خلاف إيطاليا وفرنسا يشتعل.. 3 محاور ليبية سر الصراع الخفي

الخميس 7 فبراير 2019 07:02 ص

"لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية".. هكذا وصفت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان أصدرته الخميس، حروبا كلامية شنها القادة السياسيين في روما ضد باريس خلال الأشهر الماضية، ما دفع فرنسا لاستدعاء سفيرها بالعاصمة الإيطالية، في ظل اشتعال الخلاف بين الجانبين حول الاستئثار باليد العليا على شؤون جارة جنوب البحر المتوسط ليبيا.

واتهم كل من نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الإيطالي "ماتيو سالفيني" فرنسا ورئيسها "إيمانويل ماكرون" بالسعي الحثيث من أجل "عدم تحقيق الهدوء في ليبيا" ودعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على باريس.

وفي تصريحات أخرى، قال "سالفيني": "آمل أن يتمكن الفرنسيون من التحرر من رئيس بالغ السوء، ومناسبة ذلك ستكون في 26 مايو/أيار (الانتخابات الأوروبية) حين سيكون بإمكان الشعب الفرنسي أن يستعيد زمام مستقبله ومصيره، وكبريائه الممثل بشكل سيء من شخصية مثل (إيمانويل) ماكرون".

وفي المقابل، هدد وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" الحكومة الائتلافية المحسوبة على تيار اليمين المتطرف في إيطاليا، قائلا: "بحلول لحظة معينة وتحت إلحاح الحاجة للتحرك إزاء إيطاليا، فإن باريس قادرة على إجبار روما على الانحناء".     

فما هي جذور الصراع الخفي بين القطبين الأوروبيين؟ وكيف تدور فصول أحداثه على الأراضي الليبية؟

جذور الصراع

تعود جذور التنافس  المحموم حاليا بين إيطاليا وفرنسا إلى عام 2011، حيث قاد الرئيس الفرنسي الأسبق "نيكولا ساركوزي" التسويق لأهمية التدخل العسكري في ليبيا للإطاحة بنظام "معمر القذافي"، وهو التدخل الذي اعتبره رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق "سيلفيو برلسكوني" تهديدا لمصالح إيطاليا الاقتصادية والسياسية في هذا البلد.

ارتبط "برلسكوني" بعلاقات صداقة قوية مع الزعيم اللليبي الراحل، مكنت إيطاليا من الحفاظ على نفوذها الجغرافي في مستعمرتها السابقة، بينما تطلعت فرنسا، بعد الإطاحة بـ "القذافي" إلى تعزيز منظومة مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا بإضافة دولة أخرى إلى دائرة نفوذها التي تشمل عشرات الدول بالقارة السمراء.

 

 

ويمثل دخول شركة توتال الفرنسية منافسا شرسا لإيني الإيطالية ترجمة اقتصادية للصراع بين البلدين على الأراضي الليبية بعد الإطاحة بنظام "القذافي"، إذ تشغل حقلي المبروك والجرف، ويصل متوسط إنتاج الحقلين معا إلى 60 ألف برميل يومياً، فيما تشارك الشركة في إنتاج بعض الحقول الأخرى مثل حقل الشرارة.

بينما تُعَدّ إيني الإيطالية أكبر شركة نفط وتعدين تعمل في ليبيا، ويبلغ إنتاجها اليومي نحو 600 ألف برميل نفط إضافة إلى نحو 450 طناً من الكبريت.

وما لبث التنافس الاقتصادي أن تحول إلى صراع سياسي وميداني بين القطبين الأوروبيين في ليبيا، إذ تدعم إيطاليا حكومة طرابلس، التي يقودها "فائز السراج"، بينما تدعم فرنسا جبهة الجنرال "خليفة حفتر" المدعوم أيضا من قبل مصر والإمارات.

 

 

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "هافنغتون بوست"، في نسختها الإيطالية بتاريخ 13 أغسطس/آب الماضي، فإن تقدير روما يتلخص في أن "حفتر" ينوي حرمان إيطاليا من الكعكة النفطية في حال بسط كامل هيمنته على الأراضي الليبية، عبر استبدال إيني بتوتال.

وأكدت الصحيفة أن "حفتر" يتبنى استراتجية معادية لروما، أساسها منع إيطاليا، التي توفر الحماية لـ"السراج" وحكومته، من الحصول على أية موانئ آمنة في ليبيا.

وتهدد قوات "حفتر" إيطاليا بأن هناك 52 ألف لاجئ من سوريا وفلسطين وإريتريا والسودان، محتجزون لديها، ويمكن السماح لهم بالعبور نحو شواطئها، بحسب الصحيفة، ما يعني إضافة صراع جديد بين باريس وروما على ملف الهجرة غير النظامية.

استراتيجيتان للمواجهة

وإزاء ذلك، اعتمد القطبان الأوروبيان استراتيجيتين للحفاظ على مصالحهما الحيوية بليبيا، أحدهما سياسية، عبر محاولة دعم أطراف بعينها في الداخل الليبي وحشد الدعم الدولي لصالحها، والأخرى ميدانية عبر محاولة فرض أمر واقع يصعب تجاوزه على الأرض.

وفي هذا الإطار، أنشأت إيطاليا قاعدة عسكرية تضم أكثر من 300 جندي في مدينة مصراتة، تحت مزاعم تقديم الخدمات الطبية لجنود حكومة الوفاق الوطني خلال تحريرهم مدينة سرت من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية".

واحتفظت إيطاليا بوجود عسكري في أحد موانئ مدينة طرابلس، حيث ترابط بوارج حربية تابعة لها، تحت عنوان محاربة الهجرة غير النظامية، كما ينتشر 400 جندي آخر في جنوب ليبيا.

كما تدخلت إيطاليا منذ 2017 بقوة عبر سفارتها ومخابراتها بغية ضمان السيطرة الفعلية على النفط والغاز في ليبيا، حيث عقد مسؤولون إيطاليون لقاءات مكثفة مع عمداء البلديات ورؤساء المحليات في الغرب الليبي.

 

 

وفي المقابل، أنشأت باريس 4 قواعد عسكرية في إنجامينا بتشاد، ونيامي بالنيجر، وغاو وتيساليت بشمال مالي، وهي دول الساحل الأفريقي، جنوب ليبيا، بزعم توفير القوة اللازمة لمكافحة الإرهاب هناك.

كما أنشأت فرنسا عام 2014 قاعدة "ماداما" في أقصى شمال النيجر، قرب الحدود مع الجنوب الليبي، وتم تزويدها بمطار حربي لتكون نقطة انطلاق نحو الأراضي الليبية.

وبلغ الحجم المعلن للقوات الفرنسية المنتشرة بتلك القواعد حوال 4 آلاف جندي، مزودين بعشرات من طائرات الهليكوبتر، ومئات العربات المدرعة، وطائرات مقاتلة وأخرى بدون طيار.

كما نظمت فرنسا اجتماعا، في أبريل/نيسان الماضي بعاصمة النيجر نيامي مع ممثلين من قبائل أولاد سليمان، المقيمين في جنوب ليبيا، من أجل عقد اتفاق جديد لاستبدال التواجد العسكري الإيطالي في محافظة فزان بآخر فرنسي، ودفعت سلطات النيجر إلى رفض المبادرة الإيطالية لإرسال 470 جندياً إليها، وفقا لما أورده تقرير لموقع "عيون على الحرب" الإيطالي تحت عنوان "حرب ماكرون على إيطاليا كي نترك ليبيا".

صراع المحاور

ويهدف الصراع الميداني بين فرنسا وإيطاليا بالأساس للسيطرة على محورين على الأقل من أصل 3 محاور اعتبرتها إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بمثابة "دويلات محتملة" في حال تقسيم البلد العربي الغني بالنفط.

وفي هذا السياق، أكدت صحيفة الغارديان البريطانية، بتقرير نشرته في أبريل/نيسان 2017، أن مسؤولا أمريكيا كبيرا في البيت الأبيض، رسم المحاول الثلاثة أمام دبلوماسي أوروبي، على أساس أقاليم ليبيا القديمة، وهي طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وفزان في الجنوب.

 

 

ولم تكشف الصحيفة عن هوية المسؤول الأوروبي، ولكنها نوهت إلى أن "سيباستيان غوركا"، مساعد "ترامب"، هو المسؤول الأمريكي الذي اقترح تقسيم ليبيا، قبل أسابيع من تنصيب الرئيس الأمريكي.

وبحسب الباحث في معهد الدراسات السياسة الدولية، الإيطالي "أرتورو فارفيلي" فإن إيطاليا تسعى لكسب أحد محوري "فزان أو برقة" على الأقل لضمان مصالحها، باعتبارها تسيطر على محور طرابلس فعليا، بينما تعمل فرنسا على كسب محور برقة – فزان، بالتعاون مع مع مصر والإمارات.

ويشير الباحث الإيطالي إلى أن محور فزان – طرابلس يمثل أحد روافد التجارة غير المشروعة للمهاجرين، وله أهمية خاصة لروما؛ لأنه يضم البنية التحتية للنفط والغاز الذي تديره شركة إيني.

سباق المؤتمرات

وفي هذا السياق، يمكن قراءة تحذير مباشر وجهته وزيرة الدفاع الإيطالية "إليزابيتا ترينتا" لنظيرتها الفرنسية "فلورانس بارلي" من تدخل فرنسا في الشأن الليبي مؤكدة أن إيطاليا وحدها هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية.

وعلى هامش اجتماع وزاري بمقر حلف الناتو في بروكسل قالت "إليزابيتا" لـ "فلورانس": "لنكن واضحين.. القيادة في ليبيا لنا"، وفقا لما أوردته صحيفة الجورنال الإيطالية في يوليو/تموز الماضي.

كما اتهم وزير التنمية الاقتصادية الإيطالي "لو جي دي مايو" باريس بإشاعة الفقر في أفريقيا والتسبب في تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا.

ولفت الوزير الإيطالي إلى أن فرنسا "لو لم يكن لها مستعمرات أفريقية لكانت الدولة الاقتصادية الـ15 في العالم، بينما هي بين الأوائل بسبب ما تفعله في أفريقيا".

وتابع أن فرنسا واحدة من الدول التي تمنع التطور وتساهم في رحيل اللاجئين لأنها تطبع عملات 14 دولة أفريقية، مضيفا أنه إذا أرادت أوروبا أن تتحلى "ببعض الشجاعة"، فعليها أن تتخذ قرار العمل على إنهاء "الاستعمار في أفريقيا".

 

 

ويسلط هذا التصريح الضوء على الإطار الأوسع للتنافس الاقتصادي بين إيطاليا وفرنسا، إذ تحتل الأولى المركز الثامن بقائمة دول مجموعة العشرين ذات الاقتصاد الأكبر عالميا، بينما تحتل الثانية المركز السادس.

وفي ذات السياق جاء تنظيم إيطاليا لمؤتمر باليرمو الدولي حول ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد 5 أشهر فقط من مؤتمر مماثل نظمته باريس واتُهمت روما وقتها بالتسبب في إفشاله إذ عارضت بشدة خطة اقترحها الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في ليبيا لإجراء انتخابات عامة بليبيا بنهاية العام الماضي (2018).

ويهدف الطرفان من تنظيم المؤتمرات إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي، وضمه لصف القبول الأمريكي لمخطط كل منهما، خاصة أن حكومة طرابلس المدعومة إيطاليا معترف بها دوليا لكنها تعاني ميدانيا في بسط هيمنتها على مجمل الأراضي الليبية خارج العاصمة، بينما يواصل "حفتر" انتصارات عسكرية على الأرض دون اعتراف دولي.

الموقف الأمريكي

وإزاء ذلك، تتبنى واشنطن موقفا يقوم على مبدأ "إدارة الصراع" وليس "التدخل لحله" مباشرة، خاصة في ظل وجود ملفات تمثل ورقة ضغط مهمة لواشنطن في علاقتها بباريس، حسبما يرى المحلل السياسي الليبي "عبدالعزيز أغنية".

ويضيف "أغنية"، في هذا الصدد، إلى أن "ترامب" يريد من خلال الاتفاق مع إيطاليا الضغط على فرنسا في ملفات أخرى مثل الاتفاق النووي الإيراني، كما أنه يرغب في توظيف الحكومة الإيطالية الشعبوية للضغط على أوروبا، خاصةً ألمانيا، في عدد من الملفات الدولية، لاسيما المضي قدما في مشاريع التعاون الاقتصادي مع روسيا.

ويشير المحلل الليبي إلى أن عقلية التاجر تهيمن على تفكير الرئيس الأمريكي الذي يعتقد أن النفط الليبي قد يكون بديلاً عن النفط الإيراني، لمنع حدوث أي نقص في السوق، وما يترتب عليه من ارتفاع في أسعاره عالميا، ويريد الاستحواذ على النصيب الأكبر من صفقات التسليح لإعادة بناء الجيش الليبي، في حال الوصول إلى تسوية سياسية.

  كلمات مفتاحية

ليبيا إيطاليا فرنسا خليفة حفتر فايز السراج نيكولا ساركوزي معمر القذافي سيلفيو برلسكوني إليزابيتا ترينتا

لودريان يلتقي السراج ويشيد بحفتر ويدعم سلامة