ألغام تدفع بـ"مبادرة الإخوان" في مصر إلى النفق المظلم

الخميس 16 أغسطس 2018 02:08 ص

يبدو أن المبادرة التي طرحتها جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر، قبل أيام، تحت عنوان "تعالوا إلى كلمة سواء.. وطن واحد لشعب واحد"، قد ضلت طريقها.

المبادرة التي حاولت إلقاء حجر في الماء الراكد، ربما لم تأت بجديد، وسط إشارات بأنها زادت من حدة الانقسام بين فصائل المعارضة المصرية، ما دفع بالمبادرة قبل أن يجف حبرها نحو النفق المظلم، في تكرار لمصير مبادرات مشابهة شهدها الشارع المصري منذ الانقلاب العسكري منتصف يوليو/تموز 2013. 

عودة "مرسي"

ألغام ربما لم تمنح المبادرة، التي جاءت بمناسبة الذكرى الخامسة لمجزرتي "النهضة ورابعة"، 14 أغسطس/آب 2013، الثقل المطلوب لصياغة حالة من الاصطفاف وراءها.

وتتضمن المبادرة 10 بنود لما سمته "دعوة للحوار الوطني"، بما فيها الاحتفاء بثورة يناير/كانون الثاني 2011، واعتبار الجماعة فصيلا وطنيا، واختيار السلمية في التغيير، والحفاظ على مؤسسات الدولة، والتأكيد أن "حقوق الضحايا لا تسقط بالتقادم، وأهمية تحقيق العدالة الناجزة".

لكن الأبرز والمثير للجدل، ما تضمنته المبادرة من دعوة لعودة الرئيس الأسبق "محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، إلى سدة الحكم على رأس حكومة ائتلافية لمدة محددة وكافية لتهيئة البلاد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، تحت إشراف هيئة قضائية مستقلة.

رسميا لم يصدر أي تعليق من مؤسسات الدولة المصرية إزاء المبادرة، في تجاهل واضح لمضامين لم تأت بجديد، وتخالف واقعا سياسيا فرضه نظام الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي"، الحاصل على دورة رئاسية ثانية تمتد حتى 2022. 

على صعيد المعارضة، تقاطعت المبادرة الإخوانية مع مبادرة مساعد وزير الخارجية الأسبق، "معصوم مرزوق"، التي جاءت تحت عنوان "نداء هام وفارق للشعب والدولة المصرية"، وتتضمن إجراء استفتاء شعبي على بقاء "السيسي" وتشكيل مجلس انتقالي لإدارة البلاد.

ويبدو أن مبادرة الجماعة، جاءت ردا على مبادرة "معصوم" التي حصدت جدلا ونقاشا واسعا، كما نالت قبولاً من بعض أطياف وأحزاب المعارضة، مقابل حملة ضارية من الإعلام الموالي لـ"السيسي"، وبلاغات تتهم الدبلوماسي السابق بمحاولة قلب نظام الحكم.

انتقادات داخلية

المبادرة لم تلق قبول الصف الإخواني، وبدت كأنها تكرار لبنود وشروط مسبقة، لا تملك الجماعة لفرضها أوراق ضغط على أرض الواقع.

وحملت الانتقادات لغة قاسية من قيادات يتردد صدور قرارات سابقة بتجميدها، أبرزهم القيادي "أشرف عبدالغفار"، الذي علق عبر حسابه على "فيسبوك"، بالقول: "لعل هذا الحدث يدعونا أن ننظر علي أي قاعدة نسير، على قواعد الله عز وجل، أم على قواعد المنهزمين، نسير على قول الله، أم نسير على شعار، وقال محمود حسين وإبراهيم منير".

وأضاف أن "مبادرة أمس من المبادرات التي ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة، مع التأكيد على بند ثابت السلمية الذي هو ثابتهم، لك الله يا دعوة الإخوان ابتليتي بقيادات ضيعت عزك وهيبتك وشموخك"، حسب وصفه.

وزاد القيادي الإخواني السابق، "محيي عيسي" واصفا مبادرة الجماعة بـ"الغيبوبة السياسية".

وقال "عيسي" على حسابه على "فيسبوك": "عند أهل الطب تعرف الغيبوبة بعدم استجابة الجسم للمؤثرات وغيابه عن الإدراك والوعي"، لافتا إلى أن هذه الحالة قد تصيب بعضًا من القيادات السياسية والإسلامية، فلم يدركوا أن الأمور تغيرت وجرت فيها أحداث جسام".

 

وأضاف: "فليسعد الجميع بالبيان حتى لو لم يتضمن أي آلية للتنفيذ، ولا أي خطوات عملية حتى للإفراج عن المعتقلين".

رفض سياسي

الدبلوماسي السابق والروائي "عزالدين فشير" علق بالقول: "الناس دي لسه بتقولك عودة الرئيس مرسي على رأس حكومة ائتلافية.. يعيشون في عالم مواز".

واللغم المثير للجدل في المبادرة، يتعلق من وجهة نظر الباحث في الحركات الإسلامية "خالد الزعفراني" بـ"بند عودة مرسي"، مؤكدا في تصريحات صحفية، أن هذا البند "تجاوزته القوى الوطنية جميعها منذ فترة، كما أن الشعب المصري ومن يقفون على الحياد، ومن يريدون تغييرًا في مصر وحلحلة للأوضاع، لن يقبلوا بهذا البند إطلاقًا".

كذلك اعتبر الباحث الإسلامي "سامح عيد" أن "الجماعة ما زالت غير قادرة على رؤية الحقيقة الناصعة، وأن عودة مرسي، أو تشكيل حكومة ائتلافية، أمر مستحيل"، مطالبا الجماعة بالتوافق على مبادرة "معصوم".

وأضاف «عيد»، أن «جماعة الإخوان تعاني من فقدان للرشد، وبتلك المبادرة تخسر الجماعة، القوى الوطنية كلها والمعارضة، ومن كانوا يبدون تعاطفًا معها".

أما الكاتب المصري "جمال سلطان" رئيس تحرير صحيفة "المصريون"، فاعتبر أن المبادرة جاءت بـ"كلام عاطفي فارغ لدغدغة مشاعر المحبطين من أعضاء الجماعة الذين راحوا ضحية إدارة فاشلة وتخطيط جاهل وعمى كامل في رؤية الخريطة السياسية وموازين القوة فيها"، على حد قوله.

واتهم "سلطان" في مقال نشرته الصحيفة، الجماعة بـ"المراوغة، والهرب من أي التزام تجاه الوطن أو تجاه القوى الوطنية الأخرى أو تجاه مؤسسات الدولة أيضا، وتصور أن الآخرين غافلون عن مكرها، وأن قادتها يلعبون بالبيضة والحجر، وهي الثقة الساذجة والمثيرة للشفقة التي أوقعتهم بسهولة في 2013، وأعادتهم نصف قرن للوراء".  

وكثيرا ما يعيب "السيسي" على الجماعة، عدم القبول بانتخابات رئاسية مبكرة كانت مطروحة قبيل الإطاحة بـ"مرسي".

وعلى مدى أكثر من 4 سنوات، تبنت أطراف عدة، بينهم مفكرون مصريون وأحزاب ودبلوماسيون غريبون، مبادرات لتسوية سياسية تنهي حالة الانقسام المجتمعي في البلاد، وتقود إلى مصالحة شاملة، كما أصدرت الجماعة مبادرات عدة، لكن النفق المظلم كان دوما مآلها.

  كلمات مفتاحية

جماعة الإخوان مبادرات المصالحة عبدالفتاح السيسي محمد مرسي معصوم مرزوق

مصر.. متحدث "الإخوان" يرحب بالحوار مع القوى السياسية بشرط