تركيا والأسد والأكراد.. اشتباك مفتوح يحدد مصير خارطة سوريا

الثلاثاء 15 يناير 2019 10:01 ص

ماذا تعني المفاوضات الدائرة بين نظام "بشار الأسد" وبين وحدات حماية الشعب الكردية بالنسبة لفصول الحرب الدائرة في سوريا؟ ولماذا يرى الأكراد تركيا تهديدا لهم؟ وهل يقبلون بدولة جديد تحت حكم رئيس النظام الحالي؟

هذه الأسئلة باتت في صدارة حديث مراقبي الشأن السوري خلال الأيام الماضية مع تصاعد التعزيزات العسكرية التركية باتجاه الشمال السوري، وتهديد أنقرة بعملية عسكرية في مدينة منبج إذا لم يتم إجلاء المقاتلين الأكراد منها، مقابل تهديد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لتركيا بكارثة اقتصادية في حال أقدمت على إيذاء مقاتلي وحدات حماية الشعب، الذين تعتبرهم أنقرة فرعا لحزب العمال الكردستاني (تصنفه أمريكا وتركيا كتنظيم إرهابي) بينما تراهم واشنطن أهم حليف محلي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

فمستقبل المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال وشرق سوريا بات مجهولا بسبب مفاجأة قرار "ترامب" بسحب القوات الأمريكية، دون تشاور حتى مع مستشاريه، ما دفع وزير الدفاع الأمريكي السابق "جيمس ماتيس" للاستقالة.

تبلغ مساحة هذه المنطقة حوالي ربع مساحة سوريا، وهي أكبر منطقة لا تزال خارج سيطرة نظام "الأسد" المدعوم من روسيا وإيران، ويخشى قادة التنظيمات الكردية المسلحة (لاسيما وحدات حماية الشعب) من أن تستغل تركيا فرصة الانسحاب وتشن هجوما عليهم.

ولذا تواصل قادة الأكراد مع موسكو ودمشق على أمل التوصل لاتفاق لحماية المنطقة فضلا عن حماية مكاسبهم السياسية، التي تتلخص في ضمان حكم لا مركزي لسوريا، بما يمكنهم من إدارة مناطقهم ذاتيا.

لكن هذه المناطق تقع قرب الحدود مع تركيا، التي ترى في ترسيخ أي وجود لسيطرة المقاتلين الأكراد على حدودها تهديد لأمنها القومي.

الاتحاد الديمقراطي

وتتبع وحدات حماية الشعب حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الحزب الكردي الرئيسي في سوريا، وتمكنت من اكتساب موطئ قدم بالشمال في بداية الحرب بعد انسحاب القوات الحكومية لإخماد الثورة ضد "الأسد" في أماكن أخرى.

قامت الوحدات بتأمين المنطقة كبديل عن قوات النظام، وتركزت سيطرتها في بداية الصراع الداخلي على 3 مناطق يغلب عليها السكان الأكراد (نحو مليوني نسمة).

وتوسعت منطقة نفوذ الوحدات الكردية بعد انضمامها للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" لتصبح بعد ذلك المكون الرئيسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" متعددة العرقيات (قسد).

وامتد نفوذ "قوات سوريا الديمقراطية" إلى منبج والرقة بعد هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" هناك، ووصلت "قوات سوريا الديمقراطية" أيضا إلى عمق دير الزور حيث ما زالت تقاتل التنظيم.

وتقول القوات، التي تضم أيضا عربا وجماعات أخرى إن قوامها يربو على 70 ألف مقاتل، فيما يؤكد قادة الأكراد أن هدفهم هو الحكم الذاتي في "سوريا لا مركزية"، وليس الاستقلال.

أب روحي

ويمثل الزعيم الكردي "عبدالله أوغلان" الأب الروحي لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمردا منذ 34 عاما في تركيا، ويقبع في أحد سجونها منذ عام 1999، الأمر الذي لا تخفيه الجماعات الكردية الرئيسية في سوريا، إذ نظمت انتخابات لإنشاء نظام سياسي قائم على أفكاره.

ولذا تقول تركيا إن وحدات حماية الشعب ليست سوى فرع لحزب العمال الكردستاني، الذي تدرجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على قائمة المنظمات الإرهابية.

ولدى تركيا أقلية كردية تمثل ما بين 15 إلى 20% من سكانها ويعيش أغلبيتهم في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية المحاذية لسوريا، وتشعر تركيا بالقلق من انتشار النزعة الانفصالية فيما بينهم، ولذا تعتبر وجود "حزب الاتحاد الديمقراطي" في سوريا على حدودها تهديدا لأمنها القومي.

وشنت تركيا بالفعل عمليتين عسكريتين عبر الحدود في شمال سوريا في إطار جهودها لمواجهة وحدات حماية الشعب الكردية.

حكم ذاتي

ورغم ان الدولة البعثية السورية اضطهدت الأكراد بشكل منهجي قبل الحرب، إلا أن الطرفين لم يصطدما خلال الصراع سوى في اشتباكات عرضية، بل تعاونا ضد أعداء مشتركين كتنظيم "الدولة الإسلامية"، لا سيما في حلب وحولها.

وسمحت وحدات حماية الشعب لقوات "الأسد" بأن تحتفظ بموطئ قدم في مناطقها، وهو ما يمثل ترجمة عملية لتصريح قائد وحدات حماية الشعب في 2017 بأنه "لن يكون هناك مشكلة مع حكومة (الأسد) إذا كانت الحقوق الكردية مضمونة"، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".

لكن دمشق تعارض مطالبة الأكراد بالحكم الذاتي، ولم تحرز المحادثات بين الجانبين العام الماضي أي تقدم، كما لم تعلن عن موافقتها على مبدأ الحكم غير المركزي في مفاوضاتها الأخيرة مع القيادات الكردية.

وفي هذا الإطار، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول كردي كبير أن السلطات التي يقودها الأكراد قدمت خارطة طريق للتوصل إلى اتفاق مع "الأسد" في الاجتماعات الأخيرة في روسيا وإنها في انتظار الرد.

فيما أبدى وزير في حكومة النظام السوري تفاؤلا الأسبوع الماضي بشأن الحوار مع الأطراف الكردية مؤكدا أن "الظروف مواتية لهم للعودة إلى الدولة" حسب قوله.

خارطة سوريا

وفي حال وصول نظام "الأسد" إلى اتفاق مع قيادات الأكراد فإن إعادة توحيد الخارطة السورية سيكون قاب قوسين أو أدنى، إذ تمثل الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام والسلطات التي يقودها الأكراد معظم أراضي سوريا.

 لكن ذلك لن يمثل نهاية الحرب بالضرورة في ظل استمرار وجود جيوب لتنظيم "الدولة الإسلامية"، إضافة إلى وجود موطئ قدم لمسلحي المعارضة المناهضين لـ "الأسد" يمتد في الشمال الغربي من إدلب إلى عفرين وحتى جرابلس، رغم هزيمتهم في معظم أنحاء سوريا على أيدي قوات النظام وحلفائها.

 ولدى تركيا قوات على الأرض في هذه المنطقة، إضافة إلى قوات مسلحي المعارضة التي تضم جماعات تابعة للجيش السوري الحر (المدعوم من أنقرة) علاوة على الجهاديين، وهي جماعات يشتد العداء بينها وبين قوات حماية الشعب الكردية.

وفيما تتمثل أولوية الوحدات الكردية في استعادة عفرين من مسلحي المعارضة، الذين انتزعوا السيطرة عليها في هجوم مدعوم من تركيا العام الماضي، يدعم "الأسد" خروجهم من المدينة باعتبارهم امتداد لنفوذ تركيا من جانب، وباعتبار ذلك جزءا من استراتيجيته لاستعادة كل شبر من أراضي دولته القديمة، من جانب آخر.

المصدر | الخليج الجديد + رويترز

  كلمات مفتاحية

الأكراد سوريا دونالد ترامب روسيا إيران موسكو تنظيم الدولة إدلب تركيا عفرين وحدات حماية الشعب عبدالله أوغلان قوات سوريا الديمقراطية

بالفيديو.. جنود الأسد يرفعون أعلام النظام أمام نقطة للمراقبة التركية