40 عاما على الثورة الإسلامية.. هل تنتظر إيران ثورة جديدة؟

الثلاثاء 12 فبراير 2019 09:02 ص

ما الذي يحدث الثورة؟

يلعب الاستياء الجماهيري من النظام دورا بالتأكيد، ولكن الغضب ليس سوى المكون الأول.

لقد كانت ثورة 1979 الناجحة في إيران، التي أطاحت بالشاه "محمد رضا بهلوي"، نتيجة لتجمع عدة عوامل.

فقد استاء الناس من القمع السياسي للنظام، وإصلاحاته التي خلفت العديد من الفقراء والمشردين.

وكان يُنظر إلى الشاه، على نطاق واسع، على أنه دمية غربية تم تنصيبها بعد الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا "محمد مصدق".

وبشكل حاسم، أراد رجال الدين في إيران إقامة جمهورية إسلامية حديثة.

واليوم، تواجه إيران تهديدات من جميع الاتجاهات، وقد تقترب من حافة الهاوية، وهناك أصداء لذكرى عام 1979 في أزمة اليوم، ولكن هناك اختلافات كبيرة أيضا.

وفي الذكرى الـ40 للثورة الإسلامية، نلقي نظرة إلى الوراء لنرى ما يمكن أن يعلمه لنا عام 1979 حول إيران اليوم.

إيران الثورة

كانت القوة الدافعة لغضب الإيرانيين في عام 1979 هي تداعيات إصلاحات الشاه التحديثية، وكان للشاه دافعان أساسيان لهذه الإصلاحات، إضعاف مراكز القوة والثقل في البلاد، واسترضاء الولايات المتحدة، في محاولة للاحتفاظ بالسلطة.

صادرت حكومة الشاه ممتلكات الملاك، وأعادت توزيعها على الفلاحين، وتم تأسيس هذا النموذج على حساب هياكل السلطة التقليدية التي كانت قد ربطت العامل بالمالك في علاقة إقطاعية تقريبا.

ولكن لم يكن أصحاب العقارات هم الطبقة الوحيدة التي سعى الشاه لإضعافها، فقد تم تجريد رجال الدين، وهم مركز آخر للسلطة، من دورهم في الفصل في بعض النزاعات القانونية التي ظلت خارج نطاق سلطة الحكومة.

وفي كلتا الحالتين، كان الشاه يعمل على الحد من احتمال ظهور معارضة قوية تتحدى نظامه.

ولم يكن الشاه الوحيد الذي يشعر بالقلق حول قبضته على السلطة، فالولايات المتحدة، الداعم الرئيسي الذي ساعد الشاه في الانقلاب ضد "مصدق"، كانت تخشى أن تكون الظروف في إيران ناضجة بما يكفي لقيام ثورة شيوعية.

وكان الزعيم السوفييتي "نيكيتا خروتشوف"، في وقت من الأوقات، قد أعلن بأن "النظام في إيران سوف يسقط مثل تفاحة متعفنة".

وكانت الولايات المتحدة تعتقد أنه إذا استطاعت إيران تحقيق تنمية اقتصادية سريعة، فإنها ستزيد من مستوى المعيشة وتتفادى ثورة طبقية، وضغطت على الشاه لإجراء التغييرات.

لكن جاءت الإصلاحات بنتائج عكسية، فلقد أدى الخرق المفاجئ للعلاقات التقليدية، والتغيرات الاجتماعية السريعة الأخرى، إلى ترك الكثير من الناس في طي النسيان، حيث نشأت المعارضة في وقت واحد عبر العديد من الطبقات الاجتماعية.

وقد أنشأ هذا تحالفا ملحوظا، شمل الطبقة الوسطى المحرومة، التي سخطت على الشاه لعرقلته تجارتها، والإيرانيين الريفيين، الذين تعززت حياتهم بفضل إصلاحات الأراضي، كما ضم الملاك، الذين تم تجريدهم من ممتلكاتهم، وحتى الأكاديميين والطلاب، الذين رأوا نظام الشاه مجرد نظام قمعي يقمع حرية الفكر والتعبير، ورجال الدين الذين تراجعت قوتهم بسبب النظام.

وقد بدأت هذه المعارضة الهائلة تتجمع حول هدف مشترك، ألا وهو إسقاط الشاه.

ولكن بقي سؤال رئيسي، من سيحل محله؟ وكان الجواب هو العلماء الإسلاميون المحترمون بشدة دينيا وقانونيا حيث يمكن لهؤلاء العلماء ورجال الدين أن يوحدوا المعارضة تحت عباءة دينية، تربط بين المصالح المتباينة في إطار هوية مشتركة وعادلة.

وبمجرد توحيد المعارضة، لم يمض وقت طويل قبل سقوط الشاه.

إيران اليوم

وبعد 40 عاما، تعاني إيران من مشاكل مألوفة، أهمها الاقتصاد المتهالك، وقد أدى انهيار العملة الإيرانية، "الريال"، إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وتآكل مدخرات الفقراء والطبقة المتوسطة على حد سواء.

وأصبح الغذاء مكلفا للغاية، وفقا للتقارير التي ظهرت في أواخر العام الماضي، في حين يكتظ النظام المالي بالقروض المتعثرة، وتكافح البنوك لإيجاد مصادر تمويل لإعادة الرسملة.

وفي الوقت نفسه، يؤثر الجفاف على 97% من البلاد، ويؤثر الجفاف الشديد على 28% من السكان، ما يدفع المزارعين والعاملين الزراعيين إلى المناطق الحضرية بحثا عن سبل عيش بديلة، ويلقى الناس باللوم على سوء إدارة الحكومة للمياه في تفاقم المشكلة.

علاوة على ذلك، واجه النظام عام 2018 احتجاجات واسعة النطاق على مستوى الدولة، جزئيا بسبب تخفيضات الإعانات النقدية، حيث تم استخدام المدخرات الحكومية لتمويل العمليات العسكرية الإيرانية في الخارج، وقد تمت إعادة الإعانات في وقت لاحق لاسترضاء المتظاهرين.

وإضافة إلى هذا المأزق، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران العام الماضي، ما أدى إلى خفض صادراتها من النفط، أكبر مصادر الدخل في البلاد.

وكما هو الحال في الأعوام التي سبقت عام 1979، تضرب الصعوبات الاقتصادية شريحة واسعة من سكان إيران، ويتضرر الجميع، مثل المزارعين الذين لا يستطيعون العثور على المياه أو دفع ثمن العلف للماشية، أو التجار الذين لا يستطيعون استيراد منتجاتهم، وكذلك أي شخص تم نسف مدخراته بسبب فشل العملة.

وحتى بعد الحملة الأمنية القمعية، وتنازلات النظام خلال احتجاجات أوائل عام 2018، لا تزال المظاهرات تخرج بانتظام في جميع أنحاء البلاد.

وأصبح الوضع الاقتصادي الإيراني شديد الصعوبة، لدرجة أن قيادات البلاد تدرس اتخاذ تدابير صارمة.

وفي 6 فبراير/شباط، ذكرت وسائل إعلام أن "علي لاريجاني"، رئيس البرلمان الإيراني، قال إن "علي خامنئي" يريد تنفيذ "إصلاحات هيكلية" في غضون الأشهر الأربعة المقبلة.

ولكن عندما نشأت أسئلة حول ما ستفعله هذه الإصلاحات بالضبط، سرعان ما تراجع مكتب العلاقات العامة في البرلمان عن التصريح.

ويعرف رجال الدين في إيران كيف ساهمت إصلاحات الشاه الهيكلية في تأجيج غضب الناس، كما يدركون أن مثل هذه الإصلاحات قد يكون لها عواقب غير مقصودة وغير قابلة للسيطرة عليها.

ومن ثم، فإن تصريحات مثل تصريحات "لاريجاني" تعد خطيرة، وترفع مثل تلك التصريحات توقعات التغيير الحقيقي، والذي قد يؤدي إلى خيبة أمل، وحتى إلى مشاعر معادية للنظام، إذا لم يشهد الناس تحسينات كبيرة في الظروف الاقتصادية.

ومع تنحية إعلان "لاريجاني" جانبا، يبدو من المرجح أن النظام يفكر في المزيد من التغييرات الجادة لتهدئة الاستياء العام المتزايد.

وبعد كل شيء، من الصعب مواجهة ثورة مقارنة بتجنبها في المقام الأول،  ويشير مجرد النظر في الإصلاحات، كما حدث عام 1979، إلى أن النظام ينظر في خيارات تتجاوز مجرد تهدئة الوضع الراهن.

ومع ذلك، لا تواجه إيران اليوم نفس الضغوط التي كان عليها مواجهتها عام 1979، فلا يوجد حليف قوي يدفع باتجاه الإصلاح، ولا تزال الولايات المتحدة تمارس الضغط، لكنها لم تعد حليفا، وقد فشلت العقوبات في فرض تغييرات كاسحة في إيران في الماضي.

ومع وجود مساحة أكبر للتنفس، سيكون النظام الحالي قادرا على تخفيف آلام الإصلاحات عبر خطط تدريجية، على أمل تجنب استعداء الفقراء والأغنياء والحضر والريف في آن واحد.

لكن الإصلاحات الهيكلية قد تؤثر أيضا على فيلق "الحرس الثوري الإيراني"، وعند الصعود إلى السلطة، أسس رجال الدين "الحرس الثوري"، ليكون بمعزل عن سلسلة القيادة العسكرية، ولحماية الثورة ورجال دينها الحاكمين.

ويسيطر الحرس الثوري الإيراني على جزء كبير من الاقتصاد، حيث تقول بعض التقديرات إنه يسيطر على ثلث الاقتصاد، ويحتل أعضاؤه مناصب قيادية حكومية مهمة.

ويبدو من غير المحتمل أن تصادر الحكومة ثروة الحرس الثوري الإيراني، مثلما قام الشاه بمصادرة ممتلكات ملاك الأراضي، لكن على النظام أن يقوم بموازنة صعبة في الميزانية؛ حيث يجب عليه أن "يشد الحزام"، بينما يظل الحرس الثوري الإيراني راضيا.

وقد سمح "خامنئي" للحكومة بأن تستفيد من صندوق التنمية الوطني، للحفاظ على وتيرة الإنفاق الدفاعي.

ومن الجدير بالذكر أن صندوق التنمية الوطني هو عبارة عن صندوق ثروة سيادي يهدف إلى الاستثمار في مشاريع ذات عوائد اقتصادية، مثل البنية التحتية ومواقع النفط، ولا يتم إنفاق أمواله في العادة على الدفاع.

وقد يضطر النظام أيضا إلى خفض إنفاقه على التعهدات في الخارج، وفي الواقع، يعد الضغط على الميزانية السبب الرئيسي في توقع انسحاب إيران من اليمن وسوريا في عام 2019.

وفي الوقت نفسه، دعا "خامنئي"، والرئيس "حسن روحاني"، الحرس الثوري الإيراني إلى التخلي عن بعض ممتلكاته الاقتصادية، واعتقلت الحكومة 10 من أعضاء الحرس الثوري الإيراني والمرتبطين به بغرض سداد بعض الأرباح غير المدفوعة.

وردا على ذلك، قام الحرس الثوري الإيراني بالتخلي عن أسهمه في شركة الاتصالات الإيرانية.

ولا تزال هذه التحركات تبدو كأنها إيماءات رمزية، فمن غير المحتمل أن يسيء رجال الدين الإيرانيون إلى سلطة الحرس الثوري الإيراني بما يكفي لإثارة غضب القوة ذاتها التي تضمن بقاءهم.

ثورة أخرى؟

وعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات، لكنها تفتقر إلى هدف مشترك يجمع الفصائل الثورية مثل عام 1979، لكن لا يعني هذا أن تغيير النظام أمر مستحيل.

ويعد الحرس الثوري الإيراني أقوى منظمة في إيران، وفي حالة حدوث انتفاضة على مستوى البلاد بشعارات مثل "يسقط رجال الدين"، فهو الكيان الأكثر قدرة على الاستفادة من الفراغ الناتج عن السلطة وشغله.

ولن يكون ذلك بمثابة ثورة اجتماعية من النوع الذي شهدناه في عام 1979، بل ثورة سياسية، أو انقلاب، يضع البلاد تحت السيطرة العسكرية.

ولا يبدو أن إيران على وشك الانهيار، لكن قادتها يجدون عددا متقلصا من الحلول لمشاكل البلاد.

وهناك خيارات قليلة تخاطر بإعادة ترسيخ نوع المعارضة الذي أدى إلى صعود النظام الحالي في المقام الأول، لذا فمن المرجح أن يواصل قادة إيران القيام بما يقومون به على أفضل وجه، وهم يقرعون صدورهم ويطلقون الصواريخ ويتفاخرون بقوة النظام، بينما يحاولون جاهدين إدارة التحول الاقتصادي الذي يرضي الجمهور الإيراني، دون تدمير النظام نفسه.

  كلمات مفتاحية

الثورة الإيرانية احتجاجت إيران العقوبات الإيرانية الحرس الثوري الإيراني

ذا أتلانتيك: قادة إيران يواجهون مشكلة لا يمكنهم حلها