مصر.. قاتل رئيس الدير غائب وخلافات الكنيسة حاضرة

السبت 4 أغسطس 2018 08:08 ص

بينما لا يزال الغموض يلف هوية قاتل الأنبا "إبيفانيوس"، أسقف ورئيس دير "أبومقار" (شمال مصر)، فإن الواقعة أماطت اللثام بالفعل عن واحد من أقسى الصراعات والخلافات المسكوت عنها داخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية.

الحديث عن تلك الخلافات تفجر بسبب رجحان سيناريوهات وتسريبات تحدثت عن تصفيات داخلية بسبب خلافات عقائدية وفكرية داخل الأقباط أنفسهم، رغم أن التحقيقات الجارية لتبيان ملابسات الواقعة لم تعلن نتائجها بعد.

"حديث التصفية" ظهر على السطح بسبب مقتل الأنبا "إبيفانيوس" داخل الدير ذي عوامل التأمين العالية، أثناء سيره في الطريق بين القلاية (غرفة الراهب) والكنيسة الأثرية في الساعة الثالثة فجرا تقريبا، ما يرجح فرضية أن يكون من نفذ الجريمة شخصا يمكنه دخول الدير بشكل طبيعي، خصوصًا أنه من المعروف أن الأديرة يقتصر الدخول فيها على عدد معين من الرهبان والعاملين فيها بخلاف الزيارات التي يجري ترتيبها من وقت لآخر.

واستدعت المواقع المسيحية على الفور الخلافات "القبطية – القبطية" باعتبارها الدافع وراء القتل، بسبب وقوع الجريمة في دير أبو مقار، الذي يعد القس الراحل "متي المسكين"، من أشهر رهبانه، وسبق أن شهد هذا الدير هجوما من بعض التيارات داخل الكنيسة التي توصف بـ"المتشددة" بسبب كتابات "المسكين".

وسبق أن خاض "المسكين" صراعا فكريا، ترجم في الكتب، مع البابا "شنودة الثالث" والأنبا "بيشوي" مطران كفر الشيخ والبراري. ومنعت الكنيسة 48 كتابا لـ"المسكين"، معتبرة أنها "تحتوي على خلافات فكرية"، فضلاً عن علاقات "المسكين" مع الرئيس المصري الراحل "أنور السادات"، وتبريره قرار عزل البابا "شنودة" وتشكيل لجنة بابوية لإدارة شؤون الكنيسة، وقتها.

ورغم أن البابا "شنودة" كان منذ وصوله للكرسي البابوي دائم الحرص على زيارة دير أبو مقار، فإن تلك الزيارات توقفت عند عام 1978، ولم يزر الدير إلا بعد 3 سنوات على وفاة "المسكين" الذي فارق الحياة عام 2006.

وإثر زيارة البابا "شنودة" إلى الدير والتي حدثت عام 2009، تقدم الأنبا "ميخائيل" مطران أسيوط الراحل ورئيس الدير منذ عام 1946، باستقالته من رئاسة الدير، متذرعا بكبر سنه، وطلب إجراء انتخابات جديدة لاختيار رئيس جديد للدير.

وخلال زيارة 2009 المثيرة للجدل، ألبس البابا "شنودة" الرهبان "قلنسوة" (غطاء رأس للرهبان) معتمدة من المجمع المقدس، واللباس هذا كان موضع رفض من قبل "المسكين"، الذي أمضى حياته الرهبانية بدون أن يرتديه، ورغم قبول بعض الرهبان ذلك وإعلان موالاتهم لـ"شنودة"، فقد تمسك آخرون بقلنسوة أستاذهم الراحل "المسكين"، وتشبثوا بولائهم لأفكاره.

"أبيفانيوس" رئيسا للدير

وشهد دير مقار انشقاقات بين رهبانه في الفترة بين وفاة كل من "المسكين" و"شنودة" عام 2012، ما دفع إلى عودة الأنبا "ميخائيل" للإشراف عليه من جديد، قبل أن يطلب من البابا "تواضروس" فور توليه المسؤولية اختيار رئيس جديد للدير، وهو ما تم عبر الانتخابات التي شارك بها رهبان الدير.

وأسفرت الانتخابات عن اختيار الراهب "أبيفانيوس المقاري" (تلميذ المسكين)، والذي أوصاه "تواضروس" قبل رسامته في 10 مارس/ آذار 2013 بـ"لم شمل الدير"، خاصة بعد أن قاطع أبناء "شنودة" الانتخابات ليقينهم بعدم فوزهم بها.

لكن الصدامات والخلافات داخل الكنيسة ما لبثت أن تصاعدت خلال الفترة الماضية حول التعليم الكنسي، وجرى التصويب على أتباع وتلاميذ "المسكين"، وانتهت بتشكيل المجمع المقدس في مايو/ أيار الماضي لجنة لمراجعة التعليم الكنسي.

كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام من مقتل "أبيفانيوس"، جدلا وخلافات إثر تكريم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لـ"المسكين"، واعتباره أحد رواد مدارس الأحد خلال الاحتفال بمئوية مدارس الأحد التي أقيمت في مكتبة الإسكندرية.

وقال ناشطون أقباط إن ما حدث «محاولة لتزييف التاريخ»، واعتبروا أن الراهب الراحل "لم يكن خادما في المدارس بل وهاجمها"، فيما تمسكت الكنيسة بأن القس الراحل كان بالفعل أحد رواد مدارس الأحد.

وجاء رد فعل لجنة الرهبنة وشؤون الأديرة في المجمع المقدس على حادثة مقتل الراهب "أبيفانيوس"، ليبين عمق الأزمة التي تشهدها الكنيسة المصرية، حيث اتخذت عدة قرارات أهمها تعليق قبول الرهبان لمدة عام ومنع الرهبان من الظهور الإعلامي أو التواصل مع الأقباط عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومنحت اللجنة الرهبان مدة شهر لغلق أي صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي والتخلي الطوعي عن هذه السلوكيات والتصرفات التي وصفتها بأنها "لا تليق بالحياة الرهبانية".

ويهدف القرار لمنع حصول أي جدل بين الرهبان المنقسمين، ما يقافم من حجم الأزمة، وبادر "تواضروس الثاني"، لإعلان غلق صفحته الرسمية على "فيسبوك"، امتثالاً لقرارات اللجنة.

وقال "تواضروس" في تدوينته الأخيرة عبر "فيسبوك": "لأن الطاعة من نذور الرهبانية التي يجب أن أصونها وأحفظها لذا أتوقف عن صفحة فيسبوك الخاصة بي وأغلقها".

وأضاف "أحيي كل إخوتي وأبنائي الذين نهجوا طاعة لقرارات كنيستي المقدسة".

وأيضاً أكد الراهب القمص "بولس"، سكرتير البابا "شنودة الثالث" الراحل، إغلاق صفحاته على "فيسبوك" و"تويتر".

وقال "بولس" في آخر منشور له: "آبائي الموقرين، أخواتي الأحباء، طاعة لقرارات المجمع المقدس بخصوص عدم استخدام الآباء الرهبان حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، سأغلق حسابي عبر فيسبوك وتويتر ولن يكون لي من اليوم أي علاقة بأي منها".

لكنه أضاف: "ما سجلته عن قداسة البابا شنودة، موجود، وكتابي عنه موجود، فلن أسجل شيئًا بعد اليوم، وكل تراثه بالكامل الآن من عظات ومقالات وكتب بين أيديكم في تطبيق".

الجثة اللغز

وعثر على جثة الأنبا "إبيفانيوس"، رئيس دير أبو مقار في وادي النطرون محافظة البحيرة (شمال) الأحد الماضي، أمام مسكنه في الدير، في واقعة نادرة يشوبها الغموض.

وتواصل النيابة تحقيقاتها لكشف غموض حادث مقتل الراهب البارز، الذي يعد نادرًا، وفق وسائل إعلام محلية.

وقالت مديرية أمن محافظة البحيرة، في بيان الأحد الماضي، إنها تكثف جهودها لكشف "لغز" الحادث وضبط مرتكبيه، بعد أن تلقت بلاغًا بالعثور على "أبيفانيوس" غارقًا في بركة من الدماء أمام حجرته داخل الدير.

وأوضحت أنه بمعاينة الجثة تبين وجود إصابة وتهشم بمؤخرة الرأس ووجود شبهة جنائية، فيما كشفت المعاينة الأولية استخدام مرتكب الجريمة أداة حادة لقتل المجني عليه أثناء خروجه من حجرته.

  كلمات مفتاحية

أبيفانيوس الكنيسة شنودة الثالث تواضروس الثاني الدير الأنبا

مقتل «أبيفانيوس».. الصراع الداخلي في الكنيسة المصرية يخرج للعلن