كيف تستخدم مصر سلطتها على معبر رفح لتقويض القضية الفلسطينية؟

الثلاثاء 12 فبراير 2019 09:02 ص

تقود مصر مفاوضات هدنة بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والضفة منذ أشهر، وتعد هذه المفاوضات آخر محاولة لوضع نهاية للقضية الفلسطينية، وفقا لما يسمى بـ"صفقة القرن" في الشرق الأوسط، التي يروج لها "غاريد كوشنر"، كبير مستشاري الرئيس "ترامب".

ويهدف الاتفاق إلى تهدئة غضب الفلسطينيين الذين يحتجون على الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 12 عاما على غزة، وقد بدأت الجولة الأخيرة من المداولات منذ مارس/آذار 2018.

ولا يتمتع 1.8 مليون فلسطيني محاصر في قطاع غزة بالوصول إلى بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا إلى العالم الخارجي، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ أوائل التسعينات.

وبعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007 فرضت (إسرائيل) حصارا بريا وبحريا وجويا على قطاع غزة تحت ذريعة المخاوف الأمنية، وفي نفس الوقت ولأسباب مماثلة، أغلقت مصر معبر "رفح"، وهو المدخل الوحيد الباقي للتجارة الفلسطينية والسفر.

وقد أدى الحصار الإسرائيلي، وإغلاق مصر لمعبر رفح، إلى تفاقم عزلة القطاع ومعاناة سكانه، ليس فقط بسبب إضعاف الظروف المعيشية في قطاع غزة، وإنما أيضا بسبب تآكل نسيجه الاجتماعي والاقتصادي.

وإلى جانب العواقب الخانقة للحصار الاقتصادي الإسرائيلي على قطاع غزة، دمر القصف الإسرائيلي البنى التحتية الحيوية والمباني السكنية.

وتم تدمير الآبار وأبراج المياه وخطوط الأنابيب ومحطات الصرف الصحي، ما أدى إلى استنزاف المياه الجوفية بشكل مفرط، حسبما أفادت صحيفة "ديلي بيست" في أكتوبر/تشرين الأول، مؤكدة أن (إسرائيل) هي المسؤول الأول عن تدهور الأحوال المعيشية في غزة.

وقد تم إغلاق 5 محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، بسبب نقص الكهرباء، وكان على العائلات الفلسطينية أن تملأ الأحواض والمغاسل والخزانات، بسبب الانقطاع شبه الدائم للمياه، كما توقع الأطباء ارتفاعا كبيرا في الأمراض التي تنقلها المياه، وتفشي الأمراض الوبائية، بسبب تلوث المياه في غزة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، ضخت قطر 25 مليون دولار كمساعدات لقطاع غزة، بموافقة (إسرائيل)، استخدم جزء كبير منها لشراء وقود الديزل لتشغيل محطات الصرف الصحي، ومنعت الأموال القطرية انتشار الأمراض الوبائية في غزة، والتي كان يمكنها الانتقال بسرعة إلى (إسرائيل)، وفقا لصحيفة إسرائيلية.

الصورة الكبيرة

ولدى قطاع غزة 7 معابر، تقع 6 منها تحت السيطرة الإسرائيلية، بينما تسيطر مصر والسلطة الفلسطينية بشكل مشترك على معبر رفح الحدودي.

وقد تم إغلاق المعبر منذ أن سيطرت "حماس" على القطاع في يونيو/حزيران 2007، باستثناء حالات إنسانية خاصة كل شهرين أو ثلاثة.

وقد تم فتح المعبر أخيرا في مايو/أيار 2018، وظل مفتوحا حتى يناير/كانون الثاني، ما يجعلها أطول فترة فتح مستمر للمعبر منذ عام 2014.

لكن في 6 يناير/كانون الثاني أغلقت مصر المعبر مجددا، بعد أن سحبت السلطة الفلسطينية موظفيها من على الحدود للاحتجاج على استدعاء "حماس" لبعض موظفي السلطة الفلسطينية واعتقالهم.

ووفقا لمسؤولي حركة "فتح"، وهي العضو المهيمن في السلطة الفلسطينية، وعدت مصر "حماس" بإعادة فتح المعبر قريبا، بينما يواصل وفد مصري المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية لتسليم المعبر إلى السلطة الفلسطينية بقيادة "فتح"، وليس هذا سوى موقف واحد يسلط الضوء على تاريخ العداء المعقد بين مصر و"حماس" والسلطة الفلسطينية.

ولأعوام، خنقت مصر قطاع غزة عبر تقييد التجارة وتدمير الأنفاق التي تعمل عبر الحدود، وتستخدم مصر هذه الإجراءات لممارسة الضغط على "حماس"، وتعزيز علاقاتها مع (إسرائيل).

ولقد حدد الانتماء الأيديولوجي دائما طبيعة العلاقات المصرية مع "حماس" وقطاع غزة، لا سيما حين تحسنت العلاقات بين مصر وغزة بعد انتخاب الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين "محمد مرسي" وهي ذات الحركة التي ترتبط بها "حماس" أيديولوجيا.

ولكن بعد الانقلاب على جماعة الإخوان المسلمين عام 2013 بقيادة "عبدالفتاح السيسي"، تدهورت العلاقة بين مصر و"حماس".

صفقة القرن

ودخلت العلاقات المصرية مع "حماس" وقطاع غزة مرحلة أخرى، بعد الاجتماع بين الرئيس المصري "السيسي" والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، في أبريل/نيسان عام 2017. وقد أطلق العديد من وسائل الإعلام العربية عليه اتفاق "إنهاء القضية الفلسطينية"، الذي عرف لاحقا باسم "صفقة القرن".

وتشمل الاتفاقية التي تقودها الولايات المتحدة إقامة "منطقة تجارة حرة بين قطاع غزة والعريش في شبه جزيرة سيناء المصرية، حيث سيتم إنشاء 5 مشاريع صناعية كبيرة، كما تعتزم الصفقة تحويل غزة إلى قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية، التي تضم أجزاء من الضفة الغربية وسيناء المصرية".

وفي الوقت نفسه، تستبعد الصفقة "القدس" وأجزاء أخرى كثيرة من الضفة الغربية تشغلها المستوطنات الإسرائيلية، كما يضم الاتفاق القدس كلها إلى (إسرائيل)، وينكر حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.

وقد رفضت الأطراف الفلسطينية الاتفاق.

لكن العقبة الحاسمة أمام تنفيذ هذه الخطة الأخيرة، ناهيك عن أي اتفاق يتعلق بفلسطين، هي الخلاف بين القوى التي تحكم غزة والضفة الغربية.

ولم تعترف السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس "محمود عباس" بأي إجراء اتخذته "حماس" بعد فوزها في الانتخابات العامة أو بعد أن تسلمت السلطة في غزة عام 2007.

وبالمثل، رفضت دفع مرتبات الموظفين العامين البالغ عددهم 40 ألف موظف، الذين عينوا من قبل حكومة "حماس" في قطاع غزة، ولم تحرز المفاوضات بين الطرفين تقدما يذكر منذ ذلك الحين.

وكان من المفترض أن يمثل تسليم "حماس" معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، خطوة أولى في المصالحة بين الطرفين الفلسطينيين، ولكن للأسف، استمرت العقوبة الجماعية المفروضة على سكان غزة دون هوادة، تحت ذريعة الأمن العسكري، مع تخفيضات مستمرة في أيام فتح معبر رفح.

ولا يزال معبر رفح أحد أهم وسائل الضغط التي تستخدمها مصر للتلاعب بـ"حماس" بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام، وتوضح التوترات الأخيرة المحيطة بالمعبر أن حالة المعبر تؤثر بشكل كبير على استقرار غزة، وتمثل عقبة رئيسية أمام الوحدة الفلسطينية وأي صفقة مستقبلية مع (إسرائيل).

ولا يمكن التوصل إلى اتفاق على المدى القصير مع هذا الضغط الدولي الكبير على الفلسطينيين لمجرد قبول "صفقة القرن" دون أي حلول عملية تضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية.

علاوة على ذلك، يجعل العقاب الجماعي لأهالي غزة، من خلال السياسة المصرية الحالية بإغلاق معبر رفح، غزة قنبلة موقوتة قد تنفجر مرة أخرى في أي وقت.

المصدر | إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

قطاع غزة معبر رفح صفقة القرن القضية الفلسطينية

مصر تغلق معبر رفح في الاتجاهين يوما واحدا

مصر تسمح بإدخال عالقين لغزة عبر معبر رفح