بلومبرغ: الخونة بديل الكفار في نسخة بن سلمان للقومية السعودية

الاثنين 4 مارس 2019 08:03 ص

بينما كانت الإعلامية السعودية "منى أبو سليمان" مسترخية في فراشها، الشهر الماضي، تلقى هاتفها تنبيها بخبر مفاده أن مفتي المملكة "عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ" توفي، وهو الخبر الذي شاركته مع 544 ألف متابع لها على "تويتر"، بعدما تحققت أن التنبيه من مصدر رسمي، الأمر الذي مثل سوء تقدير كارثي.

فمشاركة الخبر، الذي ثبت عدم صحته فيما بعد، جعلت مقدمة البرامج الحوارية السابقة متورطة بعمق في صراع قبيح حول ما يعنيه أن يكون المرء سعوديا في ظل مملكة تشكل "هوية جديدة" في عهد ولي عهدها الشاب "محمد بن سلمان".

ورغم أن "منى" حذفت مشاركة الخبر واعتذرت عنه، إلا أن الضرر كان قد وقع عليها بالفعل، إذ قضت ليال عديدة بلا نوم وهي تشاهد تغريدة تلو أخرى تصفها بأنها "خائنة" يجب تجريدها من جنسيتها.

لكن ردود الأفعال المسيئة للإعلامية السعودية لم تتضمن وصفها بالكافرة، باعتبارها واحدة من نساء قليلات ظهرن على شاشة التلفزيون بوجه مكشوف في أوقات أقل تساهلا مع ذلك، لتتحدى ذات الـ45 سنة الأعراف الاجتماعية التي يؤيدها رجال الدين المتشددين.

ولم يكن ذلك سهوا، فالمملكة تشهد تطويرا لصيغة هوية قومية صارمة، تقلل من عقيدة دينية ارتبطت في الخارج بالإرهاب، وتشجع على تبجيل الحاكم الفعلي الأمير "محمد بن سلمان"، الذي يسعى لإجراء إصلاحات اقتصادية شاملة.

وفي ظل الجهود المبذولة للحفاظ على الدعم المحلي لإعادة تصميم العقد بين الدولة السعودية والمواطن، فإن الخونة -وليس الكفار- هم العدو الجديد.

وبدا أن العديد من السعوديين أخذوا زمام مبادرة هذا الاستبدال من الخطاب الرسمي للدولة، ما ظهر جليا في توجيه الاتهامات بالخيانة عبر الإنترنت، ونشر عناوين تهديدة على صفحات الجرائد الأولى، تستهدف أي شخص يتهمونه بأنه يسيء لصورة المملكة.

وفي هذا الإطار، قال عضو مجلس الشورى السعودي "عبدالله الفوزان" في خطاب متلفز تم بثه في وقت متأخر من العام الماضي: "إذا كان الشخص محايدا أو يقف مع العدو ضد هذا البلد، فمن حقنا أن نطلق عليه خائنا".

خطر مجتمعي

ويكمن خطر هكذا خطاب في أنه قد يدمر مجتمعا، يعاني بالفعل من الضغوط الناجمة عن التكاليف التي فرضتها إصلاحات "رؤية 2030" التي أطلقها "بن سلمان"، ويثني المستثمرين الأجانب والسائحين، الذين يريد جذبهم.

ولذا شددت "منى" على ضرورة أن  "تتدخل الحكومة بقوة كبيرة، وأن تتأكد من أن حملات الكراهية هذه لا تنتهي بتدمير نسيج المجتمع"، مشيرة إلى أن هكذا حملات تلطخ التغييرات الإيجابية التي تفخر بها في المملكة.

غير أن المسؤولين بالمملكة لا يسارعون إلى إنهاء تلك الحملات القائمة على عقلية "إما معنا أو ضدنا"، والتي يراها بعض السعوديين مطلوبة لقيادة الوطن خلال عملية انتقال صعبة.

ففي إطار خطته لحياة السعوديين في ظل اقتصاد لا يعتمد على النفط كمصدر أحادي للدخل، ينهي "بن سلمان" حقبة من الخدمات الرخيصة والتسوق الخالي من الضرائب والوظائف الحكومية الوفيرة، كما يخفف من القيود الاجتماعية، ويزيل الحظر عن دور السينما وقيادة النساء للسيارات، في ذات الوقت الذي تلقي فيه السلطات القبض على عشرات المعارضين السياسيين.

ويقف وراء هذه المعادلة "سعود القحطاني"، أحد كبار مساعدي ولي العهد السعودي، الذي بدأ، في عام 2017، بإذكاء قناعة مفادها أن المملكة مهددة من قبل خصومها في الداخل والخارج.

أنشأ "القحطاني" وسما بقائمة سوداء عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحث السعوديين على تسمية "المرتزقة" الذين أخذوا الجانب القطري في نزاع الأزمة الخليجية.

ورغم أنه خسر وظيفته الرسمية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على خلفية التحقيق بدوره في جريمة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي"، إلا أن العقلية التي رعاها "القحطاني" واصلت الانتشار.

وفي هذا الإطار، فإن التأكيدات الأجنبية بأن "بن سلمان" كان على علم بعملية اغتيال "خاشقجي" هي في الواقع "مؤامرة" لإلحاق الضرر بمصداقيته، بالنسبة للقوميين السعوديين.

ترامبية سعودية

ثمة صدى لشعارات مستوحاة من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في خطاب هؤلاء القوميين، مثل: "السعودية أولا" و"السعودية العظمى"، غير أن ما يجري بالمملكة من تغيير له مذاقاته المحلية أيضا. 

وعن ذلك تشير الزميلة السعودية الزائرة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "إيمان الحسين" إلى أن النزعة القومية "جاءت في وقت لم تكن فيه السعودية تحاول الحد من الهوية الدينية داخل البلاد فحسب، بل كانت تتبع أيضا سياسة خارجية أكثر حزما".

وإزاء ذلك، يبدو شعور الفخر واضحا بين أولئك الذين كانوا يأملون طويلا في التغيير الاجتماعي وازدهار البضائع الوطنية، الأمر الذي بدا جليا في سوق طيبة بالرياض، إذ تباع القمصان التي تحمل شعار (رؤية 2030) بـ 25 ريالا (6.7 دولارات)، وبجوارها دبابيس تحمل صورة "بن سلمان" بـ50 ريالا.

وعبر رجل الأعمال الأمير "طلال الفيصل" عن هذا الشعور بقوله: "كان الافتخار بكوني سعودي، على وجه الحصر، محظورا في وقت من الأوقات"، مضيفا: "تذهب إلى أي مكان في العالم وتخرج من الطائرة فإن أول ما تراه في المطار هو: أحب فرنسا أو باريس أو لندن - نحن فقط نلحق بالركب".

واعتبر "الفيصل" القوميين المتطرفين في السعودية أقلية "لا ينبغي الخلط بينها وبين الأغلبية الوطنية التي تحب بلادهما وتريد تحسينها"، حسب قوله.

وفي المقابل، يختلف السعوديون حول المسؤول عن الجانب الخبيث من التحول الجاري بالمملكة، إذ يرى بعضهم أنه "يدار من أعلى" بينما يرى البعض الآخر أن ظاهرة اجتماعية نشأت من أسفل.

ويستدل الشاب "عبدالعزيز"، ذي الـ25 عاما، الذي طلب عدم نشر اسمه الثاني، على الترجيح الأول بأن السعوديين الذين يؤيدون النزعة القومية الإقصائية هم أنفسهم الذين داهنوا "القحطاني" مؤخرا عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووصفوه بأنه "مواطن مخلص".

بينما يرى "خالد العثمان"، وهو رئيس شركة محلية للتنمية الحضرية، أن الملك "سلمان بن عبدالعزيز" وولي عهده لا يؤيدان تأجيج تلك النزعة، لأنها "ضد مصالحهما" حسب تعبيره، مرجحا أن يكون انتشارها في إطار "الدفاع عن الذات".

واستدل "العثمان" على ترجيحه بأن إدارة نزعة قومية إقصائية في وقت تريد فيه المملكة بناء جسور مع العالم لا يمكن أن يدار من أعلى.

أثر اجتماعي

وأيا من كان المسؤول، فالمؤكد أن القومية الإقصائية بالمملكة تفضي إلى تغييرات سلوكية واجتماعية، وهو ما عبر عنه شاب سعودي بقوله إنه ترك ساحة "تويتر" لتجنب تلك الأسئلة المتعلقة بولائه.

وفي الإطار ذاته، تعرضت "صوفانا دحلان"، وهي محامية في جدة تبلغ من العمر 40 عاما، لحملة تشويه، العام الماضي، بعد نشر مقطع فيديو مجتزأ لخطاب ألقته، عام 2013، حول التحديات التي تواجهها كونها امرأة سعودية.

واتهم أحد المهاجمين "صوفانا" بـ "التشهير بالدولة" عبر شبكات التواصل، ونشر صور لها في قطر قبل سنوات من الأزمة الدبلوماسية الخليجية، كما تلقت مكالمات هاتفية في مكتبها من غرباء حذروها من "توقع مأتم"، وفوجئت بعبارة مكتوبة على سيارتها تندد بـ"الخائن الذي يستحق الموت".

ولم يسفر إبلاغ المحامية السعودية للشرطة عن تأثير يذكر، ولذا طلبت المساعدة من "خالد الفيصل"، أمير منطقة مكة المكرمة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكانت على وشك إرسال أطفالها إلى الخارج، لكن الإساءات والتهديدات توقفت بعد يوم واحد، تزامنا مع جريمة اغتيال "خاشقجي".

تشعر "صوفانا" بالامتنان لانتهاء ما تعرضت له، لكن إحساسها بالأمان تحطم، "فالشعور بالأمان حالة ذهنية، يبدو أنها لن تعود أبدا"، حسب قولها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية منى أبو سليمان محمد بن سلمان عبدالله الفوزان الرياض قطر سعود القحطاني جمال خاشقجي طلال الفيصل صوفانا دحلان

السعودية تتعاقد مع شركة أمريكية لترميم صورة بن سلمان