لماذا تصعد إسرائيل هجماتها على القوات الإيرانية في سوريا؟

الأحد 3 فبراير 2019 02:02 ص

بعد أعوام من الغموض، أصبحت (إسرائيل) أكثر علانيةً في ضرباتها على سوريا، وقد شنت هجمات انتقامية الأسبوع الماضي في وضح النهار، وهو أمر نادر الحدوث.

وعلى النقيض من الضربات السابقة، قامت (إسرائيل) على الفور بإعلان مسؤوليتها عن الهجمات، وأعلنت عنها في نفس الوقت على "تويتر".

ويرجع هذا التغيير في السياسة، وفقا لوزير الاستخبارات "يسرائيل كاتز"، إلى حقيقة أن (إسرائيل) تكثف هجماتها ضد "طموحات الإرهاب" الإيرانية في سوريا.

وفي الوقت نفسه، يعكس كشف (إسرائيل) عن حربها ضد إيران واقعا جيوسياسيا إقليميا جديدا.

ويتزامن التغيير في التكتيكات العسكرية مع حقيقة بقاء نظام "الأسد"؛ الذي يعزز بالتبعية وضع أنصار النظام البارزين، وأهمهم إيران.

وفي خضم الإعلان الأخير عن انسحاب عسكري أمريكي من سوريا، ركز رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" على تعزيز أوراق اعتماده الأمنية في محاولة لضمان إعادة انتخابه ووضع إيران في حالة تأهب.

وبعد قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالانسحاب من سوريا، تتبع (إسرائيل) سياسة عسكرية أكثر عدوانية عبر حدودها الشمالية.

وفي الوقت الذي اعترف فيه المسؤولون الإسرائيليون بتنفيذ مئات الهجمات ضد قوافل أسلحة إيرانية طوال الحرب الأهلية السورية، فإنها تجنبت الاعتراف ببعض الهجمات.

لكن يبدو أن تحول سياسة (إسرائيل) يهدف إلى إخبار روسيا وسوريا أن تعاونهما المستمر مع إيران سيعرضهما لرد فعل إسرائيلي قاس.

علاوة على ذلك، يهدف استهداف (إسرائيل) للبنية التحتية الإيرانية في سوريا إلى أن تظهر لإيران أنها مستعدة وقادرة للمواجهة، أو كما قال رئيس الوزراء "نتنياهو" في وقت سابق من هذا الشهر: "يثبت عدد الهجمات الأخيرة أننا مصممون أكثر من من أي وقت مضى على اتخاذ إجراءات ضد إيران في سوريا، كما وعدنا".

تحولات جيوسياسية

وتدل استراتيجية (إسرائيل) المكثفة تجاه سوريا على حدوث تغيير في الجيوسياسية الإقليمية، ويعد التعيين الأخير لرئيس أركان جديد للجيش الإسرائيلي من أعراض ذلك التغيير.

وعلى غرار سلفه، فإن قائد الجيش الإسرائيلي القادم، "أفيف كوشافي"، مصمم على وقف توسع طهران العسكري في سوريا، لكن "كوشافي" يواجه حقيقة سياسية مختلفة تماما عن سابقه، "غازي أيزنكوت".

وقد دعا "كوشافي" في السابق إلى إقالة الرئيس السوري "بشار الأسد"، ولكن بمساعدة إيران وروسيا، يبدو أن "الأسد" قد نجح الآن في تأمين بقاء نظامه، بما في ذلك استعادة مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت في السابق تحت سيطرة القوات المتمردة التي تمولها (إسرائيل) في جنوب البلاد.

وأدت الحقائق المتغيرة على أرض الواقع إلى قيام العديد من الدول بتغيير نهجها استعدادا للمشاركة في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية في سوريا تحت حكم "الأسد".

وتسعى دول الخليج العربية إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد 8 أعوام من طرد دمشق بسبب قمعها الوحشي للاحتجاجات السلمية ضد "الأسد".

وفي الشهر الماضي، أشار "جيمس جيفري"، الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا، للمرة الأولى، إلى أن تغيير النظام لم يعد جزءا من أجندة السياسة الأمريكية، بل طالب بدلا من ذلك بتقديم "حل وسط" من جانب حكومة دمشق كشرط مسبق للاعتراف بالحكومة السورية.

وتستعد الولايات المتحدة للانخراط في جهود إعادة الإعمار في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.

ومن الواضح أن (إسرائيل) تقبل أن يبقى "الأسد" في السلطة، حيث تفضل الاحتواء والاستقرار على النتيجة غير المعروفة لتغيير النظام.

وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق سلام مع جارتها الشمالية، والاحتلال الإسرائيلي المستمر لمرتفعات الجولان، تهتم (إسرائيل) في المقام الأول بضمان الاستقرار على الحدود الإسرائيلية السورية، وهو ما كفله نظام "الأسد" في الماضي.

وقد قوبلت استعادة "الأسد" لمحافظة "القنيطرة" في يوليو/تموز 2018، على هذا النحو، بتفاؤل حذر، وبحسب ما قاله وزير الدفاع آنذاك "أفيغدور ليبرمان"، فمن شأن سيطرة دمشق على الأراضي الحدودية أن تقلل من احتمال وقوع اشتباكات مع (إسرائيل).

وفي حين امتنعت (إسرائيل) عن السعي بنشاط لتشكيل نتائج الحرب السورية، فإن أهدافها مصممة للحد من النفوذ الإيراني، وهذا ليس بالأمر الهين بالنظر إلى أن بقاء "الأسد"، في جزء كبير منه، كان مدعوما بوجود إيران.

وفي الأشهر الأخيرة، سعت إيران ووكلاؤها لتعزيز شبكاتهم العسكرية في سوريا، ويمتلك ضباط الحرس الثوري الإسلامي، ومقاتلو "حزب الله"، الآن، صواريخ طويلة المدى تفوق ترساناتهم السابقة في نطاقها ودقتها.

وفي محاولاتها للحد من التوغل الإيراني، تطلعت (إسرائيل) سابقا إلى روسيا، الداعم الرئيسي لسوريا، وفي أعقاب عودة الجيش السوري إلى المنطقة الحدودية، أبرمت (إسرائيل) وروسيا اتفاقا من شأنه أن يبقي إيران ووكلاءها على بعد 100 كيلومتر.

سياسات داخلية

ويأتي الاعتراف العام الأخير بالتدخل العسكري الإسرائيلي في وقت مهم بشكل خاص للسياسة الداخلية، ويواجه "نتنياهو"، الذي يسعى لإعادة انتخابه في أبريل/نيسان، سلسلة من التهم وفضائح الفساد.

وفي محاولته ليصبح الأكثر بقاءً في منصب رئيس الوزراء، سعى "نتنياهو"، ومساعدوه في حزب الليكود، إلى إعادة تأكيد أوراق اعتماده الأمنية في أعقاب الانتقادات العلنية على تعامل رئيس الوزراء مع "حماس"، والتي أدت إلى استقالة وزير الدفاع "ليبرمان" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وقبل بضعة أسابيع من الإعلان عن انتخابات مبكرة، أطلق "نتنياهو"، كوزير للدفاع، عملية "الدرع الشمالي" للقضاء على شبكة أنفاق "حزب الله" عبر الحدود في شمال (إسرائيل).

وفي حين لم تؤثر العملية على قدرة طهران على تسليح وكيلها الأقوى، تأمل (إسرائيل) أن يكتسب اكتشاف الشبكة الواسعة من الأنفاق شرعية دولية كافية لإكمال جدار الحدود الشمالي، والحد من قدرة "حزب الله" على شن هجوم مفاجئ.

وفي الوقت الحالي، ظل رد طهران على الضربات الإسرائيلية صامتا إلى حد ما، ويتناسب إطلاق إيران مجموعة كبيرة من التدريبات، التي تشمل 12 ألفا من الوحدات في أواخر شهر يناير/كانون الثاني، لتقييم "هيكل القوات البرية الإيرانية"، بشكل أساسي مع تقاليد عرض القوة العسكرية كوسيلة لردع المنافسين.

وقد قدم "حسن نصرالله"، زعيم "حزب الله"، تحذيرا أكثر وضوحا لـ(إسرائيل)، وفي مقابلة نادرة مع قناة "الميادين" اللبنانية، زعم "نصرالله" أن "محور المقاومة"، تحديدا سوريا وإيران، قد يغير رد فعله على الهجمات الإسرائيلية، بما يصل إلى قصف "تل أبيب".

وتدرك إيران، التي تفتقر إلى أي حدود مباشرة مع (إسرائيل)، أن توسيع المعركة بالوكالة في سوريا يعتمد على القبول الروسي والسوري بالمخاطر الاستراتيجية الناتجة.

وعلى الرغم من القلق الروسي والسوري من الضربات الإسرائيلية، لم تزود موسكو سوريا حتى الآن بنظامها الصاروخي المتقدم المضاد للطائرات، وبدون قوتها الجوية في سوريا، تعتمد إيران على الأنظمة السورية للدفاع عنها.

علاوة على ذلك، يبدو الاندفاع نحو الحرب، على الرغم من المخاوف من احتمال مواجهة شاملة، أمرا غير مرغوب فيه، ولا تزال ندوب الحرب العراقية الإيرانية تلوح في الأفق أمام الشعب الإيراني.

وتتردد (إسرائيل)، من جانبها، أيضا في الدخول في عملية برية، ستكون مطلوبة بالتأكيد لإخراج القوات الإيرانية.

ومع ذلك، من المرجح أن يستمر استخدام تل أبيب لخطاب الحرب العدائي، ليكون بمثابة تذكير للمنافسين الإقليميين، والناخبين المحليين على السواء، بأن الجيش الإسرائيلي "مدمر وفعال".

  كلمات مفتاحية

حزب الله نظام الأسد إيران (إسرائيل) سوريا روسيا

الحرس الثوري: أي حرب جديدة تبدأها إسرائيل ستؤدي لزوالها