جورج فريدمان: إسقاط الطائرة الروسية.. القصة حول إيران وليس (إسرائيل)

الخميس 27 سبتمبر 2018 07:09 ص

كان هناك حدث مثير للاهتمام الأسبوع الماضي؛ حيث تم إسقاط طائرة استطلاع روسية من قبل جيش النظام السوري.

لذا، بطبيعة الحال، ألقت روسيا باللوم على (إسرائيل)، زاعمة أن (إسرائيل) استخدمت الطائرة درعا لحماية طائراتها المقاتلة الخاصة، في طريقها إلى ضرب المواقع الإيرانية في سوريا.

وعلى الرغم من خطورة هذه التهمة، إلا أنها أقل إثارة بكثير من عتاب موسكو الآخر، حيث اشتكت أن الإسرائيليين لم يعطوا الروس تحذيرا كافيا قبل دخول المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا في سوريا.

ويتعارض هذا مع ترتيبٍ تعهدت بموجبه (إسرائيل) وروسيا والولايات المتحدة بإبلاغ بعضهم البعض عن حركة طائراتهم في المجال الجوي السوري، حيث أصبحت السماء مزدحمة.

وبعبارة أخرى، لم يعترض الروس على حقيقة أن (إسرائيل) دخلت المجال الجوي السوري، فقد اعترضوا فقط على حقيقة أنهم لم ينسقوا بشكل كافٍ مع روسيا.

ويعرف الروس حقيقة ما تفعله (إسرائيل) في سوريا، حيث تستمر الحملة الجوية الإسرائيلية ضد إيران في سوريا منذ بعض الوقت.

ورغم أنه من غير المرجح أن روسيا تقوم بالوشاية بالمواقع الإيرانية في سوريا، فإن الاستنتاج الراجح هنا هو أن روسيا لا تعبأ بالقصف الإسرائيلي لأهداف إيران. وفي خضم الخلاف الذي نشب إسقاط الطائرة الروسية، كثرت الاتهامات، لكن حقيقة أن الإسرائيليين قصفوا عددا من الأهداف الإيرانية لم تظهر كمسألة مهمة.

وبدأت "الطبقات التكتونية" في الشرق الأوسط في التحرك مؤخرا، وتعد هذه الحلقة جزءا من عملية إعادة التنظيم هذه. وأبرمت روسيا اتفاقا مع تركيا تخلت فيه عن القيادة في هجوم محتمل على "إدلب"، تاركةً "بشار الأسد"، الذي أراد أن يأخذ إدلب لتأمين الحدود الشمالية الغربية لسوريا، في العراء.

وقد لا يعجب ذلك "الأسد"، لكنه ليس مستاءً بما فيه الكفاية لإسقاط طائرة أحد أكبر حلفائه. ومع ذلك، فإن علاقات روسيا مع النظام السوري تبدو ضعيفة بعض الشيء، شأنها شأن علاقتها مع إيران، الهدف المحتمل للهجمات الإسرائيلية.

وقد لا تخبرنا إعادة التنظيم عن الكثير مما لم نكن نعرفه بالفعل في هذا الصدد، لكنها تكشف الكثير عن مدى استعداد روسيا و(إسرائيل) للتعاون. وهي تشير أيضا إلى أن روسيا ترغب بشدة في إيجاد أساس لعلاقة طويلة الأمد مع تركيا، التي تعتبر سيطرتها على البوسفور واحدة من أقدم المتطلبات الجيوسياسية لروسيا. ويجعل البوسفور أي وجود للبحرية الروسية في البحر المتوسط ​​في خطر دائم، وقد تشكل تركيا تحديا لروسيا في القوقاز، وهي منطقة عازلة مهمة لروسيا. وعندما تكون تركيا متحالفة مع الولايات المتحدة، كما هو الحال الآن، يكون لدى واشنطن القدرة على إبراز القوة في جميع أنحاء المنطقة، خاصة في البحر الأسود.

وهكذا، بالنسبة لروسيا، فإن التحالف مع تركيا سيكون بمثابة حلم يتحقق. وليس الأمر كذلك بالنسبة لتركيا، التي كانت متشككة تاريخيا تجاه روسيا، بعد أن خاضت حروبا وتآمرت ضدها لأعوام. وتدرك الحكومة في أنقرة أن التحالف مع روسيا، بدون خطة احتياطية، سيكون أمرا غير حكيم. ونحن بعيدون جدا عن تحالف دائم بينهما، ولكن مع اتفاق إدلب، نعرف على الأقل أن الصراع الصريح بين البلدين قد تم تجنبه.

وهكذا تتعاون روسيا مع (إسرائيل)، وتلجأ إلى تركيا. وأثبتت ما تريد إثباته في سوريا، وهو أنها لا تزال قوة عالمية، ولا تخشى الولايات المتحدة أو الغرب ويمكن لها أن تدعي النجاح في إبقاء "الأسد" في السلطة. وكانت إيران مفيدة في هذا الصدد، لكن قيمة طهران بالنسبة لروسيا تنخفض تدريجيا مع حسم الأمور في سوريا. ولا يحب الأتراك الإيرانيين، الذين لم يكن توسعهم في المنطقة مفيدا لأي من تركيا أو روسيا. 

وكان التوسع الإيراني هو الحافز الرئيسي لتغيير الموقف. واستفادت الحكومة في طهران من فرصة خلقتها هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وهي بلد أساسية لأمن الحدود الغربية لإيران كما أقامت تواجدا قويا في لبنان منذ فترة طويلة، وهي تواصل دعم المتمردين في اليمن.

لكنها إيران في نفسها صارت ضعيفة جدا، ويمكنها فقط أن تبرز ما يكفي من القوة لتكون ذات أهمية سياسية لدى القوى الإقليمية، ولكن ليس بما يكفي للاحتفاظ بموقفها ضد قوة خارجية حازمة.

وهنا لابد من ذكر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويشترك السعوديون مع (إسرائيل) في الشعور بأن إيران هي عدوهم الأساسي، ولا تريد (إسرائيل) أو السعودية رؤية التأثير الإيراني منتشرا أكثر مما هو عليه بالفعل.

ولا عجب إذن أن وسائل الإعلام السعودية والإماراتية ذكرت أن (إسرائيل) باعت السعودية نظامها للدفاع الصاروخي المعروف بـ"القبة الحديدية".

ويميل السعوديون والإسرائيليون إلى مضايقة بعضهم بعضا علنا، في حين يتعاونون مع بعضهم البعض سرا. وإذا كان أمر البيع صحيحا، فقد يعني ذلك أن علاقتهم خرجت الآن إلى العلن، وهو ما يخلق تحالفا غير رسمي من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط مع إضافة مصر، التي تتشارك مع (إسرائيل) في قضايا أمنية حساسة، فإن هذا التحالف يمتد إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر.

ويعد هذا التحالف غير الرسمي غريبا، ولكنه بالفعل يتخذ خطوات إلى الأمام. وتهاجم (إسرائيل) إيران في سوريا، وتستعد لقتال حزب الله في لبنان في المستقبل غير البعيد. وينخرط الأتراك في تحالف غير مستقر مع جوارهم السني، لكنه يبقى قائما، ويعطي الروس الضوء الأخضر للضربات الجوية ضد الإيرانيين وهكذا تجد إيران نفسها محاصرة.

ويبقى هناك عنصر مفقود في هذه الروايات وهي الولايات المتحدة. وتبنت واشنطن استراتيجية تسمح لها بموازنة عمل القوى المحلية لكنها لم تتنازل عن المسؤولية بالكامل، فهي تواصل شن حرب اقتصادية ضد إيران، وتحافظ على قوات من العمليات الخاصة في المنطقة؛ لتدريب ودعم بعض علاقاتها الجديدة.

إذن، فقصة الطائرة الروسية التي تم إسقاطها تعد في الحقيقة قصة عن إيران. لقد تحركت إيران، والآن يتحرك أعداؤها. وبالتأكيد فإن المعركة الحقيقية، سواء كانت علنية أو سرية، لم تبدأ بعد.

  كلمات مفتاحية

إيران الطائرة الروسية اتفاق إدلب سوريا تركيا السعودية

صحيفة عبرية: روسيا تهدد إسرائيل بإسقاط طائراتها في سوريا