هل تضم حكومة إسرائيل الجديدة الضفة الغربية؟

الجمعة 10 مايو 2019 11:22 م

بينما يتم تشكيل حكومة إسرائيلية أخرى برئاسة رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، فإن مسألة الكيفية التي ستتعامل بها مع قضية ضم جزء أو كل الضفة الغربية المحتلة تأتي في المقدمة. ومع تزايد الدعم المحلي للتحرك في هذا الاتجاه وخاصة مع البيت الأبيض الأكثر دعما على الإطلاق، قد يقرر القادة الإسرائيليون أن هذه فرصة نادرة للمطالبة بمزيد من الأراضي الفلسطينية.

السياسة الإسرائيلية الداخلية

بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ظهرت صورة أكثر وضوحا عن الحكومة المقبلة التي ستقود الدولة الإسرائيلية وهي صورة مألوفة جدا. وسيقوم ائتلاف قومي ديني يميني بقيادة "نتنياهو" والليكود بتشكيل حكومة جديدة تمثل إزاحة جديدة نحو اليمين في الطيف السياسي الإسرائيلي.

كان موسم الحملة الانتخابية مشحونا لثلاثة أسباب مختلفة. أولا: تم تلوينه بالعنصرية الصارمة والمعادية للفلسطينيين عبر معظم الطيف السياسي الإسرائيلي. ثانيا: اتسم بالغياب الصارخ لمسألة السلام مع الفلسطينيين كقضية انتخابية. ثالثا: نظرا لملاحظات نتنياهو في الأيام الأخيرة من الحملة، كان هناك نقاش مفتوح حول احتمال ضم (إسرائيل) لبعض أو كل الضفة الغربية المحتلة.

على الرغم من الانتخابات المتكررة نسبيا التي قد تعطي انطباعا عن وجود نظام سياسي غير مستقر، فقد أظهرت السياسة الإسرائيلية فعليا اتجاها ثابتا ومستمرا على مدار العقدين الأخيرين مع التحول الملحوظ نحو اليمين. وفي حين لا تزال هناك قضايا مثيرة للخلاف بدرجة كافية لإسقاط الائتلافات القومية الدينية اليمينية مثل مسألة التجنيد العسكري للمتدينين المتطرفين، فإن اليمينيين يكتسبون المزيد من الأرض، فيما لا يزال الحزب اليميني الرئيسي، الليكود، قويا ونابضا وقادرا على جمع ما يقرب من ربع الناخبين. وفي حين حصل خصوم الليكود على ربع الأصوات أيضا، يتم تقسيم ما تبقى من الناخبين بين عدة أحزاب أصغر، غالبيتها أحزاب يمينية يمكن لليكود الاعتماد عليها للاستمرار في الحكم. وفي هذا السياق، يلعب المستوطنون الإسرائيليون دورا كبيرا مع زيادة أعدادهم وإقبالهم على التصويت مقارنة بالفئات الأخرى. وقد حصلت ثلاثة أحزاب يمينية على أقل بقليل من عتبة 3.25% المؤهلة للحصول على المقاعد، ومع ذلك، فإن الأصوات التي حصلوا عليها تبين أن الانتخابات كان من الممكن أن تسفر بسهولة عن ائتلاف من 70 إلى 75 مقعدا لليمين.

تعزز هذه النتائج الشعور بالهيمنة لدى اليمين الإسرائيلي وتسمح له بتشكيل المجال السياسي لسنوات. ونظرا لأن اليمين أصبح يشكل الاتجاه السائد، فقد أجبر أحزاب المعارضة على التكيف من خلال المضي قدما نحو اليمين نفسه. والنتيجة هي وجود جمهور كامل من الناخبين يتحرك نحو اليمين بمرور الوقت.

ويقدم الاستطلاع الأخير الذي أجرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بعض الأفكار عن آراء الناخبين من مختلف الأحزاب عندما يتعلق الأمر بمسألة ضم جزء أو كل الضفة الغربية. ويدعم حوالي 46% من الناخبين الذين يدعمون حزب العمل -الذي يُنظر إليه غالبا على أنه اليسار الصهيوني التقليدي- ضم المنطقة "ج"، التي تشكل حوالي 60% من الضفة الغربية. ويؤيد 42% من المجيبين بشكل إجمالي شكلا من أشكال الضم. فبما يؤيد 25% من المجيبين الذين يدعمون أكبر حزب معارض، برئاسة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق "بيني غانتز"، ضم المنطقة "ج" ومن المثير للاهتمام، أن هذا يمثل أكثر من ضعف عدد مؤيدي الليكود (12%) الذين يدعمون ضم المنطقة (ج) بشكل كامل.

لطالما عارض حزب الليكود مسألة إقامة دولة فلسطينية. ويرفص برنامج الحزب "رفضا قاطعا" الفكرة ويلتزم بدعم وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة التي يشار إليها باسم يهودا والسامرة. وبينما يعارض الليكود قيام الدولة الفلسطينية، فإنه يعارض أيضا دمج الفلسطينيين بموجب القانون الإسرائيلي لكنه كان يرى أنه من الأفضل تأجيل قرار الضم لأطول فترة ممكنة.

لكن ذلك قد يتغير الآن. ومع دعم "نتنياهو"الآن للأمر بشكل علني أصبحت فكرة ضم المنطقة "ج" ممكنة بشكل متزايد. في الحقيقة، تسيطر (إسرائيل) بالفعل على الضفة الغربية بأكملها، بما في ذلك المنطقة "ج"، حيث يتم تطبيق القانون المدني الإسرائيلي. لكن ما لم تفعله بعد هو ضمها رسميا وتقديم مطالبة رسمية بالسيادة على الإقليم. وسيكون رد فعل الولايات المتحدة على وجه الخصوص عاملا رئيسيا في حسم القرار، ولكن مع الدعم المحلي في (إسرائيل) لمثل هذه الخطوة، واللامبالاة الدولية تجاه هذه القضية، وربما الضوء الأخضر الأمريكي الوشيك، أصبح ضم المنطقة "ج" الآن أقرب ما يمكن.

الأسس التاريخية والجغرافية

هناك العديد من السوابق التاريخية التي تجعل ضم المنطقة "ج" أو أكثر من الضفة الغربية المحتلة عملا منسجما في السياسات التاريخية للدولة العبرية. وتشمل هذه السوابق الاستحواذ على الأراضي الفلسطينية في أعقاب خطة التقسيم لعام 1947؛ وضم القدس عام 1967، ثم إقرار القانون الأساسي للقدس عام 1980؛ ولاحقا ضم مرتفعات الجولان في عام 1981 (التي تم الاعتراف بها من قبل إدارة ترامب مؤخرا)؛ والتوسع المستمر في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي كل حالة من هذه الحالات، استولت (إسرائيل) على أراضي ما وضمتها بشكل أحادي؛ وفي كل حالة أيضا عارضت الولايات المتحدة حليف (إسرائيل) الرئيسي، تحركاتها. ومع ذلك، بمرور الوقت، أدى التثبث الإسرائيلي إلى تراجع واشنطن في نهاية المطاف.

وقد خصصت خطة الأمم المتحدة للتقسيم لعام 1947 نسبة 56% من فلسطين التاريخية، الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ​، للدولة الإسرائيلية المنشأة حديثا وأسفرت الحرب التي تلت ذلك عن تهجير ما يقرب من 800 ألف فلسطيني مع مطالبة الدولة الجديدة بـ 78% من الأراضي، وهو أكثر بكثير مما وافقت عليه الأمم المتحدة في خطة التقسيم. وقد عارضت الولايات المتحدة، التي كانت أول من اعترف بالدولة الإسرائيلية، في البداية التوسعية الإسرائيلية؛ وحاولت إدارة "ترومان" الضغط على (إسرائيل) للسماح بعودة اللاجئين إلى المناطق التي تنتمي إلى الدولة الفلسطينية في خطة التقسيم، لكن الإسرائيليين رفضوا. ولاحقا تم الاعتراف بهذه النسبة الإضافية البالغة 22% من الأراضي العربية التي احتلتها الدولة الإسرائيلية من قبل المجتمع الدولي، وبدأت (إسرائيل) في التطلع إلى باقي الأراضي الفلسطينية.

ومع قيام حرب عام 1967، احتلت (إسرائيل) هذه النسبة المتبقية كاملة إلى جانب بعض الأراضي العربية الأخرى، وبدأت في المطالبة بالأراضي الفلسطينية، أولا بضم القدس الشرقية بالإضافة إلى الأراضي الإضافية المحيطة بها في الضفة الغربية. وفي عام 1980، صدر قانون أساسي متعلق بالقدس، يؤكد على ضمها دانه مجلس الأمن الدولي. لكن في نهاية المطاف، سلمت الولايات المتحدة بسيادة (إسرائيل على القدس)، وقامت إدارة "ترامب" مؤخرا بتنفيذ التعهد المتأخر لجميع مرشحي الرئاسة الأمريكيين بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل).

على غرار القدس، تسبب الضم الإسرائيلي لمرتفعات الجولان عام 1981 في توتير العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، لكن (إسرائيل) ظلت حازمة وتراجعت واشنطن. وبمرور الوقت، أصبحت السيطرة الإسرائيلية على الجولان طبيعية في خطاب سياسي تهيمن عليه المخاوف الأمنية الإسرائيلية. بعد مرور عام على الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، اعترفت إدارة "ترامب" بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.

تتبع سياسة (إسرائيل) حول المستوطنات في الضفة الغربية نمطا مماثلا. ومنذ عام 1968، أدركت الولايات المتحدة أن التوسع الاستيطاني المستمر سيجعل الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية أقل احتمالا، لكن اعتراضات واشنطن على التوسع الاستيطاني الإسرائيلي جاءت في سياق عملية سلام إسرائيلية فلسطينية. كان هذا في جزء منه نتاجا لديناميكيتين متداخلتين: الحاجة الأمريكية لإظهار ما يشبه الاستقامة في العملية وكذلك لإظهار جدوى العملية نفسها. ولكن إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة في الضفة الغربية وغزة صار متعذرا مع قيام (إسرائيل) بتوسيع المستوطنات خلال التفاوض حول السلام، على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة في بعض الأحيان.

وتسارع بناء المستوطنات في التسعينيات. بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين" على يد قوميين إسرائيليين يمينيين يعارضون إعادة الأراضي للفلسطينيين، تلقت حكومة "أرييل شارون" اليمينية رسائل من الرئيس "جورج دبليو بوش" تحدد موقف الولايات المتحدة من الكتل الاستيطانية الكبرى وتقر بأن أن أي حدود يجب أن تضمن بقاء هذه الكتل تحت السيطرة الإسرائيلية. وقد رسخت الرسائل تفهما ضمنيا كان الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" قد أرساه سلفا. ومن خلال هذه الأفعال، حقق الإسرائيليون هدفهم بجعل جعل خط الهدنة لعام 1949 نافذا دبلوماسيا.

مع كل هذه الأحداث، تعلمت (إسرائيل) الدرس أنه حتى لو كانت هناك اعتراضات في البداية على ضمها للأراضي، فإن سيطرتها عليها لفترة من الوقت سوف تجبر الجميع على التكيف مع الواقع الذي أوجدته على الأرض وأن أي رؤى للحلول السلمية سوف يتم تعديلها للتناسب مع هذه الوقائع. وهذا هو السياق الذي ظهرت فيه فكرة حل الدولتين مع دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. وفي حين كان التقسيم موضوعا منذ فترة طويلة، لكن ظروفه كانت مختلفة تماما في عام 1937 (مع مقترح تقسيم لجنة بيل) وفي خطة التقسيم للأمم المتحدة لعام 1947.

شركاء الجريمة

ويرى "نتنياهو" فرصة نادرة اليوم لمحاولة تكييف الواقع السياسي مجددا. وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية ستمضي قدما في ضم المنطقة (ج)، فإن هذا سيضيف عقبة أخرى أمام الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي حين كانت محاولة منع (إسرائيل) من اتخاذ خطوات توسعية مهمة صعبة بالنسبة للكثيرين في المجتمع الدولي، فإن عكس هذه الخطوات يصبح أكثر صعوبة. ويعتقد الإسرائيليون اليوم أن ضم المنطقة (ج) من شأنه أن يقتل فكرة قيام دولة فلسطينية بشكل نهائي.

ومن أجل فعل ذلك، ستحتاج (إسرائيل) إلى بعض المساعدة، ولحسن حظهم، لديهم البيت الأبيض الأكثر تعاونا في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة و(إسرائيل). هذه لحظة قد لا تأتي مرة أخرى، وقد أثمرت بالفعل الاعتراف بسيطرة (إسرائيل) القدس والجولان. وإذا قدمت إدارة "ترامب"، التي تحدثت منذ فترة طويلة عن "صفقة نهائية" لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، خطة توضح أن المنطقة (ج) ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، فقد يستغل الإسرائيليون الفرصة لمواصلة الضم من المنطقة "ج". وساعتها سيتأكد مؤيدو هذه الخطوة في (إسرائيل) أن هناك دعما داخليا كافيا ودعما أمريكيا مناسبا، وأن الجميع سيرضخون في النهاية. ومع الرفض المتوقع من الفلسطينيين لخطة "ترامب"، فإن الأمريكيين، جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين، سيلقون باللوم على الفلسطينيين في رفض السلام.

لم يتبق لإدارة "ترامب" سوى أقل من عامين في السلطة، وبعدها سوف تبدأ نافذة هذه الفرصة الإسرائيلية في الأفول، لذا يدرك "نتنياهو" أن الوقت مناسب للمضي قدما، وأن خطة السلام القادمة، التي يُقال أنها ستعلن في يونيو/حزيران، قد تكون هي نقطة البداية.

المصدر | يوسف منير - المركز العربي واشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية

إرجاء محاكمة السعودي المتهم بالاعتداء على المدمرة الأمريكية «كول»

المدمرة الأمريكية كول في سواحل اليمن.. 4 رسائل تحذير وطمأنة