ذا أتلانتيك: قادة إيران يواجهون مشكلة لا يمكنهم حلها

الجمعة 24 يناير 2020 10:48 م

عندما خطب المرشد الإيراني "علي خامنئي" خطبة صلاة الجمعة في المسجد الكبير بطهران للمرة الأولى منذ 8 أعوام، وصف إسقاط إيران لطائرة الخطوط الجوية الأوكرانية رقم 752 على يد القوات الإيرانية بأنه "حادث مرير" يحاول الأعداء في الخارج استغلاله كذريعة لتشويه سمعة الجمهورية الإسلامية. لكن التهديد الحقيقي للنظام، الذي قضى عقودا في محاولة تدعيم حكمه، هو استياء الشعب الإيراني.

وكان كل من تحطم الطائرة في 8 يناير/كانون الثاني، وما تلاه من محاولة للتستر على الحادث، قد أثار من جديد المظالم التي تشكل غضب الإيرانيين تجاه حكومتهم. ففي حين كشف سقوط الطائرة الأوكرانية عن تجاهل الحكومة لمواطنيها بشكل سيء، فإن قمعها المتواصل للاحتجاجات اللاحقة أكد عدم استعدادها لأية مساءلة ذات معنى.

وبعد عقود من العقوبات الدولية التي تعرقل قدرة إيران على شراء طائرات وقطع غيار جديدة، أصبح أسطول الطائرات في البلاد قديما ومعرضا للكوارث، لدرجة أن التقارير الأولية حول الحادث والتي تشير إلى مشاكل في المحرك بدت معقولة للأشخاص الذين يدركون مخاطر الطيران. لكن التفسيرات المبكرة لإسقاط الرحلة 752 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية سرعان ما انهارت تحت وطأة الأكاذيب الواضحة.

وفي الواقع، تم إسقاط الرحلة 752 بواسطة الدفاعات الجوية الإيرانية. وفي سياق الانتقام من الولايات المتحدة بسبب الضربة التي نفذتها عبر الطائرات بدون طيار، التي أسفرت عن مقتل الجنرال "قاسم سليماني"، يبدو أن القادة العسكريين الإيرانيين قد أخطؤوا بالاشتباه في الطائرة النفاثة بأنها صاروخ كروز أمريكي جديد.

لكن هذه المأساة لم تكن لتحدث لو اتخذت طهران الاحتياطات الواضحة بوقف الحركة الجوية المدنية مع بدء شن الهجمات الصاروخية على القوات الأمريكية في العراق، لكن القادة الإيرانيين رفضوا اتخاذ هذه الخطوة.

ونقلا عن مصادر لم تسمها، ذكرت قناة إيران الدولية، التي تصدر باللغة الفارسية ومقرها لندن، والتي تنتقد الحكومة الإيرانية في كثير من الأحيان، أن المسؤولين اعتقدوا أن وجود طائرة مدنية في السماء من شأنه أن يردع أي هجمات أمريكية مضادة محتملة.

وتحولت الوقفات الاحتجاجية لصالح 176 من ضحايا الحادث، ومعظمهم من المواطنين الإيرانيين أو من ذوي الجنسية المزدوجة، على الفور تقريبا إلى احتجاجات مناهضة للنظام في جميع أنحاء البلاد.

وقبل أيام من ذلك فقط، سار الملايين في الشوارع للاحتفال بذكرى القائد الإيراني البارز الذي أدى مقتله إلى التصعيد الأخير للتوترات الأمريكية الإيرانية. وفجأة، بدلا من المسيرات التي نظمتها الحكومة، التي رددت "الموت لأمريكا"، هرع الشباب الإيراني إلى الشوارع لانتقاد قياداتهم ووصفهم بالكذابين. وفاجأ عمق الغضب العديد من المراقبين الخارجيين.

وكان قتل "سليماني" في 3 يناير/كانون الثاني، ودورة التصعيد التي أثارها، يميل إلى أن يطغى على الثمن الذي دفعه المواطنون العاديون في إيران بالفعل في هذه الجولة الأخيرة من الصراع طويل الأمد بين طهران وواشنطن، وهو ثمن أكبر بكثير من الثمن الذي دفعه نظرائهم في أمريكا.

وأسفر تدافع وقع وسط جنازة لـ"سليماني" في مدينة كرمان الإيرانية عن مقتل أكثر من 50 إيرانيا وجرح عدة مئات. وتأتي هذه الخسائر، ومقتل ركاب الرحلة 752، بعد شهرين فقط من قيام قوات الأمن الحكومية بقتل ما يصل إلى ألفا و500 إيراني خلال الاضطرابات التي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني.

وتتحدث كل هذه الأحداث عن تاريخ طويل من المعاناة التي تم فرضها على الإيرانيين على يد قادتهم وخصومهم على حد سواء.

وفي موجات الاضطرابات المتتالية التي هزت إيران على مدى الأعوام القليلة الماضية، أظهر المتظاهرون غضبهم مطالبين بحكومة تعطي الأولوية للاحتياجات الأساسية للمواطن قبل الضرورات الأيديولوجية للحكام. واستنتج البعض أن سعي إيران للحصول على القوة الإقليمية، بما في ذلك دعمها لوكلاء مثل "حماس" و"حزب الله"، جاء على حساب تطور البلاد. 

ويتردد هذا النقد داخل المؤسسة السياسية نفسها. وقد تبادلت مختلف الفصائل في النظام الحاكم الاتهامات بشأن المسؤولية عن سلسلة من الكوارث الطبيعية والبشرية، بما في ذلك حريق يناير/كانون الثاني 2017، الذي دمر مبنى تاريخي في طهران وقتل أكثر من 10 من رجال الإطفاء، وزلزال مدمر عام 2017، وفيضانات شهدتها المحافظات في جميع أنحاء إيران في الآونة الأخيرة.

وتشهد البلاد ما وصفه الصحفي "كريستيان أوليفر" مؤخرا بأنه "أزمة كفاءة"، وشعور متزايد بين السكان بأن الحكومة التي أصبحت شرعيتها مرتبطة بشكل متزايد بنوعية الحياة بدلا من الحماس الثوري لم تعد قادرة على إيصال السلع لشعبها. وفي الشوارع، أثبتت لعبة اللوم بين الفصائل أنها غير ذات صلة؛ حيث تنتقد الاحتجاجات النظام ككل.

وتكمن وراء هذه المشاعر قوة دافعة عميقة الجذور نحو تحقيق المساءلة، وهي نتيجة منطقية لعقود من النضال من أجل حكومة تمثيلية داخل إيران. لكن يبقى التستر والإنكار جزءا من الحمض النووي للجمهورية الإسلامية، وعادة ما يتم احتجاز وإسكات المسؤولين الذين يفضحون استخدام النظام المستمر للعنف ضد السكان أو الفساد في مؤسسات الدولة.

ويعد القبول السريع للمسؤولية الرسمية عن إسقاط "الرحلة 752" استثناءً نادرا. وكما أوضح المحامي الإيراني الأمريكي لحقوق الإنسان "جيسو نيا"، فإن العديد من الإيرانيين مقتنعون بأن المأساة كانت سيتم سردها بطريقة مختلفة تماما لو كان تحطم الطائرة شأنا داخليا بحتا. على النقيض من ذلك، شمل الحادث ضحايا من جنسيات مختلفة، على متن طائرة أمريكية الصناعة، تابعة لشركة طيران أوكرانية، متجهة إلى كندا، الأمر الذي جذب المجتمع الدولي إلى الحادث وأجبر الجيش الإيراني على الاعتراف بخطأه الخطير.

وحتى مع ذلك، لا يبدو أن طهران تميل حتى الآن إلى مساءلة قادتها. وحتى الآن، تم توجيه الإجراءات القضائية الظاهرة الوحيدة المتعلقة بالضربة الصاروخية التي أسقطت الطائرة الأوكرانية إلى أولئك الذين ساعدوا في جعل الحقيقة معروفة للعالم.

وبحسب ما ورد، اعتقلت إيران الشخص الذي سرب الفيديو الذي ساعد على تأكيد الشكوك التي عبر عنها المسؤولون الكنديون والأمريكيون في البداية حول الحادث.

وفي النهاية، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن الاعتراف العلني بالخطأ من قبل الجيش الإيراني بإسقاط الطائرة سيؤدي إلى أي نوع من المساءلة الحقيقية للنظام الحاكم نفسه. فيما تتعامل المؤسسة الأمنية الإيرانية بالفعل مع صدمة فقدان "سليماني"، أحد أكثر شخصياتها نفوذا.

علاوة على ذلك، ليس من الواضح أن مسؤولية إسقاط الطائرة الأوكرانية خطأ الجيش وحده. ففي النهاية، أشار الإعلام الإيراني إلى الدور الذي لعبه "خامنئي" في الإشراف على الهجوم الصاروخي من مركز العمليات العسكرية. ويتناقض عدم اهتمام حكومته الرسمي بحياة الإيرانيين بشكل صارخ مع الدقة التي أظهرها الجيش الإيراني في تجنب إحداث وفيات في صفوف الأمريكيين في العراق وأماكن أخرى.

وربما يجب أن تأتي المساءلة الحقيقية عن إسقاط "الرحلة 752" من المتظاهرين الذين تحاول حكومة "خامنئي" جاهدة إبعادهم. وبحلول اليوم الخامس للاحتجاجات، كان عددهم قد تضاءل بسبب تواجد الشرطة القوي وكذلك الغاز المسيل للدموع وإطلاق النار خلال الأيام القليلة الماضية. لكن بغض النظر عما سيحدث في هذا الاضطراب الأخير، فلن تكون نهاية التحديات التي تواجه القيادة الإيرانية من قبل مواطنيها.

ويبدو أن الحزن والغضب من سقوط الطائرة قد نبع من دائرة انتخابية مختلفة عن أولئك الذين احتشدوا في نوفمبر/تشرين الثاني وفي جولات سابقة من الاضطرابات بسبب شكاوى الصعوبات الاقتصادية وعدم المساواة.

فقد كان المتظاهرون في السابق في المقام الأول من الشباب الفقراء، الذين كانوا غاضبين ويائسين بسبب افتقارهم إلى الفرص، والفساد الذي يعم النظام. هذه المرة، تركزت الاضطرابات حول الجامعات الإيرانية، وكانت الأصوات المنددة بحكومة الجمهورية الإسلامية هي أصوات الطلاب والطبقة المتوسطة. وبالنسبة إليهم، كان هناك صدى كبير لمقتل الإيرانيين الحاصلين على تعليم عالٍ، وكانوا في طريقهم للخارج لأجل بناء مستقبلهم.

وما يعنيه هذا هو أن الجمهورية الإسلامية، ومرشدها الأعلى البالغ من العمر 80 عاما، يجب عليهما الآن مواجهة مصادر متعددة من عدم الرضا الشعبي ، في وقت تتزايد فيه الضغوط الخارجية وتشهد البلاد تحولات في القيادة، سواء من خلال الانتخابات المقبلة أو الخلافة الحتمية التي ربما اقتربت في قمة الحكم.

لقد نجحت إيران الثورية بتجاوز المياه الخطرة مرارا وتكرارا على مدار العقود الـ 4 الماضية، لكن التيارات المضادة أصبحت غير متوقعة أكثر من أي وقت مضى.

المصدر | سوزان مالوني - ذا أتلانتيك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الطائرة الأوكرانية المنكوبة بإيران مقتل سليماني احتجاجات إيران

40 عاما على الثورة الإسلامية.. هل تنتظر إيران ثورة جديدة؟

ستراتفور: الضغط الأمريكي يخدم المتشددين في إيران