مقتل «أبيفانيوس».. الصراع الداخلي في الكنيسة المصرية يخرج للعلن

الأربعاء 1 أغسطس 2018 05:08 ص

«أنتم أبناء مكاريوس الكبير وليس أحد آخر».. بتلك العبارة الخاطفة ألمح بطريرك الكرازة المرقسية، بابا الأسكندرية، «تواضروس الثاني»، إلى الصراع الداخلي المحتدم داخل دير الأنبا مقار أثناء مراسم تجنيز رئيس الدير القتيل الأنبا «أبيفانيوس».

ويكشف ذلك التصريح عن مساع دؤوبة للكنيسة المصرية لرأب صدع الدير منذ عام 2013، بين أبناء الراهب الراحل «متى المسكين»، وأبناء البطريرك الراحل «شنودة الثالث»، وسط تصريحات وتسريبات بأن رئيس الدير القتيل (ينتمي لأبناء متى المسكين) قد قتل على يد خصومه من داخل الدير.

ويعد تصريح «تواضروس» تلميحا نادرا لأعلى سلطة كنسية أرثوذكسية في مصر عن الصراع الداخلي بالكنسية المصرية، بين تيارين رئيسيين، أحدهما يشار إليه أحيانا باسم «الأمة القبطية» أو أبناء «شنودة الثالث»، والآخر هم التيار الإصلاحي من تلاميذ «متى المسكين».

لكن محاولة «تواضروس» احتواء أنباء الصراع الداخلي لم تقتصر على ذلك التصريح، إذ وجه رسالة تحذيرية للرهبان بعدم الحديث أو الظهور على وسائل الإعلام قائلا: «أنتم رهبان مُتم عن العالم ولا يصح ذلك ردا على تصريحات رهبان لوسائل إعلام مسيحية».

العبارة الثالثة التي مررها بطريرك الأقباط الأرثوذكس المصريين لرهبان الدير، هو مطالبته إياهم بإخراج «الانحراف بعيدًا عن الرهبنة»، إذ يصف «تواضروس» ما يجرى من انقسام وحديث للإعلام بالانحراف الذى يبعد الرهبنة عن جوهرها أى حياة العزلة والفقر الاختيارى، بالإضافة لحالة أخرى من الشائعات قد يشهدها الدير عقب وفاة أسقفه ورئيسه، بحسب صحيفة «المصري اليوم».

أبناء «متى».. وأنصار «الأمة»

تصريحات «تواضروس» تشير إلى حالة الصراع المحتدمة داخل دير الأنبا مقار (مكاريوس الكبير أحد الآباء التاريخيين للكنيسة واسم الدير نسبة له) خصوصا، والكنيسة المصرية عموما بين تيارين؛ الأول من تلاميذ القمص «متى المسكين» وهم من رهبان التيار الإصلاحي، والثاني ممن ينتمون فكريا لمدرسة البابا «شنودة» (البطريرك الراحل) التقليدية فى الفكر اللاهوتي.

ويُعرف الأنبا «أبيفانيوس» بأنه أبرز تلاميذ الأب «متى المسكين»، رئيس دير الأنبا مقار الأسبق، لذا كان كثيرًا ما يتحدث فى عظاته ومناقشاته عن تعاليم أستاذه، ويصر دائمًا على إحياء تذكار أستاذه الراحل وخلال التذكار العاشر لنياحة الأب «متى المسكين» قبل أقل من شهرين (توفى 8 يونيو/حزيران 2006)، خصص الأنبا «أبيفانيوس» عظة عن حياته وتعاليمه، وقد أثنى في عظته بشكل لافت على أفكار «متى» وتوجهاته الإصلاحية والتصالحية مع الكنائس الأخرى، بحسب صحيفة «الدستور».

وبينما ينتمي دير الأنبا مقار تاريخيا إلى القمص «متى المسكين»، فإن كثيرا من رهبانه أعلنوا ولاءهم لمدرسة «شنودة» بعد رحيل «متى المسكين» 2006، وهو ما أوجد صراعا متناميا بين الفريقين منذ عام 2009، تاريخ ظهور ذلك الخلاف للعلن، عقب زيارة «شنودة» ورسامته لبعض الرهبان وإلباسهم القلنسوة التي أدخلها على رهبان الأديرة، بينما رفض البعض الآخر ذلك.

القاتل من الداخل

وما يزيد من تكهنات البعض من أن الراهب القتيل قد لقي حتفه على أيد من داخل الدير، هو عوامل الأمان العالية داخل الدير، إلى حد تشبيه بعض الأقباط له بـ«الحصن»، ومراقبة أسواره بالكاميرات، ما يعني عدم دخول أحد من خارج الدير.

كما أن سكن الرهبان، وتحديد مكان بلوك إقامة «أبيفانيوس»، وخط سيره إلى الكنيسة، وجميع تلك التفاصيل، ليست متداولة لزوار الدير الذين يحظر عليهم الوصول إلى قلايات الرهبان.

وتشير المصادر الكنسية بشكل واضح إلى أن «أبيفانيوس» قد سبق أن شهد عمليات تشنيع واسعة، خاصة بسبب مساره التصالحي مع الكنائس غير الأرثوذكسية، وبسبب اهتماماته في الترجمة وحضور المؤتمرات الكنسية في الخارج، وآخرها حضور المؤتمر الدولى العاشر للدراسات القبطية فى روما فى سبتمبر/أيلول 2012.

سبب سقطة «الفاتيكان»

وبسبب ميل المدرسة الأرثوذكسية الراديكالية (أبناء شنودة وتنظيم الأمة القبطية) إلى اعتبار أصحاب الكنائس الأخرى (غير الأرثوذكسية) بعيدين عن «خلاص يسوع»، فإنهم نظروا بريبة إلى تقاربات «أبيفانيوس» وأبناء «متى المسكين» مع بقية الكنائس الأخرى.

وما زاد الصراع احتداما، أن البابا «تواضروس الثاني» اتخذ قرارا مفاجئا بتعيين «أبيفانيوس» مسؤولا عن ملف الحوار بين الكنائس منذ عدة أشهر، وهو ما دفع التيار الراديكالي لاعتبار «أبيفانيوس» مسؤولا عن الصلاة المشتركة، الشهر الماضي، بين «تواضروس» وبابا الفاتيكان «فرانسيس»، وهو ما اعتبروه «سقطة».

تعيين «أبيفانيوس» زاد مخاوف خصوم «أبيفانيوس» من تمدد نفوذه إلى خارج الدير، وتعاظم وجوده في الكنيسة، بل أوجد شكوكا في انتماء «تواضروس» نفسه أو ميله إلى مدرسة وتيار «متى المسكين»، ولم يستبعد البعض كون مقتل «أبيفانيوس» رسالة إلى «تواضروس» نفسه.

نبوءة مقتله.. الحرب آتية

وما يزيد من التكهنات بمقتل «أبيفانيوس»، هي تصريحات الراحل نفسه قبيل أسبوع واحد من مقتله؛ إذ تنبأ بقرب رحيله في تصريحات مثيرة للجدل، فحسب الراهب «شنودة المقاري»، فإن «الأنبا أبيفانيوس أعلن اقتراب وفاته لعديد من رهبان دير الأنبا مقار»، مستدلًا على ذلك بـ«اعتكاف أحد آباء الدير، منذ أكثر من أسبوع، عند سماعه كلام الأب الراحل، بقرب نياحته، كدليل على حزنه»، بحسب صحيفة «الدستور».

فقبل أيام من موته، قال «أبيفانيوس» خلال عظته وحديثه الأخير مع رهبان ديره، «إن كل فكر يخلق غيرة بينى وبين أخى فهو فكر مزيف مخادع، فلنجعل المحبة هى المصفاة التى نصفى عليها جميع أفكارنا، وسيحفظنا ذلك من حرب العدو، ولكن الحرب آتية لا محالة.. فلنستعد لها».

دير المعركة

يعتبر دير القديس الأنبا مقار ببرية شيهيت بوادى النطرون (شمال) أحد أشهر وأقدم الأديرة القبطية فلم يعرف على وجه التحديد تاريخ تأسيسه ولكن الحياة الرهبانية بدأت فيه فى الثلث الأخير من القرن الرابع الميلادي، وتبلغ مساحته 2700 فدان بينها أربعة فدادين فقط مبان بينما باقى المساحة أراض مزروعة وحدائق، ويحتوي على 7 كنائس، وملحق بالدير متحف صغير ومشفى ومحطة لتوليد الكهرباء ومطبعة ومكتبة تضم مخطوطات نادرة، وهناك مساكن للعاملين بالدير من غير الرهبان.

وفي العصر الحديث، ارتبط اسم الدير بالقمص «متى المسكين» أحد أشهر منظرى الكنيسة القبطية من التيار الإصلاحى، حيث دخل الدير وأحيا الحياة الرهبانية فيه منذ نهاية الستينات وحتى وفاته عام 2006.

ومنذ وفاة الأنبا «متى المسكين» عام 2006 وحتى العام 2013 ظل الدير بلا أب روحى ولكنه كان خاضعًا بشكل رسمي لإشراف الأنبا «ميخائيل» مطران أسيوط باعتباره رئيس الدير منذ 65 عاما.

أثناء سنوات الخلاف بين البابا «شنودة» والرئيس الراحل «أنور السادات»، التقى «السادات» بالقمص «متى المسكين» وعينه على رأس لجنة لإدارة أمور الكنيسة، مما فجر الخلاف بين البابا والقمص، بالإضافة إلى الخلاف اللاهوتي في وجهات النظر والقناعات والعقائد الكنسية وصلت إلى حد اتهام القمص «متى المسكين» ومدرسته بإفساد العقيدة.

وفي سنوات خدمة البابا «شنودة»، كان الدير بعيدا عن الكنيسة الرسمية ويخضع للقمص «متى المسكين» وتوجهاته وأفكاره الإصلاحية، حتى إنهم لم يرتدوا «القلنسوة الرهبانية» (غطاء رأس) التى كان يرتديها الرهبان فى بقية الأديرة.

بعد وفاة القمص «متى المسكين» حدثت خلافات داخل الدير بين المجموعة القديمة التى تتمسك بصرامة الرهبنة ومجموعة حديثة موالية للبابا «شنودة» أدى هذا الانقسام إلى تخلى الأنبا «ميخائيل» عن رئاسة الدير وأصبح الدير تابعا للبابا «شنودة» مباشرة، بحسب صحيفة «اليوم السابع».

في عام 2009 زار البابا «شنودة» دير الأنبا مقار بنفسه، عقب وفاة «متى المسكين» عام 2006، وألبس بعض الرهبان القلنسوة الرهبانية السريانية التي أدخلها وفرضها على كل رهبان الأديرة الأخرى فيما عدا دير أبو مقار الذى يرتدى رهبانه غطاء رأس مختلف، فمنهم من انصاع له ومنهم من رفض وتمسك بملابسه القديمة، مما تسبب فى انشقاقات بين آباء الدير.

عام 2013، وبعد عام واحد من تولى البابا «تواضروس» كرسى البطريرك، قرر انتخاب رئيس جديد للدير، فرشح البابا ثلاثة رهبان من تلاميذ القمص «متى المسكين» كان من بينهم الأنبا «أبيفانوس» الذى قتل بشكل غامض صباح الأحد الماضى.

وحصل الأنبا «أبيفانيوس» على غالبية أصوات رهبان الدير من تلاميذ «متى المسكين» بينما امتنع باقى الرهبان الموالين لمدرسة «شنودة» عن التصويت فى تلك الانتخابات.

وبناء على نتيجة الانتخابات والاقتراع السري، قرر «تواضروس» رسامة الأنبا «أبيفانوس» أسقفا ورئيسا للدير بتزكية من الأنبا «ميخائيل» رئيس الدير السابق وطالبه «تواضروس» بلم شمل الدير والقضاء على المشكلات السابقة.

  كلمات مفتاحية

تواضروس أبيفانيوس الأرثوذكس بطريرك الأنبا شنودة متى المسكين الكنيسة دير مقار

وزير الدولة السعودي للشؤون الأفريقية يلتقي البابا «تواضروس»

إزالة العلم السعودي خلال لقاء «بن سلمان» و«تواضروس»

مصر.. قاتل رئيس الدير غائب وخلافات الكنيسة حاضرة