ماذا نعرف عن التنافس السعودي الإيراني في نيجيريا؟

الثلاثاء 4 ديسمبر 2018 06:12 ص

عندما يفكر الناس في المنافسة السعودية الإيرانية، فإن مسارح الصراع الشرق الأوسط مثل اليمن أو سوريا هي التي تتبادر إلى الذهن، لكن التنافس تجاوز المنطقة المحيطة، ليصل إلى نيجيريا البعيدة عن كل من السعودية وإيران، والموجودة على هامش مصالحهما الأمنية.

التشيع في نيجيريا

كان آخر مظهر على ذلك ما حدث في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، عندما أطلق الجيش النيجيري النار على أعضاء الحركة الإسلامية في نيجيريا، وهي جماعة شيعية لها علاقات مع إيران، مما أسفر عن مقتل قرابة 50 شخصًا خلال مظاهرة في العاصمة أبوجا.

 ويقول الجيش، الذي تلقى الدعم العسكري من السعودية، إنه كان يرد على هجوم من الحركة الإسلامية على قوات الأمن بالعصي والحجارة في محاولة لتجاوز الحاجز، ولكن الحركة تصر على أن الاحتجاج كان سلميًا.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الجيش النيجيري القوة ضد الجماعة، ففي ديسمبر / كانون الأول 2015، هاجم الجيش منزل مؤسس الحركة "إبراهيم زكزاكي" في زاريا، واعتقله وقتل ما يقرب من 350 من أتباعه الشيعة، وتدعي الحكومة أن "زكزاكي"، الذي لا يزال في الحجز، كان يخطط لاغتيال مسؤول بالجيش النيجيري.

يمثل السكان المسلمون في نيجيريا حوالي نصف سكان البلاد، وغالبيتهم من السنة، ويبقى الشيعة أقل عدداً بكثير.

ومن بين إجمالي عدد السكان البالغ 190 مليون نسمة، يبلغ عدد الشيعة النيجيريين ما بين 3 إلى 10 ملايين شخص، مركزين في ولايات نيجيريا الشمالية، والغالبية العظمى منهم أعضاء في الحركة الإسلامية في نيجيريا وهي المنظمة التي أسسها "زكزاكي" لنشر الإسلام الشيعي داخل بلده بعد أن سافر إلى إيران ليصبح رجل دين شيعي، مستلهماً روح ثورة 1979.

في ذلك الوقت، لم يكن لدى نيجيريا أي شيعة تقريباً، وكانت الحركة مسؤولة عن تحويل جميع الشيعة الحاليين في البلاد تقريباً من الإسلام السني على مدى العقود التالية.

ترفض الحركة - مثل الزعماء الإيرانيين الثوريين - الحكم العلماني وتسعى إلى إقامة دولة إسلامية في شمال نيجيريا، ولهذا السبب، تعتبر الحكومة النيجيرية المجموعة تهديدًا، وهي تراها أقرب إلى جماعة "بوكو حرام" من كونها جماعة معارضة سلمية.

وعلى الرغم من أن الحركة تدعي أنها حركة سلمية ولا تتمرد بنشاط ضد الحكومة، فقد هدد قادتها بالعنف إذا استمرت الهجمات على احتجاجاتها، وليس من الصعب تخيل قيام الجماعة بشن تمرد إذا ما تم قتل "زكزاكي" - الذي لا يزال زعيما الحركة - والمحكوم عليه بالإعدام.

على الرغم من التأثير الواضح لإيران في إيديولوجية تأسيس الحركة، إلا أنه من غير الواضح مستوى الدعم الذي تقدمه لها حاليًا، وسيكون من المنطقي أن يكون الدعم في أدنى حد ممكن له، فإيران مشغولة بما يكفي في الداخل، مع ارتفاع التضخم وضعف الريال الإيراني، وقلاقل المتمردين الأكراد والسنة في مناطقها الغربية والشرقية، والهجمات الإسرائيلية على طرق الإمداد الخاصة بها في سوريا، والعقوبات النفطية، وكلها أمور تضغط على ميزانيتها المضغوطة بالفعل.

ولكن بغض النظر عن مستوى تورط إيران مع الجماعة، فقد اهتمت السعودية بتشجيع الحكومة النيجيرية على كبح نشاط الحركة، فالدولتان تتنافسان على النفوذ في أي مكان رغم كل شئ.

ولدى السعودية، التي تعد راعية المسلمين السنة في جميع أنحاء العالم، منظمة صديقة خاصة بها في نيجيريا هي جمعية "إزالة" التي تأسست في عام 1978 بدعم من السعودية لنشر النسخة الخاصة بالمملكة من السلفية في معارضة التصوف السني، وتعد هذه الجمعية مروجة نشطة لمدرسة الرياض الخاصة في الإسلام، وهي مؤثرة على مستويات متعددة من الحكومة، لكن في حين أن السعودية تكتسب تأثيرها عبر دبلوماسية قائمة على المساعدات الاقتصادية حيثما أمكن، فإن دعمها لنيجيريا منخفض مقارنة بما تنفقه في أماكن أخرى.

في وقت سابق من هذا العام، أرسلت السعودية للحكومة النيجيرية ما يقدر بـ 10 ملايين دولار من المعدات العسكرية والمساعدات للنازحين داخليًا، وهو مبلغ ضئل مقارنة بالاستثمارات التي تزيد قيمتها عن 11 مليار دولار قدمتها السعودية للسودان في السنوات الأخيرة (بما في ذلك مليار دولار مدفوعة في عام 2015 مقابل تحول السودان من الولاء من إيران) أو حتى بالمليارات التي تنفقها سنوياً لمحاربة النفوذ الإيراني في اليمن.

مصالح متصارعة

لكن ما الذي ستستفيده إيران والسعودية من المشاركة الهزيلة نسبياً في نيجيريا، بينما تتنافس الدولتان في مسارح الصراع الأخرى التي تقدم ميزة عسكرية استراتيجية؟

تعد نيجيريا والمنطقة المحيطة بها بعيدة كل البعد عن إيران والسعودية، كما أن المسافة الجغرافية الكبيرة تحدّ من التهديد الذي قد تواجهه دول الشرق الأوسط من نيجيريا، وبالتالي تحدّ من المصالح التي يملكها كل منها هناك.

لكن نيجريا لديها القدرة على التأثير في مجريات المنافسة بين طهران والرياض في مناطق أخرى خاصة في القرن الإفريقي حيث تملك السعودية خطا ساحليا طويلا على البحر الأحمر وتحتاج إلى ضمان المرور الحر عبر مضيق باب المندب عند الطرف الجنوبي للبحر.

أما إيران، فمن جانبها، تتطلع إلى الحد من النفوذ السعودي في القرن الأفريقي حتى تتمكن من مواصلة الضغط على المملكة من الشرق والغرب، وسبق أن حاولت إنتاج أسلحة في السودان قبل أن تدمر (إسرائيل) مصنعها هناك في غارات جوية عام 2012.

يمكن لإيران أن تحاول استخدام نيجيريا لتهديد حلفاء السعودية في القرن الإفريقي، متجاوزة موقع السعودية القوي على طول غرب البحر الأحمر ويمكن لها أن تمارس الضغط على الجناح الغربي للسودان.

ولكن من الناحية الواقعية، فإن نيجيريا بعيدة جداً عن أن تشكل تهديداً في هذا السيناريو، حيث مع وقوع تشاد حاجزا بين نيجيريا والسودان وهي دولة تتمتع بوجود عسكري فرنسي قوي، علاوة على ذلك، تعمل إسرائيل على إعادة العلاقات مع تشاد ومحاولة تحقيق انفراج مع السودان، ولا شك في أن ذلك يهدف إلى احتواء النفوذ الإيراني في جميع المجالات الممكنة أمامها.

في ضوء ذلك يبدو تورط إيران عائداً أكثر إلى السياق التاريخي النابع عن تأسيس الحركة الإسلامية في نيجيريا، وليس إلى جهد كامل لتأسيس هيمنة خارج الشرق الأوسط، وإذا حصلت الحركة على قدر أكبر من الحكم الذاتي لشمال نيجيريا، فإن المنطقة يمكن أن تكون بمثابة موطئ قدم لإيران لمد طرق توريد الأسلحة إلى شمال أفريقيا، وإلى حزب الله وحماس. (ومن الجدير بالذكر أن السودان دولة سنية مما يثبت أن إيران مستعدة للعمل مع حلفاء غير شيعيين لتعزيز ميليشياتها).

بيد أن نيجيريا هي نقطة أقل فائدة من الناحية الجغرافية من السودان، فمن هناك، لا يزال يتعين على الأسلحة المرور عبر النيجر للوصول إلى شمال أفريقيا ثم البحر المتوسط، وقد تكون النيجر بوابة إلى الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا، لكن تلك البوابة تضيق، إذ أن الخطر الذي تشكله طرق النقل عبر الصحراء الكبرى لأوروبا يدفع إلى حشد عسكري أمريكي وفرنسي متنام. ورغم أن الولايات المتحدة تخطط لتقليص قواتها في المنطقة ولكنها ستزيد التمويل لعملياتها في منطقة الساحل وتسقوم بفتح قواعد جوية جديدة للطائرات بدون طيار في النيجر.

وعلاوة على ذلك - وعلى عكس الحال السودان - فإن إيران ستفتقر إلى الدعم الحكومي في نيجيريا وسيكون عليها أن تعتمد جماعة غير حكومية تستهدفها الحكومة بفاعلية لدعم وكلائها على السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وهي مهمة تبدو شبه مستحيلة.

وبناء على ذلك، تبدو المصلحة الأكثر إقناعاً لدى إيران في نيجيريا هو ببساطة الحصول على تأثير أكبر قليلاً في العالم الإسلامي من خلال نشر نسختها الخاصة من الإسلام على حساب السعودية، حيث تضفي العلاقات بين إيران و الحركة الإسلامية في نيجيريا بعض الشرعية على الجماعة بأقل التكاليف على الجمهورية الإسلامية، حتى وإن كان ذلك من دون فائدة استراتيجية ملموسة كبيرة لطهران.

صراع هامشي

ولكن مرة أخرى، فإن نيجيريا بعيدة كل البعد عن الشرق الأوسط والبحر الأحمر، حيث تجد السعودية مخاوفها الأمنية الأكثر إلحاحاً، ولهذا لا تشعر الرياض بأنها مضطرة لتكريس موارد كبيرة للتأثير على الوضع.

ولكن الوضع يبدو مرشحا للتطور واكتساب مزيد من الأهمية خاصة إذا حاولت الحركة الإسلامية الشيعية حصد استقلالية أكبر حول زاريا، حيث يمكنها أن تستنزف اهتمام الحكومة ومواردها، مما قد يفتح الباب أمام جماعة "بوكو حرام" لتعزيز وتوسيع أراضيها، وإذا تحولت الحركة الإسلامية إلى العنف، فسيتعين عليها خوض حرب على جبهتين ضد الحكومة النيجيرية وجماعة "بوكو حرام" المعادية للإسلام الشيعي.

عند هذه النقطة، ستحتاج طهران إما إلى تعزيز دعمها للحركة الإسلامية، وهو أمر لا تستطيع تحمله في مأزقها الاقتصادي الحالي، أو المخاطرة بهزيمة الحركة الشيعية الموالية لإيران، وباختصار ، فإن قيام الحركة الإسلامية بتمرد في نيجيريا سوف يجبر إيران على العمل، على الرغم من قدرتها المحدودة، وإلا فإنها تخاطر بفقدان المصداقية في الوقت الذي يواجه فيه إخوانها الشيعة الأفارقة خصمين أكثر قوة.

السعودية بدورها، تريد أن تحظى بالقبول كلما أمكن ذلك - لترسيخ مكانتها كقائد عالمي للمسلمين السنة بشكل أفضل - وإحباط التوسع الإيراني حيثما أمكن، ومع ذلك، فإن المبالغ الصغيرة التي ساهمت بها للحكومة النيجيرية، والتي توجه ظاهريا للمساعدة في هزيمة جماعة "بوكو حرام" تظهر أن السعودية لا ترى سوى تهديدات محدودة في نيجيريا.

لذا ينبغي النظر إلى العلاقة بين الحركة الإسلامية في نيجيريا وإيران على أنها إزعاج صغير للسعودية وليست خطراً كبيراً، ومع وقوع نيجيريا على هامش المصالح الأمنية الإيرانية والسعودية، فإن استثمارات البلدين هناك تبقى ضئيلة، ولكن المنافسة على هذا المسرح جديرة بالملاحظة بسبب موقعها وليس بسبب أهميتها.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران نيجيريا القرن الأفريقي

مباحثات سعودية نيجيرية حول التعاون الثنائي وسبل تعزيزها