دور الحرب السيبرانية السعودية في مقتل خاشقجي

الأحد 9 ديسمبر 2018 10:12 ص

عندما دخل "جمال خاشقجي" القنصلية السعودية في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يكن يعرف أنه كان يسير إلى حتفه. وكان "خاشقجي" قد أصبح الهدف الرئيسي في الحرب المعلوماتية الحديثة، الحرب التي تضمنت القرصنة والاختطاف والقتل في نهاية المطاف، التي شنها ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" وحاشيته ضد المعارضين.

فكيف أصبحت معركة الأفكار، التي أثارتها صحافة "خاشقجي" الصريحة في صحيفة "واشنطن بوست"، مميتة إلى هذا الحد؟ هذا هو اللغز الرئيسي في وفاة كاتب العمود السعودي. والجواب في جزء منه هو أن الولايات المتحدة و(إسرائيل) والإمارات العربية المتحدة، والدول الأخرى التي دعمت السياسات السعودية لمكافحة التطرف، ساعدت في مد المملكة بأدوات مزدوجة للتجسس الإلكتروني دفعت الصراع نحو خاتمة كارثية في إسطنبول.

ووعد "بن سلمان" بالتغيير، لكنه جاء بعدم الاستقرار، وقد أصبحت الترسانة الرقمية التي جمعها أداة لحكمه الاستبدادي. لقد جاء "بن سلمان" إلى فضاء المعلومات ومعه "منشار عظام".

وكان اللاعب الأول في هذا الصراع هو مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الرياض، الذي يديره "سعود القحطاني"، وهو مسؤول ذكي وطموح في الديوان الملكي (قبل إقالته). وقد عمل "القحطاني" وزملاؤه على الإنترنت في البداية مع شركة إيطالية تدعى "هاكينج تيم"، ثم قاموا بالتسوق للحصول على منتجات أنتجتها شركتان إسرائيليتان، مجموعة "NSO" والشركة التابعة لها، "Q Cyber ​​Technologies"، إضافة إلى شركة إماراتية تدعى "دارك ماتر". وتدريجيا، قام "القحطاني" ببناء شبكة من المراقبة والتلاعب بوسائل الإعلام الاجتماعي للنهوض بأجندة "بن سلمان" وقمع أعدائه.

وبدأ السعوديون ببناء حملة الإنترنت الخاصة بهم منذ نحو 10 أعوام، عندما كان "القحطاني" يخدم الملك السابق"عبدالله". وكان لدى السعوديين أسباب مفهومة لتسليح أنفسهم في الفضاء السيبراني. وبحسب ما ورد أطلقت إيران فيروس "شمعون" منتصف عام 2012، مما أدى إلى شل عشرات الآلاف من الحواسيب السعودية، التي استغرق إصلاحها ما يقرب من نصف عام. كما واجهت المملكة تهديدات إرهابية قاتلة، خاصة بعد أن انفجرت كرة النار المتمثلة في تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق عام 2014.

وبالنسبة للسعوديين، كما هو الحال بالنسبة للمتسللين الروس في هجومهم الذي استهدف الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، أصبحت مساحة المعلومات منطقة حرب، وأصبحت الأسلحة نفسها قابلة للاستخدام في الدفاع أو في ارتكاب الجرائم. وكما أخبرني مسؤول استخباراتي أوروبي: "إن الأدوات التي تحتاجها لمكافحة الإرهاب هي نفس الأدوات التي تحتاجها لقمع المعارضة". ولقد دفع السعوديون بقوة نحو هذا الاستخدام المزدوج.

ووصف السيناتور "مارك وارنر"، وهو ديموقراطي بارز في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مخاطر هذا السيف السيبراني ذي الحدين قائلا: "تنطوي كل أداة مراقبة جديدة على احتمال إساءة استخدام. لهذا السبب لدينا في أمريكا نظام قوي من القانون وحتى محكمة خاصة للإشراف على كيفية استخدامها. وفي الأماكن التي تقل فيها الحماية القانونية للأفراد ولا توجد رقابة فعلية من أجزاء أخرى من الحكومة، يمكن إساءة استخدام هذه الأدوات بسهولة، وهذا أمر ينبغي أن نهتم به جميعا".

هوس وسائل التواصل

ويعود هوس القيادة السعودية بوسائل التواصل الاجتماعي إلى الربيع العربي، الانتفاضات التي هزت تونس أواخر عام 2010، ثم امتدت إلى مصر وليبيا والبحرين وسوريا عام 2011. وقد خشي الديوان الملكي في الرياض من أن تكون الملكية السعودية المحافظة هي الهدف التالي لما أسماه "مارك لينش"، الخبير في السياسة العربية بجامعة جورج واشنطن، "احتجاجات الهاشتاج".

وكانت أجهزة الاستخبارات العربية تراقب عن كثب اتصالات مواطنيها وأنشطتهم السياسية الأخرى؛ حيث قدمت وسائل الإعلام الرقمية فرصا جديدة لكل من النشاط والقمع. وسعت الاستخبارات السعودية نشاطها عام 2013 للحصول على أدوات "هاكينج تيم" التي يمكنها اختراق أجهزة "آيفون" و"آيباد"، وفي 2015 أرادت الوصول إلى هواتف "أندرويد"، وفقا لسجلات الشركة التي كشف عنها موقع "ويكيليكس" عام 2015.

وجلب الملك "سلمان" معه في يناير/كانون الثاني 2015 دفعة جديدة إلى الجهود السيبرانية في الديوان الملكي. وأراد "القحطاني"، وهو محام وعضو سابق في القوات الجوية كان يعمل في الديوان منذ أكثر من عقد، أن يثبت ولائه لابن الملك الجديد المفضل، "محمد بن سلمان". ولقد قدم "القحطاني" نفسه كشخصية لا غنى عنها، ولكنه أصبح الأكثر خطورة في الدائرة الداخلية حول "بن سلمان".

شراكة استراتيجية

وبعد أن أصبح "بن سلمان" ولي ولي العهد في أبريل/نيسان 2015، دفع "القحطاني" إلى تعزيز العمليات السيبرانية. وفي 29 يونيو/حزيران 2015، كتب إلى رئيس "هاكينج تيم" وطلب "قائمة كاملة من الخدمات التي تقدمها الشركة"، واقترح "شراكة طويلة واستراتيجية".

ويصف موقع "هاكينج تيم" نفسه على موقعه الإلكتروني على أنه "مجموعة لبيع أدوات للاعتراض الحكومي"، ومصدر "تكنولوجيا هجومية فعالة وسهلة الاستخدام". وقد شمل عملاء الشركة بحلول عام 2013 نحو 40 حكومة. وأصبحت العلاقة بين شركة "هاكينج تيم" والمملكة العربية السعودية قوية، لدرجة أنه عندما واجهت الشركة الإيطالية صعوبات مالية بعد تسرب سجلاتها عام 2015 من قبل "ويكيليكس"، يبدو أن المستثمرين السعوديين تدخلوا. وقد حصلت شركة مقرها قبرص، تدعى "Tablem Limited"، يرأسها رجل أعمال من عائلة "القحطاني"، على حصة 20% من الشركة في منتصف عام 2016. وفي اجتماع عُقد في ميلانو في مايو/أيار 2016، مثل المستثمرون الجدد محام سعودي بارز يدعى "خالد الطيبي" حسب ما أوردته "ماذربورد".

وقد استحوذ الديوان الملكي على أدوات اعتراض قدمتها إيطاليا، لكن مصادر أمريكية وسعودية تقول إن ولي العهد سعى إلى الحصول على قدرات أكبر. وتطلع إلى التقدم السريع الذي حققته شركة إلكترونية في الإمارات أطلق عليها اسم "دارك ماتر"، كما قال مسؤولان أمريكيان سابقان، وأراد أن تواصل المملكة مواكبتها. وقال هذان المصدران إن شركة "دارك ماتر" توفر التدريب والمعدات، لكن "بن سلمان" أراد أنظمتها الحديثة.

وانضمت المملكة إلى مجال مزدحم. وكان انتشار الأسلحة السيبرانية يتسارع في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك جزئيا إلى حماس الولايات المتحدة لأي شيء يمكن أن يسهم في "مكافحة التطرف العنيف". ويشرح أحد المسؤولين الأمريكيين السابقين الذين عملوا مع الديوان الملكي حول المسائل السيبرانية: "شعر السعوديون أنه طالما أنهم قاموا بقمع التطرف، فإن لديهم شيكا على بياض لملاحقة الناس في بلادهم أيضا".

المراقبة الحديثة

ولقد تبين لي لمحة عن شغف السعودية بتكنولوجيا المراقبة الرقمية خلال زيارات للمملكة في أبريل/نيسان 2017 ومارس/آذار 2018. وفي كلتا المرتين، تمت دعوتي لرؤية مركز جديد لمكافحة الإرهاب داخل الديوان الملكي، والذي أطلق عليه السعوديون "مرصد التطرف الرقمي". وكان المركز عبارة عن منشأة حديثة للغاية، مع وجود عشرات من الفنيين يجلسون على شاشات الكمبيوتر لمراقبة "تويتر" باللغة العربية وغيره من منصات التواصل الاجتماعي.

وأوضح السعوديون أنهم يكافحون تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكذلك الجماعات الشيعية المدعومة من إيران. وأعطاني مدير المركز العديد من الكتيبات التوضيحية. ووصف أحدها كيف قام المركز بمراقبة أكثر من 1.2 مليون تغريدة وتعليق عن "الدولة الإسلامية" خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر/كانون الأول 2016، ومدى قدرة أدواته البرمجية على تمييز "الدعم العضوي لتنظيم الدولة بمعدلات عالية من الدقة". ووصف الكتيب الثاني أدوات برمجية متطورة لتحليل وتصوير شبكات التواصل الاجتماعي لمؤيدي كل من تنظيم "الدولة الإسلامية" والميليشيات الشيعية.

وكان العدو هو التطرف، كما أصر المسؤولون السعوديون، مرددين الرسالة التي نقلها "بن سلمان" إلى المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين.

وتفاخر كتيب بأن المركز  "يدمج تطوير البرمجيات بأحدث تقنيات التحليل الكمي والنوعي". ولم يفهم معظم المراقبين مدى سرعة تكيف هذه الأدوات لمحاربة الأصوات السعودية المعارضة مثل "خاشقجي".

وقد انخرط ولي العهد، الشاب وعديم الخبرة، في مغامرات محفوفة بالمخاطر، على الأرض وفي الفضاء السيبراني. ولمحاربة المتمردين "الحوثيين" المدعومين من إيران، غزا اليمن عام 2015؛ حيث بدء حملة مدمرة استمرت حتى يومنا هذا. وللتحقق مما اعتبره نفوذ "الإخوان المسلمون" في دولة قطر المجاورة، أطلق حربا سيبرانية ضد قطر، خاضها جزئيا بالبوتات الآلية وغيرها من أدوات التلاعب في وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول أحد كبار المسؤولين السابقين في الاستخبارات الأمريكية، والذي عمل على نطاق واسع مع ولي العهد: "يتناسب التحول السيبراني مع التحيزات الطبيعية للأمير. فهو يفضل استراتيجيات عالية المخاطر، ويقلل من خطر التبعات، ولا يفكر في العواقب الوخيمة". وربما كانت هذه القدرات السيبرانية المتقدمة لتصبح أقل خطورة إذا ما كانت تدار من قبل متخصصين في أجهزة الاستخبارات السعودية، لكنها بدلا من ذلك أصبحت أدوات سياسية في يد "بن سلمان" وحاشيته القوية، وعلى رأسهم "القحطاني".

محرك للهيمنة

وتسارعت حملة المملكة للهيمنة الرقمية عام 2017، وذلك لعدة أسباب؛ حيث شعر "بن سلمان" بالتهديد من المنافسين داخل العائلة المالكة، خاصة بعد تقارير غامضة عن محاولتي اغتيال العام السابق، وفقا لمصادر المخابرات الأمريكية. ورد "بن سلمان" بانقلاب داخلي، حيث أطاح بـ"محمد بن نايف"، ولي العهد آنذاك، في يونيو/حزيران 2017، ثم في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام اعتقل أكثر من 200 من الأمراء وغيرهم من السعوديين البارزين، واحتجزهم في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض حتى تعهدوا بالولاء ودفعوا ما يمكن وصفه بالفدية.

لكن انقلاب "بن سلمان" أثار حلقة مفرغة. وبالنسبة لكل خصم قام الديوان الملكي باعتقاله أو وضعه تحت المراقبة، حذر "القحطاني" وغيره من الحاشية من أنه قد يتحول لهدف محتمل للعمل مع المنافسين الإقليميين للمملكة، إيران وقطر.

وكان "القحطاني" قائدا ميدانيا عدوانيا في الفضاء السيبراني. وحث السعوديين على تقديم أسماء المشتبه في أنهم من أنصار قطر وغيرهم من المعارضين، عبر وضعهم في "قائمة سوداء". وقد دافع عن هذا الجهد في أغسطس/آب 2017، قائلا: "هل تعتقدون أنني أقدح من رأسي دون توجيه؟ أنا مجرد موظف ومنفذ لأوامر الملك وولي العهد".

وأصبحت الحملة الرقمية ضد قطر دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة. وكان السعوديون والإماراتيون يشعرون أنهم قد تأخروا عن حروب المعلومات، ولما يقرب من 10 أعوام، كانوا يشعرون بالغضب من قناة "الجزيرة" الفضائية، المدعومة من قطر، ودعمها للمعارضة العربية. والآن، كانوا يعوضون عن تلك الأعوام كلها، ومع تعمق الخلاف مع قطر، وجدت نسخة من رسائل البريد الإلكتروني المقرصنة والمسربة طريقها بشلك مجهول إلى المنافذ الإخبارية الأمريكية.

وقالت قطر إن الإمارات اخترقت وكالة الأنباء الرسمية الخاصة بها في شهر مايو/أيار 2017، ونشرت مقالات مزيفة. وبعد بضعة أشهر، تم تسريب رسائل البريد الإلكتروني التي تم اختراقها من حساب "يوسف العتيبة"، سفير الإمارات في واشنطن، إلى الصحفيين. وفي مايو/أيار، زعم رجل أعمال أمريكي كانت شركته تعمل لصالح الإمارات، في دعوى قضائية، بأن اتصالاته قد تم اختراقها من قبل ضباط مخابرات سابقين أمريكيين وبريطانيين استأجرتهم قطر.

وأصبح الفضاء الإعلامي الأمريكي المفتوح على مصراعيه منطقة لهذه المعركة العربية من أجل النفوذ. وكما كتبت في عمود في مايو/أيار 2018، "بالنسبة إلى المقاتلين في الشرق الأوسط، أصبحت الولايات المتحدة لبنان الجديدة، المكان الذي تذهب إليه الأمم الأخرى لممارسة حروبها القذرة".

صفقة مع الشيطان

ومع حلول عام 2018، كان مركز "القحطاني" للدراسات والإعلام يخوض حربا متعددة ضد الخصوم الحقيقيين والمتصورين، واستمر السعوديون في البحث عن أسلحة جديدة. وأظهرت "دارك ماتر" إمكاناتها في معرض القرصنة تحت عنوان "القبعة السوداء"، في لاس فيجاس أعوام 2016 و2017 و2018. ومن بين عروض "دارك ماتر"، كان نظام هاتف "كاتم"، الذي يمكنه محاربة المتسللين الآخرين عن طريق إيقاف الكاميرا والميكروفون والتسبب تلقائيا في التدمير الذاتي لبيانات الجهاز إذا تم اختراقه من قبل مستخدم غير مصرح به. 

وكان السعوديون يعرفون أن (إسرائيل)، عدوهم التاريخي، لديها أدوات الإنترنت الأكثر تطورا. ووفقا لمصادر أمريكية وأوروبية وسعودية، يتطلع السعوديون بشكل متزايد إلى شراء التكنولوجيا من شركات الإنترنت الإسرائيلية.

وكانت النتيجة واحدة من أكثر التحالفات الاستخباراتية إثارة في تاريخ الشرق الأوسط، حيث بدأت الشركات الإسرائيلية بمشاركة السعوديين بعض أسرارها الإلكترونية. وكانت حقا صفقة شيطانية؛ حيث حصلت (إسرائيل) على حليف سني عربي ضد إيران، وفرصة من خلال التعاون الإلكتروني لجمع المعلومات حول المملكة، وحصل "بن سلمان" في المقابل على أدوات جديدة لمحاربة أعدائه الداخليين.

ويقول 3 مسؤولين سابقين في الولايات المتحدة إن السعوديين سعوا على وجه التحديد إلى شراء نظام متطور للقرصنة الهاتفية يدعى "بيغاسوس"، تم إنشاؤه من قبل شركة تأسست في (إسرائيل) تحت اسم "NSO "Group Technologies.

وقد تم تلخيص قدرات نظام "بيغاسوس" المخيفة في تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، من قبل "سيتيزين لاب"، وهي مؤسسة أبحاث كندية على الإنترنت، والتي قالت: "بمجرد إصابة الهاتف، يكون لدى العميل إمكانية الوصول الكامل إلى الملفات الشخصية للضحية، مثل الدردشات ورسائل البريد الإلكتروني والصور. ويمكنه أيضا استخدام الميكروفونات والكاميرات الموجودة بالهاتف عرضا، والتنصت على أهدافه".

ولإجراء بعض معاملاته مع الشركة الإسرائيلية، يقول مصدران إن السعوديين عملوا جزئيا من خلال شركة تابعة لـ "NSO" تسمى "كيو سايبر تكنولوجيز"، ومقرها في لوكسمبورج. ويقدم موقع الشركة على الويب تفاصيل قليلة عن نشاطها التجاري، لكنه يعرض عبارة متفائلة حول خدمات الإنترنت: "نساعد في جعل العالم مكانا أكثر أمانا".

وأخبرني مصدران أن "كيو سايبر" تتعامل مباشرة مع السعوديين، ووعدت "كيو" بأنها تستطيع الوصول إلى أهداف في 6 من دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى العديد من أكبر الدول في أوروبا. وكان بعض الإسرائيليين يشعرون بالقلق من تقاسم هذه القدرات السرية مع دولة عربية قيادية، ولكن كما قال لي مسؤولان أمريكيان سابقان على دراية بالأمر فإن الشراء السعودي تمت الموافقة عليه من قبل الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف.

الذباب والنحل

وقد انزلق "خاشقجي"، كواحد من أشهر الصحفيين في المملكة، وأحد "المؤثرين" البارزين، إلى هذا الصراع. وبينما كرس "القحطاني" "جيشا من الذباب" لمحاربة قطر على "تويتر"، أراد أصدقاء "خاشقجي" خلق حضور إعلامي بديل.

وشجع "عمر عبدالعزيز"، وهو معارض سعودي شاب مقيم في كندا، "خاشقجي"، في يونيو/حزيران ويوليو/تموز من هذا العام، للمساعدة في تجنيد جيش منافس من "النحل الإلكتروني"، لتحييد الهجوم السعودي على شبكة الإنترنت، وذلك وفقا لدعوى قضائية تم رفعها في تل أبيب، الأحد الماضي.

ولم يدرك "خاشقجي" و"عبدالعزيز" أن السعوديين تمكنوا من التجسس على رسائلهم، وذلك بفضل أدوات مراقبة "بيغاسوس" الموردة من قبل (إسرائيل)، وفقا للدعوى القضائية. وتزعم الشكوى أنه تم إلقاء القبض على اثنين من إخوة "عبدالعزيز" في المملكة أواخر الصيف الماضي؛ وتزعم الدعوى أن أحد الإخوة المسجونين، الذي تعرض لضغوط من قبل مختطفيه، "توسل إلى عبدالعزيز لوقف عمله في الأنشطة السياسية التي كان ضالعا فيها". وقد منحت مراقبة "بيغاسوس" السعوديين معلومات "ساهمت بشكل كبير في قرار قتل خاشقجي"، كما تزعم الدعوى.

ولقد عارض متحدث باسم "NSO" الدعوى القضائية. وقال: "على الرغم من أننا لن نناقش ما إذا كانت حكومة معينة قد رخصت تقنيتنا، إلا أن هذه الدعوى لا أساس لها من الصحة. ولا يظهر أي دليل على استخدام تكنولوجيا الشركة، ويبدو أنها تأسست على مجموعة من التقارير والمقالات المزعومة التي تم إنشاؤها بهدف وحيد هو خلق عناوين الأخبار التي لا تعكس واقع عمل NSO". وأضاف: "نحن نتبع بروتوكولا صارما للغاية لترخيص منتجاتنا، التي يتم توفيرها فقط بعد إجراء فحص كامل بالإضافة إلى ترخيص من الحكومة الإسرائيلية".

وبالنسبة لـ"القحطاني"، كانت الحملة المناهضة التي أراد "خاشقجي" شنها شخصية. وأخبرني مسؤول سعودي أن "القحطاني" شعر بأنه خذل رئيسه، "بن سلمان"، من خلال السماح لـ"خاشقجي" بمغادرة المملكة عام 2017. وعندما هرب "خاشقجي" إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من ذلك العام، وبدأ بكتابة أعمدة لـ"واشنطن بوست"، التي كانت تنتقد السعودية، اعتبره "القحطاني"، عدوا متمردا في مجال المعلومات الذي يسعى إلى السيطرة عليه.

ومع شروع "خاشقجي" في نشر أعمدته في "واشنطن بوست"، ارتفع صوته في وسائل التواصل الاجتماعي. وحاول السعوديون أن يضغطوا عليه من خلال منع ابنه "صلاح" من السفر خارج المملكة، الأمر الذي أزعج "خاشقجي" بعمق، لكنه لم يخفف من كتابته أو استقلاله.

وفي شهر يوليو/تموز الماضي، وفقا لمسؤول أمريكي، أقنع "القحطاني" ولي العهد "بن سلمان" بأن "خاشقجي" يشكل تهديدا لمحاولات المملكة للسيطرة على المجال المعلوماتي، وأصدر ولي العهد قرارا في هذا الشهر يأمر فيه بإعادة الصحفي المعارض إلى المملكة، بالقوة إذا لزم الأمر. ولم يفهم المسؤولون الأمريكيون الرسالة حتى فوات الأوان.

وأصبح "خاشقجي" هدفا ضعيفا بعد أن زار القنصلية السعودية في إسطنبول في سبتمبر/أيلول، للحصول على أوراق لإتمام زواجه بخطيبته، وطلب منه العودة في الأسبوع التالي لاستكمال الأوراق. وفي هذه الأثناء، حسب مصدران سعوديان، ساهم "القحطاني" في جمع دائرة من رجال المخابرات والعسكريين الذين وثق بهم الديوان الملكي، وهو الفريق الذي تم إرساله إلى اسطنبول بقيادة "ماهر المطرب"، وهو عسكري كان مسؤولا عن أمن اتصالات "بن سلمان" عندما سافر إلى الخارج. 

وقد تمت إقالة "القحطاني" في أكتوبر/تشرين الأول من وظيفته في الديوان الملكي، وهو واحد من بين 17 سعوديا أدانتهم وزارة الخزانة الأمريكية لدورهم في قتل "خاشقجي". وقالت وزارة الخزانة في بيانها الذي أعلنت فيه العقوبات إن "القحطاني" كان "جزءا من تخطيط وتنفيذ العملية، التي نسقها ونفذها مطرب".

وكانت هذه قصة قتل مروعة، ولكن كما في أي حالة معقدة، نبحث عن أدلة حول كيف ولماذا حدث القتل. لقد كان دافع القاتل هنا السيطرة على المجال المعلوماتي.

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي حرب المعلومات الذباب الإلكتروني سعود القحطاني الأمن السيبراني

هاكرز يشتبه أنهم إيرانيون اخترقوا مؤسسات حكومية حساسة بالبحرين

السعودية تطلق أكاديمية للأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة