«فورين أفيرز»: لهذه الأسباب .. «السيسى» أخطر مما تظن واشنطن

الأحد 3 مايو 2015 06:05 ص

قالت مجلة «فورين أفيرز» في العدد الأخير الصادر بتاريخ 30 أبريل/نيسان الماضي أن «السيسي» يتبع سياسات جعلت القاهرة «مجنونة»، وأن واشنطن التي تصمت على ممارسات «السيسي» بدعوي التفرقة بين السياسة الداخلية والخارجية قد «تم إغواؤها من قبل هذا الرجل القوى».

وقال الكاتب «جيف مارتيني»، محلل شؤون الشرق الأوسط في مجموعة «راند»، إن القاهرة أصبحت «مدينة مجنونة»، في قراراتها فهي هجرت الاف السيناويين وأقامت منطقة عازلة بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، وجرمت من يثبت انتماؤه للإخوان المسلمين، وتستخدم «القوة المفرطة» ضد من يخرق قانون التظاهر، وأن استراتيجية «السيسي» للأمن تعتمد بشكل كبير على إطلاق النار من الخراطيش والجرافات وعلى قضاة «مطواعين بيد الحكومة».

وانتقد الكاتب تحت عنوان: «لماذا قد يصبح السيسي أخطر مما تعتقد الولايات المتحدة؟» سياسات الرئيس «عبد الفتاح السيسى»، مؤكدا أنه «أكثر خطورة مما تعتقد واشنطن»، ووصف «مارتينى»، سياسات القاهرة في الفترة الأخيرة، بـ«غير المتزنة»، وأبدى معارضته لفكرة ترك السياسة الداخلية للقاهرة كشأن خاص بها، استنادا إلى أن هذه السياسات «لا تمس مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية»، موضحا أن قرار واشنطن أخيرا باستئناف الدعم العسكري لمصر يعكس ذلك التوجه لدى البيت الأبيض، والذي يري أنه خاطئ.

فبحسب «مارتينى» فإن «السياسة الداخلية والخارجية للقاهرة أصبحتا متشابكتين»، ومعارضة النظام المصري للإسلاميين قد امتدت للخارج حتى شملت ليبيا، التي قال إن التدخل المصري فيها زاد من الاستقطاب بين الأطراف المتصارعة، الأمر الذى صعب جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة.

فالتصعيد الذي تم عقب ذبح 21 مواطنا مصريا في ليبيا، في فبراير/شباط الماضي، إضافة إلى رغبة القاهرة في منع وصول حكومة إسلامية هناك، «من شأنه أن يغرى مصر للخوض في مزيد من الدعم للقوات المناهضة للإسلاميين هناك»، وخطورة ذلك هو «دفع غير المتطرفين للاشتراك مع المتطرفين في قتال عدو مشترك»، بحسب قوله.

وقال إن الحكومة المصرية «صارت منفذة لسياسات دول الخليج»، وأنها «تلعب بالنار»، لأن تدخلها في اليمن خطر سواء على المستوى الإقليمي أو حتى على المستوى المحلى، مشيرا إلى المخاوف من سعى مصر لتنظيم قوة عربية مشتركة.

«مارتيني» قال في تحليله أن «دعاة الواقعية في السياسة الخارجية يحلو لهم القول إن مشاكل مصر خاصة بها ولا تغير بالضرورة المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وأن قرار إدارة الرئيس باراك أوباما الإفراج عن الدعم العسكري للجيش المصري الذي علق بعد الانقلاب من دون انتظار تحسن ملف حقوق الإنسان في مصر هو تعبير عن هذه القراءة».

وعاب على هؤلاء أنه: «لا يمكن عزل السياسة المحلية عن الخارجية، خاصة وأن السياسات المحلية والخارجية في مصر باتت متشابكة وتداعيات كل هذا يجب أن يثير القلق. ويرى الكاتب أن مدخل النظام المصري للأمن الداخلي فشل في التفريق، وأحيانا بقصد كما يقول البعض، بين المتطرفين والمعارضة السياسية».

وأشار هنا إلى ما قاله وزير الخارجية المصري «سامح شكري» من أن الفرق بين الإخوان المسلمين وتنظيم «الدولة الإسلامية» ليس كبيرا.

وأضاف أن: «الحماس الذي يزرعه النظام في محاربته للإسلاميين يمكن ترجمته لينعكس على مجال السياسة الخارجية».

عقيلة التطهير والاجتثاث

وقال «مارتيني» أنه في الأيام الأولى التي تلت الإطاحة بـ«مرسي» سيطرت «عقلية التطهير»، وقادت لعزل مسؤولين حكوميين نظر إليهم كمتعاطفين مع الإخوان، والوزارة الوحيدة التي نجت من الملاحقة هي وزارة الخارجية التي لم يخترقها الإخوان مقارنة مع الملاحقة والتطهير الذي طال الوزارات الأخرى.

ومع ذلك استمر السلك الدبلوماسي في اجتياز فحص الولاء والدفاع عن إفراط النظام في ملاحقة وقمع الإخوان المسلمين، وأصبح على السفراء أن يتحدثوا ويقارنوا الإخوان المسلمين بالنازية وفي الوقت نفسه يبررون قتل النظام للمتظاهرين ويقارنوه بالإجراءات التي تقوم بها الدول الغربية ضد الاحتجاجات.

وقال إن من عارضوا صعود الإخوان المسلمين في مرحلة ما بعد الثورة عام 2011 حذروا مما أطلقوا عليه «أخونة» الدولة، وأن المعارضين للإخوان شعروا أن إطلاق رجال الأمن لحاهم وإصدار البنوك صكوكا إسلامية دليل على سيطرة الإسلاميين على السلطة، وبعد الإطاحة بالإخوان وتصنيفهم كجماعة إرهابية بدأت الحكومة حملة «لاجتثاث الإخوان»، وهي حملة امتدت وطالت السياسة الخارجية.

وقال الكاتب أن اجتثاث الإخوان في السياسة الخارجية «ذهب أبعد من وزارة الخارجية إلى منابر المساجد التي تستخدم لشيطنة الإخوان»، خاصة وأن نظام «السيسي» يقدم نفسه على أنه رأس الحربة في مواجهة الإسلاميين، فهو يقوم باللعب على مظاهر القلق الحقيقية من المتطرفين التي تواجه المنطقة كمبرر لضرب كل الإسلاميين من كل الألوان.

تصدير النموذج المصري لليبيا

ولبيان صحة تحليله بضرورة عدم الفصل بين سياسة مصر الداخلية والخارجية في النظرة الأمريكية، قال إن مصر أصبحت من أكثر الدول الناشطة في تصدير نموذجها إلى ليبيا حيث تدعم القاهرة وأبو ظبي الشخصية المثيرة للانقسام «خليفة حفتر».

فالتدخل العسكري المصري، بالإضافة للدور الناشط الذي تقوم به مصر لرفع حظر تصدير الأسلحة لليبيا، «أدى إلى تنامي حالة استقطاب بين المتنافسين على الساحة الليبية وعقد من مهمة المبعوث الدولي برناردينو ليون، وقاومت مصر الرغبة في إرسال قوات برية للمشاركة في الحرب الليبية رغم تزايد الضغوط عليها بعد قيام تنظيم الدولة الإسلامية بذبح 21 قبطيا مصريا في فبراير 2015، واكتفت بشن غارات جوية وقامت بعمليات إجلاء واسعة للعمال المصريين في ليبيا، لكن هناك مخاطر من تورط مصر الراغبة في ملاحقة الإسلاميين القريبين من حدودها أكثر».

وقال إن جهود مصر في ليبيا القائمة على ضرب التحالف الإسلامي الذي يقوده الإخوان في طرابلس أصبحت مكلفة، و«السيسي» لديه «هوس» يري أن الإخوان وراء كل ما يجري في العالم، ولذلك فهو «يدفع باتجاه التحالف بين الجماعات غير المتطرفة والمتطرفة لمواجهة العدو المشترك».

 سياسة مصر في الخليج

وضرب «مارتيني» مثالا آخر علي تأثر سياسة مصر الخارجية بسياسات الداخلية القائمة على تطهير الدولة من الاخوان بما يجري في الخليج، حيث يري أن تحولات السياسة الخارجية المصرية راجع لاعتماد «السيسي» الكبير على دعم دول الخليج، وهو دعم كما يقول المسؤولون المصريون ليس مجانيا، و«هذه أول مرة تضع مصر سياستها الخارجية في المزاد».

فبحسب وزارة المالية المصرية، فقد قدمت السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت مبلغ 10.6 مليار دولار للميزانية المصرية في الفترة ما بين 2013-2014. وجاءت المعونات على شكل منح نفطية بنسبة 70%، أما الباقي 30% فقد جاء على شكل معونات مالية مباشرة.

وهذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار الالتزامات التي تعهدت بها هذه الدول في أثناء قمة شرم الشيخ الاقتصادية (6 مليارات) إضافة للودائع التي وضعتها دول مجلس التعاون الخليجي في البنوك المصرية من أجل دعم السيولة المالية أو الاستثمار الأجنبي المباشر الهادف لضخ حياة في الاقتصاد المصري.

وهذا أيضا بخلاف الاستثمار الخليجي المباشر الذي تم تقديمه عبر مؤسسة الجيش مما يقويها ويجعلها دولة في داخل الدولة.

ويرى الكاتب أن ما يثير القلق هو «تحول مصر للاعتماد على الدعم الآتي من دول الخليج، مما سيحول مصر بالتبعية إلى قوة مساعدة للملكيات الخليجية المحافظة»، ويقول إن مشاركة مصر في التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن هو واحد من الأمثلة عن هذه المخاطر، وأنه ظهر رضوخ مصر لرعاتها عندما أعلن «السيسي» عن استعداده لإرسال قوات برية إلى اليمن.

ويحذر من أن مصر يمكن أن تتحول إلى قوة لقمع الانتفاضات في دول الخليج، قائلا: «إن مصر تلعب بالنار، فالحملات مثل اليمن لديها قابلية للتحول إلى حروب بالوكالة تتنافس فيها الدولة المعنية، في هذه الحالة السعودية وإيران، بزيادة مشاركتها في الحرب، كما إن العملية أثارت مخاوف مصر، فلم ينس الرأي العام المصري الحرب المكلفة التي خاضها الجيش المصري في اليمن قبل نصف قرن».

القوة العربية لصناعة «الاسطورة»

ويضرب الكاتب مثالا ثالثا على إمكانية تضرر أمريكا من سياسة مصر الخارجية بفعل سياستها الداخلية، بالقوة العربية المشتركة لتي دعت لها مصر أمام القمة العربية في مارس/أذار 2015، ويتوقع أن تقدم مصر الجزء الأكبر من القوات كون جيشها الأضخم عربيا، في حالة تم تشكيل القوة.

وفي تحليله للحماس الذي أبداه «السيسي» لهذه القوة، يرى «مارتيني» أن هناك زاوية محلية لكل هذا، فـ«السيسي» يرى أن مؤسسة الجيش هي الوحيدة القادرة على توحيد وحماية وتحديث مصر (وهذا الكلام تقوضه الحالة الأمنية في مصر كما يقول) لكنه يبحث عن فرص أخرى لهيمنة الجيش كقوة تقدم الأمن والسلطة والهيبة.

ويعتقد الكاتب أن مقترح القوة العربية المشتركة هو جزء من صناعة الأسطورة وتأكيد موقع مصر بين الأمم كما في أحاديث «السيسي».

غموض الاستراتيجية الامريكية

ويلخص الكاتب من هذا للقول إن «المسؤولين الأمريكيين ولسوء الحظ لا يملكون استراتيجية واضحة تجاه مصر»، فمن ينتقدون سياسة الإدارة تجاه مصر باعتبارها تخليا عن المبادئ من أجل تحقيق مصالح ضيقة يتجاهلون في الوقت نفسه مقولة «ملعون إن فعلت وملعون إن لم تفعل».

ويضيف: «عندما تحركت الإدارة، وإن متأخرا، لتعليق المساعدات بعد الإطاحة بمرسي، قابلت الحكومة في مصر القرار بالتحدي، ولم يحدث أي تحول على سجل حقوق الإنسان ولا الممارسة الديمقراطية. ولم يتغير الوضع عندما استأنفت الإدارة المساعدات».

وقال: «إن المسؤولين الأمريكيين يخدعون أنفسهم إن اعتقدوا بحدوث تغير في تصرفات النظام من خلال تقديم المساعدات على مراحل وربطها بمجموعة من المهام العسكرية الضيقة»، قائلا: «أي تعديل لطريقة تقديم رزمة المساعدات لن يغير من واقع الأمر شيئا».

وشدد على أن «الولايات المتحدة تتعامل مع شريك غير متوازن عقليا ومعه كل المشاكل التي تثيرها الشراكة معه في الداخل والخارج، ولمواجهة المعضلة هناك حاجة للاعتراف بأن الحفاظ على التحالف المصري الأمريكي ليس نهاية الأمر في حد ذاته»، داعيا للنظر «لمدى منفعة هذه العلاقات للمصالح الأمريكية».

 

  كلمات مفتاحية

السيسي السعودية ليبيا الولايات المتحدة مصر الانقلاب العسكري الإخوان المسلمون

«إيكونوميست»: قمع «السيسي» أسوأ من «مبارك»

«السيسي» يحذر الغرب من فوضى إقليمية عارمة بعودة «الإخوان» للحكم

واشنطن بوست: «السيسي» أكثر وحشية من الديكتاتور التشيلي «بينوشيه»

«المونيتور»: هجمات «ولاية سيناء» تزداد شراسة .. وتدابير الجيش تفقده الظهير الشعبي

السيسي يحذر من التدخل الخارجي في ليبيا ويؤكد: لن نتهاون في أمننا القومي

«فورين آفيرز»: نظام السيسي «مستقر بتحالف المصالح» ومصيره الفشل