"لوبلوغ": دعم الديكتاتوريات العسكرية لن يجلب الاستقرار للشرق الأوسط

الجمعة 3 أغسطس 2018 07:08 ص

أصدرت وزارة الخارجية البريطانية مؤخرا تحذيرا للبريطانيين الذين يزورون مصر بتجنب نشر "آراء سلبية قوية" حول الحكومة المصرية وقوات الأمن، وأن التعليقات "المسيئة" على وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى سجن بعض الأجانب.

وفي هذه الأثناء، تفرج الولايات المتحدة عن 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، والتي كانت محتجزة في السابق بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

وفي العام الماضي، قررت الولايات المتحدة حجب المساعدات العسكرية إلى أن تشهد تحسينات في أداء مصر في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.

ومن ناحية، كان القرار ردا من قبل إدارة "ترامب" لعلاقات مصر مع كوريا الشمالية، ومن ناحية أخرى، حازت الإدارة على الإعجاب بالرد على إقرار قانون المنظمات غير الحكومية الشائن في مصر، والذي يقيد العمل على تطوير الديمقراطية أو الحقوق، وكما قال مسؤول أمريكي: "لدينا مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان والحكم في مصر".

فهل تم تخفيف هذه المخاوف خلال العام الماضي؟ أم تحصد آلة العلاقات العامة التابعة للحكومة المصرية النتائج الآن؟

حقوق الإنسان والحرب على الإرهاب

ومنذ صدور مذكرة وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2017 إلى الكونغرس حول مصر، لم يتغير شيء في البلاد تقريبا.

وسلطت المذكرة الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك القمع المفروض على حرية التعبير والتجمع، والافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة، والاحتجاز غير القانوني، والتعذيب، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، وانتهاك حقوق الأقليات، فضلا عن ترهيب المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية لعام 2018، ولا تزال كل هذه الانتهاكات تحدث في مصر.

ففي الأسبوع الماضي فقط، تم الحكم بالإعدام على 75 شخصا في محاكمة جماعية لـ700 شخص كانت تفتقر إلى الحد الأدنى من المتطلبات اللازمة للعملية القانونية الواجبة.

وتتجاوز الحملة القمعية جماعة "الإخوان المسلمون" لتشمل حتى أكثر المنتقدين ليبرالية.

 وفي منتصف يوليو/تموز عام 2018، تم إصدار قانون جديد ينص على أن الحكومة ستتعامل مع حسابات وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات التي تمتلك أكثر من 5 آلاف متابع، على مواقع مثل "تويتر" و"فيسبوك"، كمنافذ إعلامية، ما يجعل أصحابها عرضة للملاحقة القضائية بتهم نشر أخبار كاذبة أو التحريض على كسر القانون.

وفي تعليق لـ"رويترز"، قال "بروس كلينغان"، القائد السابق للقوات البحرية الأمريكية في أوروبا والقوات البحرية الأمريكية في أفريقيا، إن قرار إعادة المساعدات إلى مصر يعد "خطوة في الاتجاه الصحيح"، مستشهدا بالتمرد في سيناء.

لكن "كلينغان" أخفق في ذكر عدم كفاية سياسات الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" لمحاربة تنظيم الدولة في سيناء وبقية مصر.

ولا يعد تشريد آلاف القرويين قسرا من منازلهم في شمال سيناء، وقصف بلدات بأكملها (باستخدام قنابل عنقودية أمريكية الصنع) تدبيرا فعالا لمكافحة الإرهاب.

وإذا أسفرت تلك الإجراءات عن أي نتيجة، فإنها ستزيد فقط من أعداد الإرهابيين الذين يقاتلون الدولة.

وتحدث "كلينغان" أيضا عن أهمية التدريبات العسكرية المشتركة، لكن يبدو أنه ينسى أن مصر منعت المسؤولين الأمريكيين من إجراء فحوصات مراقبة لضمان استخدام أسلحتها في الأغراض المقصودة منها.

وعلى مدى 5 أعوام، اعتمد "السيسي" على التكتيكات العسكرية القاسية والعقاب الجماعي والتعذيب والاعتقالات غير القانونية وعمليات القتل خارج نطاق القضاء "لمحاربة الإرهابيين"، ومع ذلك لم يحدث أي تغيير حقيقي على الأرض منذ توليه منصبه.

كما فشل في تطوير أي برامج لمنع ظهور التطرف العنيف أو أي استراتيجيات شاملة للقضاء على الإرهاب على المدى الطويل، وبدلا من ذلك، أغلق كل قناة سلمية للتعبير عن المظالم، حتى منظمات المجتمع المدني التي تعمل على علاج ضحايا التعذيب وإعادة تأهيلهم.

وليس الأمر فقط أن نهجه غير مجد، فهو أيضا لا يبشر بأي استقرار في المستقبل.

ومع عدد سكان مصر الذي يقترب كم 100 مليون نسمة، فإن هذا ربما يخلق مشكلة حقيقية للمنطقة وأوروبا والولايات المتحدة وحليفتها (إسرائيل).

ومع ذلك، ترى الولايات المتحدة أنه من المناسب تسليح «السيسي» بمزيد من الأسلحة.

آلة العلاقات العامة

وفي الأسبوع الماضي في "أوتاوا"، التقيت رجلا يعمل في مجال حل النزاعات، وهو على دراية كبيرة بسياسات الشرق الأوسط. وأخبرني أنه حضر مؤتمرا في مصر حيث كانت "أحزاب المعارضة" تنتقد أداء الحكومة أمام الرئيس "السيسي"، وهو ما كاد يجعله يعتقد أن هناك قدرا لا بأس به من حرية التعبير في البلاد.

لكننا تذكرنا الصفقة التي تبلغ قيمتها 1.2 مليون دولار سنويا بين المخابرات العامة المصرية وشركة العلاقات العامة "ويبر شاندويك"، ومقرها نيويورك، وهي صفقة من الواضح أنها قد أتت بنتائج جيدة للطرفين.

وظل النظام المصري يستثمر بلا داع في صورته محليا وخارجيا، ولإيجاد صورة الحكم الديمقراطي، استثمر جهاز المخابرات المصرية الوقت والمال والجهد في إنشاء أحزاب سياسية لتشكيل برلمان موالٍ ومنع أي شخصية "غير مقبولة" من الترشح في الانتخابات البرلمانية.

ورأى صديقي أن هذه الشخصيات المعارضة في المؤتمر كانت في الحقيقة تمثل معارضة وهمية "مصنوعة" لهذا الدور.

كما استثمرت الحكومة المصرية مئات الملايين من الدولارات للسيطرة على وسائل الإعلام في البلاد.

وفوق احتجاز وسجن عشرات الصحفيين والمدونين، وإغلاق المنافذ الإخبارية، وإغلاق أكثر من 500 موقع مستقل لوسائل الإعلام وحقوق الإنسان، كانت أجهزة المخابرات في البلاد تستحوذ على وسائل الإعلام، حتى المنافذ الموالية للحكومة منها.

ولا يمكن لوسائل الإعلام المصرية المحلية إلا أن تدعم خط الحكومة، وأن تكون بمثابة أبواق لـ"السيسي"، في حين يتم إبعاد العديد من المراسلين الدوليين أو عدم منحهم تصريح الدخول إلى البلاد.

وبين المخابرات العامة التي تتحكم في المعلومات التي تخرج إلى العالم، والجيش الذي يسيطر على الاقتصاد، من أول إنتاج حليب الأطفال إلى الطرق ومشاريع المياه، والشرطة التي تحتجز أعضاء المعارضة، لا يملك 100 مليون مصري أي مجال للتنفس.

ولا يمكن لهذا النوع من الاستقرار أن يدوم أبدا، لأنه يخفي غليانا هائلا قد يؤدي للانفجار.

وفي عام 2017، قال وزير الخارجية السابق "ريكس تيلرسون" لدبلوماسييه، إن "تعزيز قيمنا يشكل عقبة أمام دفع مصالحنا الأخرى".

وعلى الرغم من أن فترة عمله كانت قصيرة، لكن أفكار "تيلرسون" تشكل جوهر وروح إدارة "ترامب".

ولكن هل من مصلحة الأمن القومي الأمريكي أن ينتشر التطرف العنيف في الشرق الأوسط؟

وهل المزيد من الحروب واللاجئين والصراعات الأهلية يأتي في إطار المصلحة الوطنية الأمريكية؟

في الحقيقة، تفقد الولايات المتحدة بالفعل سلطتها الأخلاقية ووضعها القيادي، وهذا يجعلنا نتساءل:

ما هو مقدار ما يجب أن تخسره الولايات المتحدة قبل أن تدرك أن دعم الديكتاتوريات العسكرية أمر خطير للغاية؟

المصدر | رنا علام - لوبلوغ

  كلمات مفتاحية

العلاقات العامة قانون المنظمات المدنية المساعدات العسكرية ترامب السيسي العلاقات المصرية الأمريكية

الإيكونوميست: الدول العربية بحاجة إلى قادة وطنيين وليس من يهمهم السلطة والمال فقط