تأثير محدود للحرب التجارية مع أمريكا على الاقتصاد الصيني

الخميس 15 نوفمبر 2018 09:11 ص

عندما تراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني خلال الربع الثالث من العام الحالي إلى أقل مستوى له منذ نحو 10 سنوات، أرجع المسؤولون الصينيون هذا التباطؤ الاقتصادي إلى "الظروف الخارجية الصعبة"، وهو تعبير مهذب عن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.

ويرى المحلل الاقتصادي "كريستوفر بالدنغ"، في تقرير بثته وكالة "بلومبرغ" للأنباء الاقتصادية، أن هذا التفسير الصيني لتراجع معدل نمو الاقتصاد يقدم الموقف على أساس أن "الشرير أصاب الطيب بالضرر"، ولكن الواقع يقول ان السياسات والمشكلات الصينية هي السبب الرئيسي وراء تباطؤ الاقتصاد الصيني خلال الشهور الأخيرة.

كل المؤشرات تقول إن تأثير الرسوم الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة على كمية من وارداتها من السلع الصينية، على الاقتصاد الكلي للصين ضئيل للغاية.

فمعدل نمو صادرات الصين إلى الولايات المتحدة وهي أكبر شريك تجاري لها يبلغ حاليا 13%، وتتجه الصادرات الصينية إلى أكبر شريك تجاري لها نحو تحقيق أعلى معدل نمو لها منذ 10 سنوات، بفضل الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي بنسبة كبيرة.

وكانت واشنطن قد فرضت في وقت سابق من العام الحالي رسوما تجارية على واردات السلع الصينية للسوق الامريكية بقيمة 250 مليار دولار، وهي تشكل حوالي 50% من صادرات الصين للولايات المتحدة. وردت الصين باتخاذ إجراءات تجارية ضد وارداتها من السلع الأمريكية بقيمة 110 مليارات دولار.

وحتى بدون الحواجز التجارية الأمريكية الإضافية، لم يكن متوقعا نمو الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بأسرع من المعدلات الحالية. وحتى إذا بلغ معدل نمو الصادرات الصينية إلى أمريكا بنسبة 20% على سبيل المثال، فإنه سيضيف فقط 22 مليار دولار إلى إجمالي الناتج المحلي للصين البالغ حوالي 13 تريليون دولار، أي أن هذا لن يكون له تأثير ملموس على معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للصين.

بعبارة أخرى فإن مثل هذه الزيادة في صادرات الصين إلى السوق الأمريكية، كانت تعني زيادة معدل نمو القيمة الاسمية لإجمالي الناتج المحلي للصين خلال الربع الثالث من العام الحالي من 9.70% إلى 9.85% فقط.

في المقابل، فإن قرارات السياسة الاقتصادية والنقدية للصين تمثل السبب الأبرز وراء تراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني خلال الربع الثالث من العام الحالي.

ومن هذه القرارات فرض قيود على نمو القروض والإنفاق الاستثماري في الصين، فعندما أعيد انتخاب الرئيس الصيني "شي جين بينغ" رئيسا للحزب الشيوعي الصيني ورئيسا للبلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2017، كان معدل نمو ما يسمى بالتمويل الاجتماعي في الصين 31% سنويا، وقد تراجع هذا المقياس الواسع للقروض في الصين بنسبة 13% بعد عام واحد من إعادة انتخاب "جين بينغ".

وقد كانت مناورة "جين بينغ" لتحقيق خفض حاد لمعدل نمو القروض في الصين بسرعة كبيرة بعد فوزه بفترة حكم ثانية خطوة حكيمة، وكان تأثيرها الاقتصادي يفوق بكثير تأثير الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.

وإذا افترضنا أن إجمالي التمويل الاجتماعي ارتفع خلال العام الحالي بنسبة 10%، بدلا من انكماشه بنسبة 13% كما هو الواقع، فإن هذا كان يعني إضافة 4.1 تريليون يوان (590 مليار دولار) إلى النشاط الاقتصادي للصين، بما يفوق بمراحل أي تأثيرات للنزاع التجاري مع واشنطن.

كما ساهم تحرك الصين للحد من الإنفاق الاستثماري، وهي خطوة مطلوبة أيضا لتحسين حالة الاقتصاد الصيني ككل، في تباطؤ وتيرة النمو.

ففي عام 2015 كان الاستثمار في الأصول الثابتة يمثل حوالي 80% من إجمالي نمو الناتج المحلي للصين.

لكن منذ ذلك التاريخ بدأت هذه النسبة تنخفض باطراد.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي سجل الإنفاق الاستثماري على الأصول الثابتة في الصين نموا بمعدل 5.4% فقط لتصبح حصة القطاع 55% فقط من إجمالي الناتج المحلي خلال عام.

في الوقت نفسه تتراجع مؤشرات ثقة المستثمرين والمستهلكين والشركات طوال شهور العام الحالي. 

والحقيقة أن إرجاع هذا الانخفاض في مؤشرات الثقة إلى الحرب التجارية محل جدل، حيث أن الكثير من الأسئلة تثور حول التأثير النهائي للحرب التجارية على سلوك المستثمرين والشركات والمستهلكين في الصين.

في الوقت نفسه، يواصل الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين صعوده بمعدلاته التاريخية، وقد بدد تراجع قيمة اليوان الصيني أمام الدولار الأمريكي القوي التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية الأمريكية الإضافية.

الحقيقة هي أن بكين اتخذت قرارا سياسيا جيدا لكبح جماح القروض والحد من النمو الاقتصادي المعتمد على الإنفاق الاستثماري، وهو أمر يستحق الإشادة.

في الوقت نفسه فإن تباطؤ وتيرة نمو الاستهلاك في الصين، نظرا لمعاناة الناس من أجل سداد أقساط قروضهم العقارية وتراجع صفقات القطاع العقاري، هو أحد نتائج مرحلة النمو الاقتصادي المعتمد على الإقراض في الصين في أعقاب تفجر الأزمة المالية العالمية عام 2008.

والآن تواجه الصين تحديات اقتصادية جوهرية. وقد أعلنت الحكومة مؤخرا سلسلة من برامج الإنقاذ المالي لدعم سوق الأسهم، وتمويل الشركات الخاصة والصغيرة، وإجراءات لإعادة الاقتصاد إلى مسار النمو.

وأخيرا فإن محاولة البعض إلقاء مسؤولية المشكلات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الصيني على الحرب التجارية قصيرة المدى مع الولايات المتحدة، أمر غير صائب. فتأثير هذه الحرب على سياسات وتحديات الصين الاقتصادية على المدى الطويل محدود للغاية.

المصدر | د.ب.أ

  كلمات مفتاحية

أمريكا الصين الرسوم الأمريكية