«العقوبات الأمريكية تحطم قوتين عظميين إسلاميتين»؟!

الخميس 16 أغسطس 2018 06:08 ص

عرضت مقالات عديدة في صحف عالمية مواقف مختلفة من النزاع المحتدم بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتركيا. الصحيفة الأمريكية الشهيرة «واشنطن بوست»، نشرت على سبيل المثال مقالي رأي، يقول أحدهما إن إردوغان يخوض معركة خاسرة مع ترامب، فيما يقول الثاني إن إردوغان لا يكذب فلتركيا أصدقاء آخرون.

الصحف الإسرائيلية أدلت بدلوها أيضا وحظي مقال أحد مقالاتها بمرتبة أكثر المواد قراءة أمس، وكان عنوانه: «العقوبات الأمريكية تحطم قوتين عظميين إسلاميتين»، والمقصود بالطبع هنا تركيا، التي هبطت عملتها ما نسبته 14% من قيمتها في يوم واحد، وإيران التي شهدت عملتها هي أيضاً هبوطا مريعاً بحيث وصلت إلى قيمة 110 آلاف ريال للدولار الواحد، وكلا الهبوطين في سعري العملتين جرى بعد فرض عقوبات اقتصادية على البلدين (وإن كان وزن العقوبات مختلفا).

يظهر عنوان الصحيفة العبرية الرؤية التعميمية التي تنظرها إسرائيل إلى الدول الإسلامية، على اختلاف سياساتها، باعتبارها قوى عدوّة وخصوماً عاجلين أو آجلين، والحقيقة أن النظرة إلى إسرائيل، في الدولتين إيّاهما، وفي كثير من الدول الإسلامية، لا تختلف في افتراض العداء الجاثم والخطر المحتمل الذي تمثّله إسرائيل كقوّة عسكرية وسياسية في هذه المنطقة وفي العالم على امتداده.

لا يمكن أبداً استبعاد استهداف إدارة ترامب المعلن لتركيا وإيران ضمن الرؤية إليهما كقوّتين «عظميين» إسلاميتين، بل إن استهداف إحداهما، إيران، الذي كان جارياً على قدم وساق، يُفترض، بمقاييس الجغرافيا السياسية، وليس التاريخ فحسب، أن يكون استهدافاً لاحقاً للثانية: تركيا، وهو أمر كان يسهل تلمّس نتائجه والاستعداد لها من قبل قادة تركيا الحاليين.

هذا الجمع بين البلدين، من قبل أمريكا (وإسرائيل) باعتبارهما «قوتين عظميين إسلاميتين»، يفتتح، عملياً، حقبة جديدة من تاريخ سحيق من التنافس الهائل والصراع بين تركيا وإيران، اللتين كانتا مركزين لامبراطوريتين شاسعتين ومتخاصمتين دينياً (رغم وجود رأي راجح يقول إن الملوك الصفويين الذين نشروا المذهب الشيعي في إيران هم من أصل تركي).

وإذا كان هذا النزاع الذي يتدّرج فصولا مع الولايات المتحدة الأمريكية (وإسرائيل) يفرض على أنقرة وطهران زواجاً اضطرارياً، فالأغلب أن الطرفين لا يرغبان في استمرار وجودهما في موقع الحصار والعقوبات من قبل أمريكا.

وسيحاول، كلاهما، تقليل حجم الخسائر ما أمكن، فالمعركة لا تتعلّق بواشنطن وإدارة ترامب وحدها! بل بنظام عالميّ تملك فيه أمريكا أوراقاً كبرى لا يمكن مواجهتها إلا بخيارات استراتيجية صعبة جدّاً لا تتعلّق فقط بخفض أو رفع أسعار الفائدة أو حثّ المواطنين على شراء العملة المحلّية.

وهو لا يقتصر على قرار تركيا وإيران، بل يتعلّق بقوى أكبر بكثير، كالصين وأوروبا وروسيا، وهي أيضاً تعاني من جموح إدارة ترامب وغطرستها وجوعها لفرض فائدة سكان بلادها دون احتساب لكل هذه الجبهات الهائلة التي قامت بفتحها ضدها، من كندا والمكسيك، جارتيها، مروراً بحلفائها الكبار في أوروبا، وخصومها في الصين وروسيا.

وهو ما يجعل من تركيا وإيران، في آخر «السلسلة الغذائية» للعملاق الأمريكي الذي يحاول جاهدا أن يجعل من البلطجة قانون الحكم في العالم.

ولهذه الأسباب كلّها، فإن الحديث عن تحطيم «قوتين عظميين إسلاميتين» هو أقرب للرغبوية الإسرائيلية لأن قوانين الجغرافيا السياسية (وحتى قوانين الفيزياء والطبيعة) أكثر قوّة بكثير من شطحات ترامب ورغباته بإرضاء جمهور اليمين المسيحي ـ الصهيوني في الحزام الإنجيلي لتأمين أصوات أكثر في الانتخابات النصفية الأمريكية المقبلة.

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة تركيا إيران العقوبات الأميركية الريال الإيراني الليرة التركية إسرائيل إدارة ترامب نظام عالمي الصين أوروبا روسيا اليمين المسيحي الصهيوني الحزام الإنجيلي محمد كوثراني

الخطوط البريطانية والفرنسية تعلقان الرحلات إلى طهران سبتمبر المقبل