جريمة قتل تلفت الأنظار إلى عالم الأديرة الغامض بمصر

الأحد 19 أغسطس 2018 04:08 ص

في وادي النطرون بمصر، طالما واجه الرهبان المسيحيون، الذين يعيشون في عزلة الصحارى المصرية، خطر الاعتداء من الخارج، وفي القرون المبكرة، قاموا ببناء جسور متحركة وأبراج مصمتة لصد الغرباء.

وفي الآونة الأخيرة، كان يتم دق المتاريس ونشر رجال الشرطة لحماية الأديرة من التفجيريين الانتحاريين من تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذين يستهدفون المسيحيين.

ولكن الآن، وفي صدمة للمؤمنين بالكنيسة، اتضح أن الخطر يكمن داخل جدران الدير.

وقد مثل مقتل الأسقف "أبيفانيوس"، رئيس دير "أبو مقار" الذي يعود للقرن الرابع، الشهر الماضي، لغزا حول القتل الكنسي، يستحق لأن يضمن في رواية لـ"دان براون"، وكشفت القضية عن توترات تسببها الطبيعة اللاهوتية، إن لم تكن عداوات شخصية، في زاوية مؤثرة من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

وتم العثور على باحث في المخطوطات القديمة، وهو رجل ذو لحية نموذجية لرجال الدين الأرثوذكس، وهو المطران "أبيفانيوس"، البالغ من العمر 64 عاما، عند فجر يوم 29 يوليو/تموز، يرقد في بركة من الدماء خارج صومعته الرهبانية، وأشارت الشرطة إلى أن الإصابات في جمجمته تدل على أنه تم ضربه على رأسه بأداة غير حادة.

وتشابكت الدسائس وتعقد اللغز بعد ذلك بأيام، عندما قامت السلطات القبطية بتجريد أحد الرهبان الأصغر سنا، وهو "أشعياء"، الذي كان قد اشتبك مع الأسقف المقتول في الأسابيع التي سبقت مقتله، وبعد فترة وجيزة، قام راهب آخر، وهو "فلتاؤس"، ويبلغ من العمر 33 سنة، بمحاولة الانتحار عبر قطع شرايين معصميه ثم محاولة إلقاء نفسه من فوق مبنى مكون من 4 طوابق.

وتم نقل "فلتاؤس" إلى المستشفى، وعولج من جروحه، وفي 11 أغسطس/آب، قال ممثلو الادعاء المصريون إن "أشعياء" متهم بقتل المطران "أبيفانيوس" بعد الاعتراف بالجريمة. وبعد يومين، قالوا إنهم احتجزوا "فلتاؤس" للاستجواب.

إجراءات صارمة

لكن لا يعرف أحد أكثر من ذلك بكثير. وقد أغلقت الشرطة الدير لأخذ شهادة 150 شخصا، بمن فيهم الموظفون والرهبان والأساقفة. وأصدر البطريرك القبطي، البابا "تواضروس الثاني"، أوامر تهدف على ما يبدو إلى تشديد الانضباط بين الرهبان في البلاد.

وتوقفت عمليات القبول الجديدة للأديرة لمدة عام. ومنعت الكنيسة الرهبان من السفر بدون إذن، وتم منحهم شهرا لإغلاق حساباتهم على "فيسبوك" و"تويتر".

وأصبح مقتل الأسقف موضوعا ساخنا للتغطية الإخبارية في مصر، بخلاف إثارته للتكهنات بين الأقباط: فما الذي يحفز اثنين من الرهبان على التآمر ضد أسقفهم في دير صحراوي معزول؟ وتتحدث الاحتمالات التي يطرحها المسؤولون الأقباط والخبراء والرهبان في المقابلات عن نزاعات لاهوتية، وفساد مالي، ويتم الحديث حتى عن أن الراهبان كان لهما علاقة شخصية ما.

وقال مسؤول كنسي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه خلال تفتيش للدير، كشف ضباط الشرطة المصريون عن مكالمات تحوي مساومات على هاتف خلوي، ورفض تقديم التفاصيل.

وقال "إسحاق إبراهيم"، الخبير في العقيدة القبطية في منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "لا يقتصر هذا الأمر على مقتل الأسقف. فهي صدمة للكنيسة بأكملها".

وفي دير القديس بيشوي القريب، على بعد 7 أميال من الدير الذي قُتل به الأسقف، رفض الرهبان التعليق، محتجين بأوامر رؤسائهم. ولكن مثل أي شخص آخر، كانوا حريصين على تداول الشائعات المنتشرة. وقال شماس يقوم بجولة في الدير: "إنه لأمر مؤسف للغاية. أرى أن الرجلين وكأنما مسهما الشيطان". لكنه أضاف: "لا يمكننا الحكم عليهما فكلنا ضعفاء".

واعترافا بالاهتمام العام الشديد، يقول قادة الكنيسة إنهم يحاولون تحقيق توازن بين الشفافية والسماح بإجراء التحقيق. وقال رئيس الأساقفة "أنجيلوس،" الذي حظي بلحظة قصيرة مع المشاهير العالميين عندما تلى الصلاة في حفل زفاف الأمير "هاري "و"ميغان ماركل" في مايو/أيار: "الأمر صعب، لأن هذا أمر غير مسبوق. نحن بحاجة للصلاة من أجل الحكمة والسلام وظهور الحقيقة".

وعادة ما يظهر الأقباط، الذين يشكلون نحو 10% من سكان مصر، البالغ عددهم 97 مليون نسمة تقريبا، في عناوين الأخبار كضحايا للاضطهاد. ومنذ ديسمبر/كانون الأول عام 2016، هاجم انتحاريون من تنظيم "الدولة الإسلامية" عدة كنائس قبطية. وفي مايو/أيار 2017، قتل مسلحون ما لا يقل عن 28 من الحجاج الأقباط أثناء سفرهم بحافلات إلى أحد الأديرة.

وقد أدى تفجير انتحاري فاشل في كنيسة في شمال القاهرة قبل أسبوعين إلى مقتل الانتحاري، لكنه كان بمثابة تذكرة للتهديد القائم.

عالم الأديرة

ويفتح مقتل الأسقف "أبيفانيوس" نافذة على عالم الأديرة المنعزلة في الصحراء، والتي تمتعت بمكانة كبيرة في الأعوام الـ50 الماضية، وأصبحت تحتل مكانة مركزية في العقيدة القبطية. وتوجد 4 من أشهر الأديرة في وادي النطرون، شمال القاهرة، وهي منطقة كانت معروفة في الماضي بالبحيرات المالحة، التي توفر كربونات الصوديوم التي استخدمها المصريون القدماء للتحنيط.

وقال "صامويل تادرس"، الخبير في الكنيسة القبطية في معهد "هدسون" في واشنطن، إن المطران "أبيفانيوس" كان يُنظر إليه كشخصية بارزة في الحركة القبطية الإصلاحية التي اكتسبت زخما داخل الكنيسة في عهد البابا "تواضروس". وقال "تادرس" إن تعيينه، في مايو/آيار، في منصب يعمل فيه كحلقة وصل مع الكنيسة الكاثوليكية، كان يُنظر إليه على أنه علامة على أن المحافظين يتعرضون للتهميش.

لكن الأسقف "أبيفانيوس" واجه معارضة داخل ديره. ولقد حطمت الفضيحة صورة الرهبان كخدام لله لا ينظرون للأمور الدنيوية، مكرسين للصلاة والعزلة، التي يحتفظ بها العديد من الأقباط في مصر. ويتساءل البعض عما إذا كان الأقباط مستعدون لتقبل الحقيقة الكاملة عن سبب مقتل الأسقف.

وقال "تادرس": "لم يكن لدي أدنى شك منذ البداية أن هذا الأمر كان شخصيا. ومن المرجح أن تستمر آثار الجريمة مع الكنيسة لفترة طويلة".

ولقد وعد البابا "تواضروس" في خطبة الأسبوع الماضي أن يتم كشف الحقيقة بشأن جريمة القتل، مهما كانت صعبة.

وكانت آخر مرة ظهر فيها رجال الدين الأقباط في مثل هذه القصص المثيرة في مصر عام 2001، عندما نشرت صحيفة شعبية صورا لراهب عار مع امرأة، إلى جانب اتهامات بأن الرجل مارس الجنس مع المرأة على مذبح الكنيسة. وأدت المقالة إلى احتجاجات صاخبة في الشوارع من قبل الأقباط الغاضبين الذين رأوا أنها افتراء على عقيدتهم.

وأدت الضجة إلى سحب الصحيفة من أكشاك الصحف، وحُكم على ناشرها بالسجن لمدة 3 أعوام.

وفي الوقت الحالي، فإن دير "أبو مقار" مغلق أمام الغرباء؛ وقال أحد الرهبان وهو يتحدث عبر الهاتف من الدير، إن الشرطة ما زالت تستجوب الشهود، واعترف بوجود توترات قبل حادثة القتل، لكنه امتنع عن قول المزيد.

المصدر | ديكلان والش - نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

دير أبو مقار أشعياء المقاري الأنباء ابيفانيوس الكنيسة المصرية البابا تواضروس

مصر.. النيابة تنفي الشبهة الجنائية في مصرع العالمة سميرة عزت