8 سنوات من الحرب.. الاقتصاد والثروات السورية مشتتة

السبت 5 يناير 2019 06:01 ص

تسبب طول أمد الحرب في سوريا إلى استنزاف اقتصاد البلاد، بسبب سيطرة كل طرف من أطراف النزاع المحلية والدولية على المصادر المتوفرة في منطقة نفوذه.

ومنذ السنة الأولى للحرب، كانت آبار النفط والغاز الواقعة في معظمها بالمناطق الشمالية الشرقية والشرقية والوسطى من البلاد، هدفا مباشرا لفصائل المعارضة، ومن ثم لتنظيمي "الدولة الإسلامية" و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا)، والقوات الكردية.

وبعدما كان النظام السوري المسيطر والمتحكم الوحيد بالثروات الباطنية والزراعية، تظهر الخريطة الاقتصادية للبلاد، مع دخول الحرب عامها الثامن، فقدانه السيطرة على الغالبية العظمى من آبار النفط والغاز ومناجم الفوسفات، وكذلك الثروات الزراعية من قمح وقطن وزيتون وغيرها لصالح فصائل مسلحة معارضة والأطراف الدولية الداعمة للنظام.

النفط

يقدر تقرير للطاقة العالمية احتياطات سوريا من النفط بمليارين ونصف المليار برميل، بينما تؤكد تقارير صحفية توقف إنتاج النظام من النفط الخفيف منذ النصف الثاني لعام 2012، فيما توقّف إنتاج النفط الثقيل اعتبارا من الشهر الثالث من عام 2013.

وفي حين كان إنتاج النظام من النفط في فترة ما قبل الحرب نحو 385 ألف برميل يوميا، ذكر وزير النفط والثروة المعدنية "علي غانم" في حكومة النظام السوري، أن إنتاج النفط بلغ 20 ألف برميل يوميا، علما بأن تقرير الطاقة العالمية، ذكر أن استهلاك سوريا من النفط قبل الحرب كان بين 240 و250 ألف برميل يوميا.

وأكد مصدر قيادي في "قوات سوريا الديمقراطية" التي تسيطر على مناطق في شمال وشمال شرقي البلاد تُقدّر مساحتها بنحو 30% من مساحة سوريا الإجمالية، أن القوات تسيطر على نحو 1000 بئر، منها ما بحالة جيدة وتجرى بسهولة عملية الإنتاج منها، ومنها ما هو متوقف، وأخرى يصعب الإنتاج منها بسبب عدم توفر آليات متطورة، وفقا لـ"الشرق الأوسط".

وأوضح أن عملية الإنتاج تشرف عليها الإدارة الذاتية الكردية التي تعتبر "وحدات حماية الشعب" ذراعها العسكرية، حيث تشكل الأخيرة المكون الأبرز في "قوات سوريا الديمقراطية"، إضافة إلى مشاركة القطاع الخاص بعملية الإنتاج، بناء على رخصة رسمية من "الإدارة الذاتية".

الغاز

رغم إعلان النظام استعادة السيطرة على كثير من حقول الغاز في المنطقة الوسطى، بعد طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من المنطقة، فإن أكبر الحقول هو حقل "كونوكو" في ريف دير الزور الشرقي، ويقع ضمن مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، ويقدر إنتاجه بنحو 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا.

وبينما تشير بيانات لـ"وزارة النفط والثروة المعدنية" التابعة للنظام، نشرت منتصف 2017 أن "إنتاج سوريا من الغاز الطبيعي قبل الحرب كان نحو 21 مليون متر مكعب يوميا، وأصبح حاليا (2017) غير قادر سوى على إنتاج 8.7 ملايين متر مكعب".

وبحسب تقارير صحفية محلية، بلغ استهلاك سوريا اليومي من الغاز المنزلي قبل الحرب ما بين 3 آلاف و3500 طن، على حين وصل إجمالي الاستهلاك السنوي إلى 900 ألف طن استوردت سوريا منها 500 ألف طن، بعد توفير 400 ألف طن من المصادر المحلية.

وعلى حين كان سعر أسطوانة الغاز المنزلي سعة 9 كلغ قبل الحرب 250 ليرة، يبلغ اليوم 2700 ليرة ويصل خلال الأزمات إلى أكثر من 7500 ليرة.

الفوسفات

يقدر الاحتياطي الموثوق للفوسفات في سوريا بملياري طن، إلا أن كميات الإنتاج حتى سنوات ما قبل الحرب لم تتجاوز 3.5 مليون طن سنويا، ويتوزع في السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم)، ومنطقة الحماد (الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري)، والمنطقة الساحلية (عين ليلون وعين التينة وقلعة المهالبة وحمام القراحلة).

وتصدر الفوسفات قائمة الموارد التي يُمكن أن تشكِّل تعويضا لحليفي النظام (روسيا وإيران) عن تكاليف دعمهما له، وعزز التنافس بينهما للاستحواذ على احتياطياته، بحسب دراسة صدرت أخيرا.

وبعد تناوب تنظيم "الدولة الإسلامية" من جهة، والنظام وحلفائه من ميليشيات أجنبية لبنانية وعراقية يُشرف عليها ضباط في "الحرس الثوري" الإيراني، منذ مايو/أيار 2015، على السيطرة على مدينة تدمر ومناجم الفوسفات في خنيفيس والشرقية، انتهى الأمر بسيطرة النظام وحلفائه بعد التدخل الروسي في مايو/أيار 2017، على المدينة ومناجم الفوسفات التي حولها.

وشكلت تلك السيطرة مقدمة لتسليم إيران تلك المناجم تبعا للاتفاق الذي عقده رئيس الحكومة "عماد خميس"، خلال زيارته طهران في مطلع عام 2017، القاضي بتسديد الديون الإيرانية الناجمة عن خطوط الائتمان الأربعة التي منحتها إيران للنظام، والتي تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار، عبر منح إيران جملة مشروعات وعلى رأسها استثمار الفوسفات السوري في منطقة خنيفيس، بعد تأسيس شركة مشتركة لهذا الغرض.

وبحسب مصادر مطلعة على النشاط الاستثماري الروسي في سوريا، فإن "روسيا بدأت بالفعل أخيرا باستثمار مناجم الفوسفات في سوريا لمصلحتها حصريا".

زيت الزيتون

كانت سوريا قبل الحرب تحتل المرتبة الأولى عربيا والثالثة عالميا بإنتاج الزيتون وزيت الزيتون، وفقا لأرقام صندوق النقد الدولي، حيث قُدّر عدد أشجار الزيتون في سوريا بنحو 100 مليون شجرة، ومتوسط الإنتاج 1.2 مليون طن، تراجع الإنتاج تدريجيا إلى مستويات قياسية مع استمرار الحرب وسط تصريحات رسمية بانخفاضه بنسبة 300%.

وتتركز زراعة الزيتون في محافظة إدلب شمال غربي البلاد التي تسيطر على جزء كبير منها "هيئة تحرير الشام" بينما تسيطر فصائل مسلحة وإسلامية موالية لتركيا على أجزاء أخرى، وكذلك في محافظة حلب حيث تتقاسم السيطرة في شمالها "قوات سوريا الديمقراطية" وفصائل مسلحة موالية لتركيا.

وبحسب مصادر أهلية تنحدر من إدلب تعيش في ريف دمشق، فإن سعر "صفيحة" زيت الزيتون (16 كلغ) في إدلب يصل اليوم إلى 20 ألف ليرة، ويكلف نقلها إلى دمشق 5 آلاف ليرة، بينما يصل سعرها في العاصمة إلى نحو 35 ألف ليرة.

وتكشف المصادر أن بعض أهالي إدلب الذين يعيشون في العاصمة يقدمون على جلب محصولهم بعد أن تم جنيه وإنتاجه من قبل أقارب لهم هناك، على حين يفضل آخرون بيعه تفاديا لمشقة جلبه.

وفي أواخر الشهر الماضي، ذكرت صحيفة "الوطن" الموالية لدمشق، أن السلطات التركية سهّلت على الفصائل المسلحة الموالية لها في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي عمليات تهريب زيت الزيتون إلى داخل الأراضي التركية، وبسعر لا يتجاوز 10 آلاف ليرة سوريا لـ"الصفيحة" الواحدة، التي يصل سعرها في الأسواق المحلية إلى نحو 25 ألف ليرة.

القمح والقطن

كانت سوريا قبل 2011 تنتج أربعة ملايين طن من القمح في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، قدر تقرير أممي، إنتاج القمح في سوريا لهذا العام بنحو 1.2 مليون طن، وهو أدنى مستوى منذ 29 عاما.

وكانت محافظات الجزيرة (الحسكة، ودير الزور، والرقة) التي تسيطر على معظمها "قوات سوريا الديمقراطية"، إضافة إلى حلب، تشكل الخزّان الاستراتيجي للقمح لأكثر من 23 مليون سوري.

ووفق بيانات وزارة الزراعة التابعة للنظام، فإن الرقة التي كانت الثالثة في إنتاج القمح، بعد الحسكة وحلب، تعرضت لتراجع كبير في زراعته، حتى في الأراضي المعتمدة على قنوات الري، بسبب غلاء الوقود اللازم لتشغيل المحركات والارتفاع المرعب في أسعار الأسمدة.

وتراجعت المساحة المزروعة بالقمح في المحافظة من 161 ألفا و303 هكتارات في 2011، وبكمية إنتاج بلغت 607 آلاف طن، إلى 376 ألف طن في 2014، متأتية من مساحة 186 ألف هكتار، وفق أرقام المجموعة الإحصائية.

وبحسب ما نقلت تقارير عن مصدر من حكومة النظام، فإن الحكومة ستشتري كل القمح الذي سيقدم لها عبر مراكز الشراء والتجميع، وستكون الكمية التي سيتم شراؤها أقل من كمية الإنتاج لهذا العام.

وبينما يقوم عدد من المزارعين في المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" ببيع محاصيل القمح لـ"الإدارة الذاتية"، يقوم مزارعون في مناطق الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا ببيع القمح لمراكز تابعة للحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا.

وتحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ما بين مليون ومليون ونصف طن سنويا لسد احتياجاتها من مادة الطحين، ولذلك ستقوم "المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب" التابعة للنظام بطرح مناقصات عالمية للشراء.

وأعلنت الأمم المتحدة أخيرا أن هناك 13 مليون شخص من السكان في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

وخلال فترة سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على محافظة الرقة، تضررت بنية الري، وتراجع الإنتاج والمساحات المزروعة بالقطن.

ويوضح المصدر القيادي في "قوات سوريا الديمقراطية"، أن المساحات التي زُرِعت بالقطن في مناطق سيطرة القوات هذا العام لا تساوي نسبة 25% من المساحة في فترة ما قبل الحرب، بسبب جفاف نهر الخابور وقلة الهطولات المطرية وندرة الأسمدة اللازمة".

ووفق أرقام المجموعة الإحصائية الزراعية الصادرة عن "وزارة الزراعة" التابعة للنظام، فإن المساحة المزروعة بالقطن في الرقة تراجعت من نحو 50 ألف هكتار أنتجت 187.5 ألف طن في 2011، إلى 20 ألف هكتار أنتجت 50 ألف طن قطن في 2014، وقد بلغ، في عام 2011، إجمالي المساحة المزروعة بالقطن في جميع الأراضي السورية 175 ألف هكتار ووصل الإنتاج إلى 672 ألف طن، وفقا لأرقام المجموعة.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

سوريا الاقتصاد السوري القمح الفوسفات زيت الزيتون