استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

رفض التعددية يؤسس لتقسيم الأمة

الأربعاء 6 مايو 2015 03:05 ص

القرار الأمريكي الذي صدر الأسبوع الماضي بتسليح الاكراد والسنة في العراق أعاد فتح ملف تقسيم البلدان العربية والإسلامية الكبرى، وكشف الستار عن إصرار الغربيين على تنفيذ ذلك المشروع بأي ثمن.

هذا التقسيم أصبح، في بعض الحالات، أمرا متوقعا ساهمت الصراعات الداخلية في تسهيله وجعلت حدوثه أمرا مقبولا لدى المجموعات التي وضعت الأسس لذلك بايديولوجياتها وممارساتها في السنوات الاخيرة. هذه المرة أصبح التفتيت والتقسيم استجابة لنوازع هذه المجموعات، بعد أن تم تطويع قطاعات واسعة منها لمسايرة شعارات يروجها أعداء مشروع التغيير، بوعي أو بدونه. فمن يرفع شعار التكفير والاقصاء إنما يهيىء الأرضية للتقسيم، ويعلن للعالم أنه لا يريد التعايش مع المختلفين معه عرقيا او دينيا او مذهبيا. 

وقد انساق علماء ومفكرون وكتاب وزعماء وراء الدعاوى الجاهلية التي هيمنت على العقول والقلوب، خصوصا في اوساط النخب المثقفة ذات التأثير. التفتيت هذه المرة يتم بموافقة ضمنية، بل بتشجيع من تلك النخب، بعكس ما حدث في عشرينات القرن الماضي.

آنذاك جاء التفتيت بفعل الدول الاستعمارية التي تقاسمت في ما بينها تركية الدولة العثمانية التي اشتهرت بلقت «رجل اوروبا العجوز» وفقا لاتفاقية «سايكس ـ بيكو» وهما وزيرا خارجية كل من بريطانيا وفرنسا اللذان وقعا عليها في 1916. كان رد فعل علماء الامة ورموزها ومفكريها مائة عام من استنكار ذلك التقسيم، واتهام الغربيين به. وبرغم ما يقال عن وعي الامة وصحوتها، فقد تراجعت اوضاعها إلى درجة غير مسبوقة، فاستسلمت لحدوث المزيد من التقسيم والتفتيت.

واذا كان رموز الصحوة الإسلامية قد اشتكوا كثيرا من حلول الدولة القطرية محل الكيان الذي يمثل الامة، واعتبروا ذلك تقزيما لا يليق بالمسلمين الذين يشكلون خمس سكان الارض على الاقل، فانهم اليوم صامتون، بل ربما شركاء في مشروع ما اطلقوا عليه كثيرا «تقسيم المقسم، وتجزيء المجزأ».

ولو استعرضت أسماء الزعماء والمفكرين والكتاب الذين يشاركون بوعي او استسلام أو سذاجة في دعم مشاريع غيرهم الهادفة للتقسيم لحدثت صدمة كبيرة، لأن الكثير من تلك الأسماء لمعت كرائدة للتغييرفي منذ انطلاق حقبة الصحوة الإسلامية في السبعينات.

كان السودان البلد الاول الذي تعرض للتقسيم، فقد انفصل الجنوبيون عن الشمال، وقسمت ارض السودان إلى بلدين، شمالي يقطنه المسلمون، وجنوبي للمسيحيين واللادينيين وبعض المسلمين. حدث تقسيم السودان نتيجة خطط غربية وفساد سياسي ادى إلى تهميش دور الاقاليم في السلطة المركزية. وتؤكد الانتخابات الاخيرة التي فاز الرئيس عمر البشير باكثر من 94 بالمائة جانبا من حقيقة الوضع السوداني الذي قد يشهد المزيد من التقسيم في ظل حكم رئيس عسكري متشبث بمنصبه منذ ان قام بانقلاب على السلطة المنتخبة قبل 26 عاما. ويواجه السودان خطرا بتقسيم آخر يطالب به اهل دارفور الذين يشتكون من التهميش السياسي والأهمال الاقتصادي.

مشروع تقسيم البلدان العربية والإسلامية الكبيرة لا يتوقف، بل يمتد لبلدان اخرى مثل ليبيا التي تسير على ذلك الطريق بخطى متسارعة. 

فالمجموعات المسلحة تتصارع في ما بينها لتوسيع مساحات نفوذها في معارك شرسة تحصد ارواح البشر. ويمكن القول ان الصراع في هذا البلد الممزق ليس محصورا بين الإسلاميين والجيش الليبي، او بين الميليشيات والدولة، او بين الثوار وفلول النظام السابق. بل يحتدم الصراع بين كافة الفرقاء في المنطقة الواحدة باشكال ومستويات متعددة. فهناك صراع بين المجموعات الإسلامية وغير الإسلامية، واخرى بين بقايا نظام القذافي والثوار، وثمة صراعات مناطقية وقبائلية لا تتوقف.  

هذه الصراعات ستتواصل بدفع خارجي من قوى متعددة في الجزيرة العربية والغرب، وستؤسس لتقسيم مستقبلي خصوصا مع وجود توازنات عسكرية بين اطراف الصراع. فالجنرال حفتر الذي عين مؤخرا قائدا عاما للجيش يسيطر على سلاح الجو ولكنه يعاني من نقص في القوات البرية. بينما تمتلك ميليشيات فجر ليبيا قوة برية ضخمة ولكن ليس لديها قوة جوية. وقد تبلورت تلك الصراعات مؤخراً في كتلتين متصارعتين: الجيش التابع للحكومة المعترف بها دوليا في مواجهة مصراتة وحلفائها، تضم العديد من التحالفات المحلية و الإقليمية، بعض منها تحالفات بين فرقاء سياسيين، مما يزيد من هشاشة الوضع ويجعل ليبيا علي المحك من تفجر صراعات في المستقبل بين حلفاء اليوم.  

وبرغم المفاوضات التي يديرها بيرنادينو ليون، وسيط الأمم المتحدة في الأزمة في ليبيا بين الاطراف المتصارعة فان تقسيم ليبيا لم يعد خيارا مستحيلا، خصوصا مع وجود قوى متطرفة مثل داعش تسعى لتوسيع نفوذها في ليبيا بالعنف والإرهاب. فأينما وجدت داعش اقتربت احتمالات التقسيم إلى الواقع. 

أما العراق فيجري تقسيمه على ارض الواقع بدعم اقليمي ودولي. فدخول داعش إلى شماله وغربه وسيطرته على قرابة ثلث مساحته الجغرافية، احدث على ارض الواقع تقسيما وفق هويات ثلاث: فالاكراد يمارسون شؤون كيانهم الذي يعتبر منفصلا تماما عن الجسد العراقي، وبدأت سلطاته تتصرف كدولة مستقلة، تصدر النفط باتفاقات يوقعها الاكراد مع الشركات الاجنبية، وتتعاطى مع السلطة المركزية كطرف مستقل وليس كأحد مكونات العراق. وبرغم ما يتمتع الاكراد به من استقلال ذاتي فان فكرة الدولة الكردية تراودهم كثيرا وتضغط على السياسيين لطرحها هدفا لا يتنازلون عنه.

ويتوقع تصاعد التوتر بين اقليم كردستان والحكومة المركزية ببغداد في ظل حكومة الدكتور حيدر العبادي برغم سعيه لطرح «مشروع وطني» يتعالى على الانتماء العرقي او الديني او المذهبي. اما داعش فتسيطر على اغلب المناطق السنية، وتمارس شؤون الحكم والادارة وفق منظورها المذهبي المتميز. ولم يعد الدعم الاقليمي والغربي لهذه المجموعات خافيا على أحد، والواضح ان سكان المناطق التي وفرت حواضن لداعش يدفعون الثمن الباهظ سياسيا وامنيا واجتماعيا ويؤسسون لتقسيم العراق. وجاء نزوح الآلاف من الأنبار باتجاه العاصمة الشهر الماضي ليكشف عدم ارتياح الكثيرين من سيطرة داعش على مناطقهم.

الأمر الجديد المقلق ما فعله الامريكيون مؤخرا. فقد اصدر الكونغرس قرارا فهمه الرأي العام انه بداية مشروع امريكي لتقسيم واضح للعراق بتشجيع اللوبي الصهيوني. ولكونه الجهة التي تنظم شؤون الدعم المالي الامريكي للخارج، فقد قرر تخصيص ثلاثة ارباع المليار لدعم تسليح الاكراد والسنة لمواجهة تنظيم داعش. ولكن مجلس النواب العراقي اعتبر قرار الكونغرس الأمريكي في بيانه «تدخلاً سافراً في الشأن العراقي، وخرقاً للقوانين والأعراف الدولية، ونقضاً لالتزام الولايات المتحدة في اتفاقية الإطار الاستراتيجي بضمان وحدة العراق وسيادته واستقلاله».

وقرر البيان أن «تتولى رئاسة مجلس النواب العراقي مخاطبة الكونغرس الأمريكي برفض أي تعامل يخل بسيادة العراق واستقلاله، والتدخل في شؤونه الداخلية، و تلتزم الحكومة العراقية بتوفير الأسلحة والمعدات الضرورية لمواجهة داعش، وتحرير جميع الأراضي العراقية، بما في ذلك حشد جميع القوات المقاتلة ضد داعش وتعزيزها بالأسلحة والمعدات». وصوت للقرار 162 عضوا من الشيعة والسنة الذين حضروا الجلسة. مع ذلك فهناك من الاطراف الكردية والسنية من يدعم قرار الكونغرس، الأمر الذي يعمق النزعة للانفصال والتقسيم. 

السؤال المهم هنا: هل تستطيع امة العرب والمسلمين مواجهة مشروع «تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ»؟ ان ذلك ممكن ولكنه مشروط بأمور:

أولها رفض الدعوات او الاوصاف او الخطابات التي تجعل من التمايز العقيدي مشكلة وتروج لمنعه.

ثانيها ترويج ثقافة التحمل والتسامح والتعاون بين اتباع الاديان والمذاهب.

ثالثها التصدي لدعوات التكفير ومواجهة التطرف والإرهاب التي تتنامى بدعم رسمي من بعض الأنظمة العربية.

رابعها: ترويج ثقافة التعدد وتعميقها ضمن الخطاب الديني والسياسي، والتصدي لدعوات الاقصاء والاستئصال التي اصبحت تتردد على ألسنة «المعتدلين» من مفكري الامة وعلمائها فضلا عن متطرفيها وجهالها.

خامسها: اعادة الحيوية لمشاريع التحول الديمقراطية واعادة توجيه بوصلة الامة لتحرير فلسطين التي هي الوحيدة القادرة على تعميق روح الوحدة والانتماء.

سادسها: حث ذوي العلم والفكر لاعادة النظر في ما يرددونه من شعارات وما يبثونه من افكار والحذر من الاستدراج لمشروع التقسيم عبر البوابات الدينية والمذهبية. وما لم تحدث تلك المراجعة، خصوصا لدى علماء الدين والحركات الإسلامية «المعتدلة» فلن تبقى دولة عربية او إسلامية «كبرى» بل ستصغر جميعها بالتقسيم والصراعات الداخلية، وسيكون البكاء على «دولة الخلافة» نفاقا سياسيا وايديولوجيا وسفسطة، وفي احسن الاحوال، عاطفة غير محكومة بالفكر او العقل او منطق القرآن الذي يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم.

٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

د. سعيد الشهابي

 

  كلمات مفتاحية

رفض التعددية تقسيم الأمة العراق الأكراد السودان

مواجهة الخطاب المذهبي

الأمة قادرة على دحر المشروع المذهبي

«إيكونوميست»: الاتفاق النووي الإيراني قد يشعل الصراع السني الشيعي

«ميدل إيست آي»: الصراعات الطائفية تلهب تجارة السلاح في الشرق الأوسط

«التايمز»: الانتقام الكردي .. الأكراد يقومون بالتطهير العرقي للعرب

اليمن في إنتطار اتفاق حزب الإصلاح والحوثيين لتجنيب البلاد خطر النزاع المذهبي

الصراع بين الأمة والطائفة

حالة العالم الإسلامي.. ليست بخير !

اســتـعادة الـمـبـــادرة !

«صدمة» النفط تزج بدول الخليج في «مفترق صعب»

أين الطريق للأمة الموحدة؟

سوسيولوجية التمزق والتفكك!