الهند اقتصاد ضخم واستثمارات لا تواكب متطلبات التنمية

الخميس 26 فبراير 2015 02:02 ص

تمكنت الهند، البلد الكبير جغرافياً وسكانياً، من تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ في السنوات الأخيرة، عزز مكانتها الاقتصادية عالمياً. لكن اقتصاديين كثراً يسجلون عليها ملاحظات تتعلق بالقوانين الحاكمة للاقتصاد، والبيروقراطية الحكومية، والفقر، والتفاوت في مستويات الدخل بين الفئات الاجتماعية. وخضعت الهند لعقود، بعد الاستقلال عام 1947، لحكم «حزب المؤتمر الهندي»، الذي أسّسه المهاتما غاندي، وقاده جواهر لال نهرو، ثم ابنة نهرو إنديرا غاندي. وكانت توجهات الحزب الاجتماعية متعاطفة مع الفكر الاشتراكي المعتدل والمؤثّر لدور الدولة في النشاط الاقتصادي، وحماية الفئات العاملة، وتطبيق سياسات ضريبية متشددة على الفئات الغنية.

وكان الحزب بعيداً من القبول بدور مهم للاستثمار الأجنبي في الهند، ولذلك طبق قوانين متشددة على صعيد الملكية، دفعت كثراً من المستثمرين الأجانب إلى العزوف عن توظيف أموالهم في قطاعات أساسية وحيوية في الهند. وطبقت تيارات سياسية أخرى تمكّنت من الوصول إلى الحكم في ولايات عديدة، سياسات اقتصادية تعتمد على نظريات اشتراكية متشدّدة، ما عطّل العديد من مشاريع القطاع الخاص. وطوّر مفكرون اقتصاديون هنود النظريات الاقتصادية الاشتراكية خلال النصف الأخير من القرن العشرين، ومنها نظرية الاعتماد على الذات ورأسمالية الدولة وغيرها من نظريات غير متآلفة مع فلسفة اقتصاد السوق الحر.

لكن بيانات الهند الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، تؤكد أن البلاد تسير باتجاه تحرير الاقتصاد، فيما تحسّن الأداء الاقتصادي في شكل ملحوظ. وبيّن تقرير أخير للبنك الدولي، أن الحكومة التي تشكّلت بعد الانتخابات التشريعية العام الماضي، تعمل على تسهيل إجراءات إنجاز الأعمال، وتشجيع الاستثمار، وتوظيف أموال مهمة في مشاريع تتعلق بالبنية التحتية والمرافق، لتعزيز جاذبية النشاطات الاقتصادية. وأفسحت الحكومة الجديدة في المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة في صناعات أساسية، مثل صناعة الفحم التي كان يحتكرها القطاع العام.

وتعمل الحكومة لتعديل قوانين العمل، التي تنصّ على أن الوظيفة مضمونة مدى الحياة لشاغليها، من خلال تبسيط إجراءات التوظيف والاستغناء عن العاملين وفق معايير اقتصادية. وتأمل الحكومة في تقليص الإنفاق على برامج الدعم لتوظيف الموارد في أعمال ذات مردود اقتصادي مفيد. وتحاول الحكومة من خلال موازنة 2015، تحقيق توازن بين متطلبات الارتقاء بمستويات المعيشة للفئات ذات المداخيل المحدودة والمتدنية، وبين رفع كفاءة البيروقراطية الحكومية، بهدف تحسين بيئة الأعمال في البلاد وجذب الاستثمار.

وتمكّنت الهند من تحقيق ناتج محلي إجمالي يبلغ تريليوني دولار، وتجاوز معدل النمو 4.4 في المئة العام الماضي، في حين كان متوسط معدل النمو للسنوات الخمس الماضية يساوي 6.9 في المئة. لكن عدد سكان الهند يصل إلى 1.2 بليون شخص، في حين يقدَّر معدل نمو السكان بـ 1.25 في المئة سنوياً، وهو معدل يبدو معتدلاً إلا أنه يزيد عن نظيره في الصين الذي لا يزيد عن 0.47 في المئة سنوياً. بيد أن معدل الخصوبة في الهند أصبح مناسباً، بعدما تراجع إلى 2.3 طفل لكل امرأة في سن الإنجاب.

هذه العوامل الديموغرافية ستمكّن الهند من تحسين دخل الفرد، لكن في الأمد البعيد. واليوم، لا يزيد معدل دخل الفرد في الهند عن 1600 دولار سنوياً. وما زالت أعداد الفقراء مرتفعة، إذ يقدّر البنك الدولي أن 25 في المئة من الهنود يعيشون تحت خط الفقر، وهذا يعني أن 300 مليون شخص يعيشون على دخل لا يزيد عن 1.25 دولار للفرد يومياً. ويعاني كثر من سكان الهند سوء الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي، كما أن فئات اجتماعية واسعة تفتقر إلى الخدمات الصحية. وتحسّنت الأوضاع الاقتصادية في البلاد خلال العقدين الماضيين، إذ ارتفعت أعداد المنضوين في الطبقة الوسطى، التي يقدر عددهم اليوم بـ 400 مليون شخص، لكن ذلك لا يعني نهاية مأساة عشرات الملايين من سكان الهند. ولا شك في أن هذه الحقائق، تؤكد أن السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الإدارات السياسية الحاكمة خلال العقود الماضية، لم تفلح في انتشال مئات الملايين من محنة الفقر والعوز، وربما تأمل الحكومة الجديدة في أن تؤدي سياساتها الانفتاحية إلى توفير الوظائف لدى مؤسسات القطاع الخاص، بما يمكن من الارتقاء بمستويات المعيشة في البلاد.

وتنظر شركات عالمية كثيرة إلى الهند نظرة إيجابية، وعمدت إلى درس إمكانات إقامة مواقع عمل لها في البلاد. وقد توسع شركات صناعة السيارات نطاق نشاطاتها في الهند، بعد تحسن القدرة الشرائية لفئات سكانية مختلفة في مختلف الولايات الهندية، ومن هذه الشركات «جنرال موتورز» الأميركية. وعلى رغم المشاكل الاجتماعية، تمكنت الهند من تطوير أنظمتها التعليمية التي ارتفعت بالمستويات المهنية لفئات عمالية يمكن أن تكون مصدراً جاذباً للاستثمار في الصناعات والخدمات، خصوصاً أن تكاليف اليد العاملة ما زالت معتدلة.

والهند على رغم تنوّعها الإثني والديني، وظّفت نظامها السياسي لتحقيق الاستقرار وتوفير الأمن الاجتماعي، بما يجعل البلاد أفضل من بلدان كثيرة أخرى تفتقر إلى الانسجام المجتمعي. وتستدعي متطلبات التطور في بلد مثل الهند، معالجات منهجية للمشاكل التي حالت دون تدفّق الأموال إلى البلاد بمعدلات مناسبة. فتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الهند، لا تزيد عن 25 بليون دولار سنوياً، وهي لا تتوافق مع حجم الاقتصاد الهندي واحتياجات التنمية الاقتصادية. وأقرت الحكومة الهندية سياسات جديدة تمكّن المستثمرين من توظيف الأموال في مشاريع البنية التحتية، بما يؤدي إلى زيادة تدفّق الأموال الأجنبية. ويبقى أن تحفز هذه السياسات القطاع الخاص على تعزيز أعماله في الهند، وتجاوز عقبات البيروقراطية.

 

  كلمات مفتاحية

الهند الاقتصاد النمو استثمارات متطلبات التنمية البيروقراطية الحكومية والفقر التفاوت مستويات الدخل الفئات الاجتماعية

الهند .. موازنة تُقلق الفقراء

الهند توقع اتفاقية لتطوير ميناء إيراني رغم تحذير أمريكي

الهند تخفض واردتها من الغاز القطري بنسبة 30% في 2015