهدت اليمن زيادة هائلة في عدد هجمات الطائرات بدون طيار منذ بداية إدارة الرئيس «دونالد ترامب». كما تشن الولايات المتحدة غاراتها الخاصة، بما في ذلك غارة شنتها قوات الكوماندوز على نطاق واسع في مقاطعة باييدا في يناير/كانون الثاني 2017. واعتبرت تلك الغارة التي أدت إلى مقتل جندي البحرية الأمريكية «وليام أوينز» وما لا يقل عن 16 مدنيا يمنيا، بمثابة فشل ذريع.

ويبدو أن قيام دولة الإمارات بغارات مباشرة يعفي كل من الضغط على القوات الأمريكية والمخاطر التي تتعرض لها، ولذلك عززت الولايات المتحدة جهود الإماراتيين. كما شاركت واشنطن في الحرب الأهلية في اليمن، حيث قدمت الأسلحة والتدريب للقوات السعودية والإماراتية، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي والاستخباراتي المباشر لحملة التحالف الجوية، بما في ذلك إعادة تزويد طائرات التحالف بالوقود أثناء الطيران.

تحد للمصالح الأمريكية

لكن قتل «الصماد» يمثل تحديا للحكومات الغربية. وكانت المملكة المتحدة والسويد وهولندا وآخرون قد دعموا بقوة عملية السلام في الأمم المتحدة. ومع تنويع السعودية والإمارات لمصادر معداتهما، فإنهما يزيدان أيضا من قدرتهما على العمل من جانب واحد بطرق قد تختلف عن المصالح الأمريكية.

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي لـ«فورين بوليسي»: «إننا نتابع التقارير التي تشير إلى وفاة الصماد الأسبوع الماضي، والتي تحمل الجيش السعودي مسؤوليتها علانية».

وكانت الولايات المتحدة قد رفضت في وقت سابق تصدير طائرات مسلحة بدون طيار إلى الإمارات، لكن إدارة «ترامب» أصدرت هذا الشهر مجموعة جديدة من السياسات، مما أدى إلى تخفيف القيود السابقة. ومع قيام الإمارات بالفعل بتشغيل طائرات صينية بدون طيار في مهمات قتالية، ومع التواجد الصيني المتزايد في جيبوتي، قد يصبح الخليج جبهة جديدة في صراع الولايات المتحدة من أجل النفوذ مع بكين.

وفي غضون ذلك، تترتب على حرب الإمارات الناشئة عواقب على أرض الواقع في اليمن. ويعد خليفة «الصماد»، «مهدي المشاط»، الذي تم تعيينه يوم الإثنين، متشددا، وله صلات واسعة بحزب الله في لبنان.

ويزعم «علي البخيتي»، وهو شخصية بارزة سابقة في جماعة الحوثي يعيش في عمان بالأردن، أن هناك تطرفا متزايدا داخل الحركة. ويقول: «إن المشاط هو القطب المعاكس لسلفه؛ فهو بلا لبس، يهدد ولا يساوم. إنه لا يبني العلاقات، إنه يضر بها».

  كلمات مفتاحية

حرب اليمن الصين الولايات المتحدة الإمارات السعودية صالح الصماد طارق صالح

«المشاط» يتوعد السعودية: سيكون عاما باليستيا عليها