إرضاء صندوق النقد الدولي لن يحل مشاكل مصر

الخميس 31 يناير 2019 04:01 ص

عندما وقعت الحكومة المصرية اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، التزمت بتدابير التقشف المألوفة جداً لخفض الإعانات وزيادة الضرائب، بالإضافة إلى تعويم الجنيه المصري الذي خسر 50٪ من قيمته بين عشية وضحاها.

وفي المقابل، حصلت حكومة الرئيس "عبد الفتاح السيسي" على قرض مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وهو جزء من حزمة بقيمة 21 مليار دولار لبناء احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي وإصلاح ميزان مدفوعاتها.

بعد أكثر من عامين بقليل، أعرب صندوق النقد الدولي والحكومة عن تقديرهما للاتفاق على أنه نجاح.

جددت الحكومة التزامها بخفض الدعم وزيادة الضرائب، وبعد وصول التضخم لأكثر من 30% في عام 2017، انخفض إلى 11%، وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية، من أقل من 15 مليار دولار في أواخر عام 2016 إلى 44 مليار دولار، وتحسن التصنيف الائتماني لمصر بشكل يتناسب مع مؤشرات الاقتصاد الكلي.

وأخيراً، يظهر الاقتصاد علامات على طفرة بعد أكثر من 6 سنوات من معدلات النمو المنخفضة.

وقال وزير المال المصري "محمد معيط" في تصريحات لوكالة "بلومبرغ" إنه لن يرغب في الحصول على مزيد من التمويل من صندوق النقد الدولي العام المقبل عندما ينتهي برنامج القروض الذي تبلغ قيمته 12 مليار دولار.

لكن التاريخ يخبرنا أن هذه لن تكون آخر مرة ستتجه فيها مصر إلى صندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة.

منذ منتصف السبعينيات، عاد الصندوق مراراً وتكراراً بحثاً عن إصلاحات لنفس المشاكل، هذا لأن حزم صندوق النقد الدولي تساعد فقط على التغلب على الصعوبات المالية الفورية ولكن لا تعالج أسبابها الجذرية، وهذا يؤدي إلى تكرار الأزمات المالية التي تبدأ عادة بالنقص في العملات الأجنبية، مما يزيد الضغط على العملة الوطنية والتضخم المرتفع بسبب العجز التجاري الضخم وميزان المدفوعات.

ولأن مصر مستورد صاف للأغذية والوقود، فهي تفتقر إلى قطاع صناعي عميق وتعتمد بشكل كبير على الواردات من مدخلات الإنتاج الأساسية - ليس فقط المواد الخام، بل أيضا السلع الرأسمالية والوسيطة.

ووفقاً لبعض التقديرات، شكلت مدخلات الإنتاج أكثر من 50% من فاتورة الواردات في عام 2017.

وكانت الصادرات تاريخياً أقل من نصف الواردات؛ لذلك، ولكي ترفع مصر العملة الصعبة اللازمة للوفاء بالتزاماتها الخارجية، فإنها تعتمد على تحويلات العمال والسياحة، وبدرجة أقل على الاستثمار الأجنبي المباشر.

هذه القيود الهيكلية مستمرة، وهي تفرض نفسها على المشهد مرة أخرى، مما قد يقوض التعافي الاقتصادي.

ونظراً للاعتماد الشديد على الواردات من المنتجين المصريين، كان لصفقة صندوق النقد الدولي تأثير سلبي على قطاعاتهم في عامي 2016 و 2017، وكان الانخفاض الحاد في سعر الجنيه المصري يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج.

كما تسبب التضخم، جنبا إلى جنب مع تدابير التقشف الأخرى في تعريض القوة الشرائية للمستهلكين المصريين للخطر.

وقد أدى الدين المتوسع للدولة وارتفاع أسعار الفائدة إلى ازدحام القطاع الخاص.

وصحيح أنه مع بدء مؤشرات الاقتصاد الكلي في الاستقرار في أواخر عام 2017، ظهرت على القطاعات الإنتاجية في التصنيع والزراعة علامات على الحياة، لكن هذه العلامات تكشف التناقضات الداخلية داخل الاقتصاد المصري.

لا يمكن للقطاعات الإنتاجية، التي تعد ضرورية لخلق فرص العمل وتوليد النمو الحقيقي، أن تنمو دون زيادة الواردات بنسب كبيرة.

وبالتالي، أدى التعافي في القطاعات الإنتاجية إلى زيادة العجز التجاري، الذي ارتفع بنسبة 30٪ في أكتوبر/تشرين الأول 2018 مقارنة بنفس الشهر من عام 2017، وانخفض الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي بمعدل 1.9 مليار دولار في يناير/كانون الثاني 2019، وهو أول انخفاض في عامين.

وكان رد الحكومة هو خفض الواردات، مما يشير إلى مشكلة هيكلية أخرى، وهي أن الصادرات المصرية لا تتمتع بمرونة عالية، ولم تكن قادرة على الاستفادة الكاملة من الجنيه الأرخص.

وهذا يعني أنه كلما زاد الاقتصاد، ازداد الضغط على احتياطيات الدولار مما دفع الدين الخارجي المصري من 55 مليار دولار في عام 2016 إلى 92 مليار دولار في أواخر عام 2018. ولن يمر وقت طويل قبل أن تمر الأزمة المالية في البلاد مرة أخرى.

إن الطريقة الأكثر موثوقية للخروج من هذه الدورة هي تطوير قطاع صناعي أعمق أقل اعتمادا على الواردات.

لقد أظهرت مصر إمكانات في عدد من المجالات لإنتاج السلع الوسيطة - مثل البلاستيك والحديد والصلب والمواد الكيميائية - خاصة في ضوء اكتشافات النفط والغاز الأخيرة التي توفر بعض المواد الخام المطلوبة.

ولتعزيز هذه الصناعات، يجب على الحكومة توفير ضمانات ائتمانية للمصنعين، ودعم عمليات نقل التكنولوجيا.

يجب أن تكون الشركات المصنعة نفسها قادرة على الاستفادة من ضعف الجنيه، مما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة ضد الواردات.

قد يستغرق الأمر سنوات قبل أن تتمكن مصر من خلق العمق الصناعي الذي تحتاجه لخفض عبء الاستيراد.

ولكن إذا لم يبدأ هذا الطريق قريباً، فإن وزراء المالية المصريين سيطرقون أبواب صندوق النقد الدولي لفترة طويلة قادمة.

المصدر | عمرو عدلي - بلومبيرغ

  كلمات مفتاحية

مصر صندوق النقد الدولي دعم الاقتصاد المصري الاحتياطي الأجنبي التضخم الاستيراد