حالة من السعادة شهدها مطعم "أونكل جين" القابع ببلدة بريدا جنوب هولندا، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2017، عندما أعلن نادي ليفربول الإنجليزي، تعاقده مع المدافع الهولندي "فيرجيل فان ديك"، قادما من ساوثهامبتون، في صفقة قياسية جعلته أغلى مدافع في العالم.

المطعم ليس ضمن قائمة رعاة ليفربول، ولا العاملين به من عشاقه، وليس انتقال لاعب إلى الريدز بالحدث الجديد على كرة القدم الهولندي التي تمتلك في تاريخها الكثير من الأساطير، لكن "فان ديك" يمتلك قصة مختلفة وفريدة شهدها هذا المطعم.

فقبل عشر سنوات من ذلك التاريخ، كان "فان ديك" يعمل في مطعم "أونكل جين"، حيث كان ابن الـ16 عاما مراهقا مغمورا نشأ في أسرة بسيطة لأب هولندي ولأم من أصول سورينامية، ولم يحب شيئا بقدر ما عشق كرة القدم، فلم يترك أي تجمع للعب في مدينة بريدا إلا وشارك فيه، وككل الأطفال الصغار كان يفضل اللعب كمهاجم على تأدية الأدوار الدفاعية، لم يكن يعلم أنه سيصبح بعد سنوات معدودة المدافع الأغلى في تاريخ اللعبة.

أحب "فان ديك" النجم البرازيلي "رونالدينيو" كثيرا، وربما يفسر ذلك سر قصة شعره الحالية.

وارتكزت طموحات المراهق الصغير في أن يصبح يوما لاعبا محترفا، ويمتع المشاهدين بأدائه، لكن ظروف الأسرة كانت أقوى من طموحاته، فلم يكن ذلك الولد المدلل الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب.   

وانضم "فان ديك" إلى فريق ناشئي نادي فيليم، ولم يوقع النادي معه عقدا، ولم يحصل على راتب أو دخل؛ لذلك اضطر للبحث عن عمل إضافي يتربح منه ليسد احتياجاته، ومن هنا وجد لنفسه متسعا في مطعم "أونكل جين" وعمل بغسل الأطباق.

ويقول مالك المطعم، "جاك ليبس"، لصحيفة "ميرور" البريطانية، إن "فان ديك" كان ولدا مجتهدا، يأتي للعمل يومين أسبوعيا، ويعمل في كل مرة ما يزيد على خمس ساعات، لذلك عرض عليه أن يتخلى عن بعض تدريبات الكرة في سبيل العمل ساعات أطول وبالتالي الحصول على راتب أعلى، لكنه كان يرفض رفضا قاطعا، وكان يصر دوما على أنه يعمل هنا في المطعم بشكل مؤقت، لكن وظيفته الأساسية هناك على العشب الأخضر وتحت أشعة الشمس، وليس بين الصحون والصابون.

لم يستغرق الأمر كثيرا، وانضم "فان ديك" إلى نادي جرونينجن الهولندي، الذي يبتعد عن منزله مسافة 200 ميل كاملة، لذلك اضطر لتوديع زملائه في المطعم، وبدأ الفصل الاحترافي الأول من مسيرته مع كرة القدم.

وهناك تحول مركزه من المهاجم إلى قلب الدفاع بإيعاز من مدربيه؛ فهؤلاء المدربون أعجبوا بإمكانياته البدنية وشخصيته القوية، التي لم يكن لناشئ صغير أن يحظي بها بسهولة، ومنحوه الثقة، فسجل ظهوره الأول بالدوري الهولندي قبل أن يكمل عامه العشرين، ثم تم تصعيده بالموسم التالي ليصبح لاعبا دائما بالفريق الأول.

وانتقل الهولندي إلى سيلتيك الاسكتلندي فيما بعد في صفقة جاوزت الـ2 مليون يورو، وكان النادي يعلم يقينا أنه لن يستمر في اسكتلندا وقتا طويلا قبل الرحيل لأحد الدوريات الخمسة الكبرى، وأراد الاستثمار فيه. 

وفي سيلتيك، تشكلت شخصيته بشكل أقوى، حيث أصبح بطلا للدوري، وعرف أجواء المنافسات الأوروبية، وواجه أندية كبيرة كميلان وبرشلونة، وبعد عامين فقط من انتقاله لاسكتلندا، طار لإنجلترا ليلحق بنادي ساوثهامبتون.

وفي صيف 2017، تنازعت أندية ليفربول، ومانشستر سيتي، وتشيلسي على ضمه، قبل أن يعلن ساوثهامبتون أنه ليس للبيع، ثم يتوصل لصيغة اتفاق مع الريدز، في 27 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، وهو اليوم الذي تواصل بصفة شخصية مع زملائه السابقين في المطعم ومالكه ليخبرهم بهذا الخبر السعيد، وهم الذين قبل عشرة أعوام فقط، كان أغلبهم لا يصدقون أنه سيصبح يوما لاعبا محترفا، وينصحونه بالاستمرار في عمله بالمطبخ.