السيادة القنصلية.. ادعاء سعودي لدفن حقيقة اغتيال خاشقجي

الأحد 21 أكتوبر 2018 12:10 م

"وفاة (جمال خاشقجي) وقعت في أرض سيادتها للسعودية"..

بهذه الكلمات أطلق وزير العدل السعودي "وليد الصمعاني" أول تصريحاته منذ بدء أزمة مقتل الكاتب الصحفي البارز داخل قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وتضمن التصريح خلطا بين مفهوم الولاية القضائية خارج الدولة (extraterritorial jurisdiction) وبين الحصانة الدبلوماسية التي تتمتع بها السفارات والقنصليات حول العالم، بما يعني أن كل ما يجري داخلها ليس من شأن قضاء الدولة المستضيفة.

وأثار هذا الخلط العديد من التساؤلات، خاصة أنه جاء بعد فترة صمت رسمي، امتدت لأكثر من أسبوعين، لم تقدم فيهما سلطات المملكة أي اعتراف بمقتل "خاشقجي" أو تفاصيل لما جرى له،  حتى أعلنت، فجر السبت، رواية مفادها أن الصحفي البارز توفي إثر شجار بالأيدي مع عدد من الأشخاص داخل القنصلية، وهي الرواية التي أجمعت المواقف الدولية على تكذيبها باستثناء الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

وحتى تلك الرواية، التي أعلنتها السلطات السعودية رسميا، ظلت مليئة بالثغرات التي تهدد بفشلها في محاولة التغطية على مسؤولية ولي العهد "محمد بن سلمان" عن جريمة الاغتيال، وفقا لما أورده الكاتب الأمريكي "نيكولاس كريستوف" في مقال تحليلي نشره، السبت، بصحيفة "نيويورك تايمز"، متسائلا عن كيفية دخول شخص تم تقطيع جثمانه بالمنشار (وفقا لتسريبات التحقيقات التركية) في مشاجرة بالأيدي؟. (طالع المزيد)

وبإضافة صدور تصريح الوزير "الصمعاني" عن وكالة الأنباء السعودية، استنتج مراقبون أن الهدف من التأكيد على مبدأ "السيادة الدبلوماسية" سياسي بالدرجة الأولى، إذ تمثل الأخيرة بوقا لتلك المواقف التي تريد السلطات السعودية تبنيها رسميا.

سيادة دبلوماسية

وينسجم هذا التحليل مع سياق الهدف من الرواية السعودية لمقتل "خاشقجي"، والتي تفضي في النهاية إلى أن القتلة نفذوا فعلتهم بالخطأ من جانب وبغير علم ولي العهد (حاكم السعودية الفعلي) من جانب آخر.

ولذا حرص "الصمعاني" على اقتران تصريحه بالتأكيد على استقلالية المؤسسة العدلية السعودية، بحسب مراقبين، بما يفضي لاحقا إلى قصر الرواية النهائية لما جرى داخل القنصلية ومحاسبة المتورطين فيه على قضاء المملكة، خاصة في ظل احتياج ثغرات الرواية الرسمية لمقتل "خاشقجي" إلى كثير من "الترقيع"، حسب ما فنده المعلق "زيفي برئيل" بصحيفة "هآرتس" العبرية. (طالع المزيد)

اتفاقية فيينا

لكن هل يمكن للقيادة السعودية الاستناد إلى أي من المواثيق والاتفاقيات الدولية في ما ألمح إليه "الصمعاني"؟ تزعم المصادر السعودية أن أساس هذه الرؤية يقوم على مواد اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1963.

وتنص الفقرة الثانية من المادة 31 للاتفاقية على "حرمة الدور القنصلية"، وتؤكد أنه "لا يجوز لسلطات الدولة المضيفة دخول القسم من الدور القنصلية إلا بموافقة رئيس البعثة القنصلية أو ممثله أو بموافقة رئيس البعثة الدبلوماسية للدولة الموفدة".

وتعد حالة مؤسس موقع ويكيليكس "جوليان أسانغ"، الذي يحتمي منذ العام 2012 بمقر سفارة الإكوادور في العاصمة البريطانية (لندن)، أبرز أمثلة الحصانة التي تتوفر للمقار الدبلوماسية، حيث تطالب العديد من دول بالقبض عليه، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك يقف الجميع عاجزا أمام حالته، ولا تستطيع لندن اقتحام سفارة الإكوادور للوصول إليه.

استثناء مقيد

لكن، ومع ذلك، لا يمكن للسلطات السعودية تسويق هكذا ذريعة بأوساط الإعلام الدولي لسببين، أحدهما سياسي، يتمثل في أنها سمحت للسلطات التركية بتفتيش قنصليتها في إسطنبول بالفعل، ما يعني إقرارا بحق تركيا في التحقق من تفاصيل الجريمة (المفترضة آنذاك)، وفقا لتحليل أستاذ القانون الدولي "أيمن سلامة".

ورغم ذلك، آثرت السلطات التركية عدم الدخول في جدل قانوني بشأن دخول القنصلية، وفضلت إخضاع هكذا إجراء للتفاهمات السياسة، خاصة في ظل حالة الارتباك السعودي، التي بدت واضحة على مدى أكثر من أسبوعين، من جانب، وامتلاك أجهزة الأمن والمخابرات التركية بالفعل لأدلة عديدة على الجريمة ومنفذيها من جانب آخر.

 أما السبب الثاني فيتمثل في أن نص اتفاقية فيينا نفسه غير مطلق، إذ ورد بنهاية ذات الفقرة الثانية من المادة 31 استثناء ينص على أنه "يمكن افتراض حصول هذه الموافقة (لدخول القنصلية) عند حدوث الحريق أو أي كارثة أخرى تستوجب اتخاذ إجراءات وقائية سريعة".

ويمثل ارتكاب جريمة جنائية داخل القنصلية أحد الكوارث التي تقتضي التدخل السريع، وهو ما لا ينطبق على حالة مؤسس "ويكيليكس" المذكورة.

فمبدأ الحصانة الدبلوماسية يحمي القنصليات والسفارات من انتهاكها أو اجتياحها أمنيا (invading)، لكنها لا تنزع الولاية القضائية عن الدولة المضيفة بأي حال.    

كما أن الاتفاقية لا تعطي القنصليات نفس درجة الحصانة التي تتمتع بها السفارات، بحسب تحليل أوردته صحيفة "أكشام" التركية، باعتبار أنها تمثل "بعثات خدمية بالأساس"، ومهمتها إصدار جوازات ووثائق وأوراق رعاياها، وتأشيرات الدخول لغير المواطنين وكذلك تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية مع الدولة المستضيفة، لكنها ليست الممثل الدبلوماسي للدولة المضيفة.

فالموظفون القنصليون لديهم حصانة وظيفية (أي حصانة من الولاية القضائية للدولة المستقبلة فيما يتعلق بالأعمال التي تتم في إطار ممارسة الوظيفة القنصلية)، لكنهم لا يتمتعون بالحصانة الشخصية الأوسع، الممنوحة للدبلوماسيين.

وبناء على ذلك، كان تشديد وزير العدل التركي "عبدالحميد جول"، السبت، على أن السلطات القضائية في بلاده هي المعنية بجمع الأدلة وتحليلها والبت في أمرها.

وأشار "جول" إلى أنه من الممكن للقضاء التركي أن يطلب إعادة المطلوبين في جريمة اغتيال "خاشقجي" وفق الاتفاقيات الدولية في حال وجودهم ببلد آخر، أو إصدار نشرة حمراء لإعادتهم في حال عدم معرفة مكان وجودهم، في تأكيد واضح على استمرار تركيا في متابعة الجريمة قضائيا إلى نهايتها.

  كلمات مفتاحية

السعودية جمال خاشقجي وليد الصمعاني إسطنبول اتفاقية فيينا تركيا عبدالحميد جول ويكيليكس جوليان أسانغ الإكوادور لندن

شاهد.. صور جديدة للحظات خاشقجي الأخيرة أمام القنصلية السعودية