"جرف الصخر".. عندما يتحكم الشيعة في مصير السنة بالعراق

السبت 15 سبتمبر 2018 01:09 ص

لم يكن يتخيل أهالي مدينة "جرف الصخر"، التي تبعد حوالي 100 كيلومتر عن العاصمة العراقية بغداد، أن ثمن استعادتها من تنظيم "الدولة الإسلامية"، سيكلفهم تهجيرهم لقرابة 4 أعوام، وهدم وتدمير منازلهم، بل وتغيير ديموغرافي للمنطقة بأكملها تحت ذرائع أمنية وبخلفيات طائفية.

"جرف الصخر"، تلك المدينة الواقعة على ضفاف نهر الفرات، الذي أصبح اسمها "جرف النصر"، بعد أكتوبر/تشرين الأول 2014، لا زالت تسيطر عليها ميليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية، التي ترفض عودة أهلها السنة إليها من جديد، بذريعة أن الظروف الأمنية الراهنة لا تسمح بذلك.

ويشترك أكثر من 10 فصائل مسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، في إدارة الملف الأمني في "جرف الصخر"، على رأسها "بدر"، و"كتائب حزب الله العراق"، و"الخراساني"، و"عصائب أهل الحق"، و"أبو الفضل العباس"، و"كتائب الإمام علي".

حرب ضروس

البداية كانت في منتصف عام 2014، عندما دخل تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى "جرف الصخر"، قبل أن تبدأ قوات من "الحشد الشعبي" الموالي للحكومة العراقية، معركة شرسة، استغرقت 4 أشهر، قبل أن تعيد السيطرة عليها من جديد.

ولكن هذه السيطرة، كانت تكلفتها باهظة، لتتحول المدينة إلى مغارة أشباح، أصبحت خالية من سكانها البالغ عددهم 120 ألف نسمة، بعد تدمير مبانيها واحدا تلو الآخر، بفعل الغارات الجوية والقنابل ونيران المدفعية.

وعقب ذلك، لم تسمح قوات "الحشد الشعبي"، للسكان بالعودة إلى مناطقهم مرة أخرى، وحولت منازلهم إلى معسكرات ومخازن للأسلحة ومعتقلات، يقول سياسيون وبرلمانيون إنها تضم قرابة 6 آلاف من النازحين المغيبين الذين اعتقلوا عام 2015، على يد ميليشيات شيعية مسلحة.

حياة صعبة

"أبوشيماء الجنابي"، ذو التسعة والخمسين عاما، والذي لم يعد يقوى على احتمال البعد عن منزله الذي هجروه منه منذ 4 سنوات هربا من نيران المعارك وسطوة الميليشيات المسلحة التي استولت بالكامل على بلدته وبيته في "جرف الصخر"، يقول إنه يعاني مع أفراد أسرته من ضيق العيش في أحد المخميات البائسة.

وأضاف: "الحكومة العراقية استعادت جرف الصخر في 2014، لكنها بدل أن تعيدنا إلى منازلنا المدمرة سلمتها مباشرة للميليشيات الشيعية، والأخيرة تستمر بمنعنا من العودة"، حسب ما نقلت صحيفة "القدس العربي".

وأوضح أن "مقاتلي ميليشيا حزب الله فجّروا بيته، وجرفوا بستانه الكبير بالكامل، ونهبوا آلياته الزراعية، وسرقوا مواشيه التي كان يعتاش منها والآن لم يعد يملك شيئا سوى كرفان صغير أعطته إياه إحدى المنظمات الإنسانية يسكنه مع أفراد عائلته".

وطالب الحكومة العراقية بالإسراع في إعادته مع بقية النازحين إلى مناطقهم المحررة، مستغربا قرار رفض الميليشيات "منعه من العودة لبلدته وإعادة بناء لبيته المهدم، رغم استعادة المنطقة من قبل القوّات الأمنية".

وتابع: "لو نجد نية جدية بإعادتنا، فنحن مستعدون للعودة والإقامة في جرف الصخر حتى لو اضطررنا لبناء خيم فوق ركام منازلنا المهدمة".

دوافع طائفية

وما بين دعوات للعودة ورفض لها، تحولت المدينة إلى "قنبلة طائفية"، خاصة بعد قرار مجلس محافظة بابل، في أغسطس/آب 2017، بإقامة دعاوى قضائية ضد كل من يتخذ أي إجراء بعودة العوائل النازحة، إلى مناطق سكناها في ناحية "جرف النصر"، قبل قيام الجهات الأمنية والخدمية بتأهيل تلك المناطق، وجعلها مؤهلة لاستقبال أهلها.

القرار أثار ردود فعل متباينة لدى الكثيرين حينها، ومنهم رئيس الوزراء "حيدر العبادي"، الذي استغربه، في ظل تأكيد رئيس مجلس النواب وقتها "سليم الجبوري"، أن قرار مجلس المحافظة يعتبر "أمرا مخالفا للدستور".

من جانبه، قال تحالف القوى العراقية، إنه "لا قيمة لقرار مجلس المحافظة"، واعتبره "جريمة ومحاولة لإحداث تغيير ديمغرافي قسري في هذه المنطقة"، حسب "الجزيرة نت".

واعتبر التحالف أن هذا القرار يعرّض مجلس المحافظة "للمساءلة القانونية، لأنه مخالف للدستور الذي يعطي الحق للمواطنين بالتنقل في البلاد".

الغريب، أن ما حدث في "جرف الصخر"، يحدث في مناطق أخرى في ديالى وحزام بغداد وصلاح الدين، إلا انه في المدينة التي تقع تحت سيطرة محافظة بابل، يبدو أكثر طائفية.

ولعل هذا التأزيم في الوضع، يعود إلى ما تكتبسه المدينة من أهمية استراتيجية بالغة، نظرا إلى طبيعتها الجغرافية الصعبة، وموقعها المهم الذي يربط بين المحافظات الغربية والوسطى والجنوبية، وهي محاولة شيعية للتضييق على أهالي المدينة من السنة.

وتربط قوات "الحشد الشعبي"، المدينة بما تسميه "الجماعات المتطرفة"، حيث كانت معقلا للمسلحين في الأعوام التي تلت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

وعلى الرغم من تأكيد مسؤولين محليين أن تلك الأيام ولت، لكن يظل مستقبل المدينة غير واضح، إذ لم يتبق فيها أي من سكانها السنة، ومن غير المرجح أن يعودوا إليها في وقت قريب.

ويرى مراقبون، أن التصعيد الشيعي ضد السنة، هو الحائل دون إعادة الأهالي، في ظل تصاعد اقتراحات بضرورة إجراء مصالحة مع الأهالي قبل تأمين عودتهم.

لكن الاقتراح الأغرب هو ما اقترحه البعض بأن تكون هذه (الناحية) منطقة منزوعة السكان استنادا إلى تعذر المجلس فرض الأمن وتأمين السكان.

في وقت تناقل البعض دعوات بضرورة ضم المدينة إلى محافظة الأنبار، وقطع كل العلاقات الإدارية وغيرها في محافظة بابل، بسبب ما سموه "التحشيد الطائفي" في الشارع البابلي، حيث لا يمكن التعايش، ولا يمكن لأي مصالحة أن تحل ما خلفته هذه الظروف.

وعود ومفاوضات

ومع قرب الانتخابات البرلمانية، علّق سكان المدينة، آمالهم في العودة إلى ديارهم، على قشة الوعود الانتخابية، وإن كانت من باب الدعاية.

وحينها، أطلق برلمانيون وسياسيون، وعودا بعودة النازحين، فيما بدا بأنه ورقة رابحة، وجدت ترحيبا لدى النازحين، رغم تأكيد البعض أن الأمر يندرج فقط ضمن الدعاية السياسية.

وعقب الانتخابات، وضعت كتلة السنة حال "جرف الصخر"، وغيرها من مناطق التهجير في قلب مفاوضاتها السياسية، وربطت أي تفاهم سياسي بحل مأساتها، وهو ما نجحت فيه مع معسكر "نوري المالكي وهادي العامري".

وحسب مصادر، فإن تحالف "المالكي والعامري"، قدموا لقيادات سنية، إغراءات تتعلق بسحب قوات الحشد من المدن وإعادة أهل "جرف الصخر" و"العويسات" و"بيجي" و"الإسكندرية" و"يثرب"، وحل ملف المختطفين، حسب صحيفة "العربي الجديد".

وعقب الانتخابات، فشل مقترح تشكيل وفد وساطة سياسي وقبلي، في التحرك نحو زعماء بـ"الحشد الشعبي"، لإعادة المواطنين للمدينة، بعدما رفضت الفصائل المسلحة دخول وفد قبلي إلى "جرف الصخر" لتفقد منازل المواطنين وممتلكاتهم ومزارعهم، التي تركوها بحجة أنها منطقة عسكرية.

وحسب مراقبين، فإن الحكومة تبدو عاجزة عن إدارة ملف "جرف الصخر"، كونها بيد جهات مسلحة عدّة، وسط حديث عن رفض إيراني لذلك.

تسليح

ولعل ما كشفته "رويترز"، قبل أسبوعين، يعطي دليلا على السبب الحقيقي، وراء منع أهالي "جرف الصخر"، من العودة.

مصادر الوكالة، قالت إن إيران قدمت صواريخ باليستية لفصائل عراقية، وإنها تطور القدرة كذلك على صنع المزيد من الصواريخ هناك لدرء الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط، ولامتلاك وسيلة تمكنها من ضرب خصومها في المنطقة.

وقال مصدر غربي وآخر عراقي، إن المصانع المستخدمة في تطوير الصواريخ بالعراق، توجد إحداها في "جرف الصخر".

ولفت المصدران، إلى أنه يجرى اختبار الصواريخ قرب "جرف الصخر"، تحت رعاية ميليشيات "الحشد الشعبي".

وكان رئيس الوزراء الأسبق ونائب الرئيس الحالي "إياد علاوي"، قد أوضح في مايو/أيار 2017، أنه تحدث مع نائب رئيس مليشيات "الحشد الشعبي"، "أبو مهدي المهندس"، والقيادي في الميليشيات "هادي العامري"، بخصوص السماح لمواطني "جرف الصخر" بالعودة إلى مناطقهم.

وأشار "علاوي"، حينها، إلى أن قادة "الحشد الشعبي" أبلغوه بأنهم سيذهبون إلى إيران من أجل حل المسألة، لكن تم إبلاغهم بأن الأمر بيد شخص في لبنان، قبل أن يتساءل: "ما علاقة إيران ولبنان بهذا الأمر؟".

  كلمات مفتاحية

جرف الصخر السنة الشيعة العراق الحشد الشعبي الدولة الإسلامية

انتخاب الكردي "بشير توفيق" نائبا ثانيا لرئيس البرلمان العراقي