أزمة البدون في الكويت.. هل هناك أفق للحل؟

الأحد 7 أبريل 2019 04:04 ص

يعاني 2.3% من سكان الكويت من التمييز منذ أكثر من نصف قرن؛ حيث حُرم عشرات الآلاف من سكان هذا البلد على الجنسية بعد أن حصل على استقلاله عام 1961. ويُعرف هؤلاء الأشخاص باسم "البدون"؛ أي الأشخاص "عديمي جنسية". ويستخدم هذا المصطلح المزعج أيضا مع العمال المهاجرين الذين استقروا في الكويت بعد الاستقلال خلال طفرة النفط في الستينيات والسبعينيات.

وينحدر غالبية البدون من قبائل بدوية موطنها شبه الجزيرة العربية. ولا يزال معظم البدون يعيشون دون جنسية، ودون الاعتراف بجنسيتهم، وتصنف الحكومة الكويتية معظمهم على أنهم "مواطنون غير شرعيين".

والتعريف القانوني الدولي للشخص عديم الجنسية أنه هو "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطنا بموجب قانونها". ورغم أن عددا من البدون يقضون حياتهم بأكملها، من المهد إلى اللحد، في الكويت، إلا أن الدولة لا تعترف بهم كمواطنين، وبناءً عليه لا يتمكنوا مطلقا من الحصول على "شهادات ميلاد أو وفاة رسمية"، وفقا للناشطة الكويتية "رنا العبدالرزاق".

ويعيش ما لا يقل عن 100 ألف من "البدون" في الكويت. وتدعي السلطات الكويتية أن معظمهم "مقيمون غير شرعيين"، وأنهم دمروا عمدا جميع أدلة الانتماء إلى جنسيات أخرى، مثل العراق أو السعودية، من أجل الحصول على المزايا الاجتماعية السخية التي تقدمها الكويت لمواطنيها. ويعد البدون حاليا، وهم نحو 2.3% من السكان، أقلية مقارنة بالعدد الإجمالي للمواطنين، الذي يقدر بنحو 4.5 ملايين نسمة.

وعندما انتهت الحماية البريطانية عام 1961، نقلت السلطات البريطانية طلبات جنسية "البدون" إلى اللجان الإدارية الكويتية لمعالجتها. لكن هذه اللجان تجاهلت تلك الطلبات لأكثر من 50 عاما.

تصنيف البدون

يمكن تقسيم البدون في الكويت إلى 3 فئات، وفقا لدراسة أعدها الأستاذ بجامعة الكويت "غانم النجار". تشمل الفئة الأولى أولئك الذين لم يتقدم أجدادهم وأولياء أمورهم بطلبات للحصول على الجنسية، أو لم يكن لديهم المستندات اللازمة بعد استقلال الكويت عام 1961.

والفئة الثانية تشمل أولئك الذين تم تجنيدهم من قبل الجيش أو الشرطة الكويتية خلال الستينيات، ثم استقروا بشكل دائم في الكويت مع عائلاتهم.

أما الفئة الثالثة فتضم أطفال الأمهات الكويتيات من آباء غير كويتيين أو البدو أو الآباء الأجانب.

كانت الحكومة الكويتية تعهدت سابقا بتجنيس سكان "البدون". وبعد غزو العراق للكويت، وعد وزير الدفاع "علي صباح السالم" بالجنسية الكويتية للبدون الذين قاتلوا ضد الاحتلال العراقي للكويت، وفقا لبيان نشرته وكالة "فرانس برس" في 5 يوليو/تموز 1991. لكن الحكومة تراجعت عن وعدها. وبدلا من ذلك، طلبت من المتقدمين إجراء عملية معقدة لإثبات مشاركتهم في المقاومة، بما في ذلك إحضار شهود، وفقا لـ"هيومن رايتس ووتش".

وحتى الآن، جنست الحكومة الكويتية 3% فقط من 120 ألفا من "البدون". وحصل الرجال "البدون" الذين ماتوا أثناء قتالهم للاحتلال العراقي على الجنسية "من الدرجة الثانية"، التي تمنح الجنسية لأطفالهم. لكن على النقيض من ذلك، لم تحصل النساء اللاتي توفين في القتال ضد الاحتلال العراقي على الجنسية. وعلى أي حال، بموجب القانون الكويتي، لا يمكن للمرأة نقل الجنسية إلى أطفالها.

ويكافح العديد من السكان عديمي الجنسية في الكويت للحصول على الوثائق المدنية والتوظيف. وليس لديهم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية أو التعليم، أو غير ذلك من الخدمات الاجتماعية الأساسية التي يتم تقديمها بشكل أساسي للمواطنين الكويتيين. ولا يمكن للمقيمين عديمي الجنسية التصويت في الانتخابات، بسبب وضعهم غير الموثق. نتيجة لهذه العوائق الكبيرة، يعيش الكثير منهم في فقر، رغم أنهم يقيمون في واحدة من أغنى دول النفط في العالم.

وعود حكومية

وفي مقابلة تليفزيونية عام 2013، أكد رئيس " الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" (البدون)، "صالح الفضالة"، أنه "لديه أدلة على أن 67 ألفا من البدون في الكويت يحملون جنسيات أخرى".

واحتج البدون على وضعهم الراهن كعديمي جنسية، لكن الحكومة أنكرت معظم مطالبهم، حسب "هيومن رايتس ووتش". وفي سبتمبر/أيلول 2017، أشعل رجل من "البدون" النار في نفسه للاحتجاج على وضع وظروف تلك الفئة في الكويت.

وبعد احتجاجات الربيع العربي، قدمت حكومة الكويت وعودا إضافية لمعالجة طلبات الحصول على الجنسية، خاصة تلك التي تعتبرها الحكومة "مؤهلة" للحصول على الجنسية الكويتية. ووفقا للمعايير الحكومية، كان على "البدون" تقديم مستندات تثبت أنهم شاركوا في المقاومة الكويتية ضد الغزو العراقي عام 1990. وحتى الآن، وبعد مرور 30 ​​عاما، لم تمنح الحكومة بعد الجنسية الكويتية لأي من "البدون".

وبدلا من ذلك، أنشأت الكويت "حزمة من الحوافز"، بما في ذلك تصاريح إقامة لمدة 5 أعوام، لـ "المقيمين غير الشرعيين الذين يسعون للقيام بتعديل وضعهم القانوني والوصول إلى جنسياتهم الأصلية". وفي عام 2014، أعلنت الكويت أن أكثر من 6 آلاف من "البدون" استفادوا من مثل هذه الحزمة بعد الكشف عن جنسياتهم "الحقيقية". واختار معظمهم الجنسية السعودية.

وشكك الناشط من البدون "عبد الحكيم الفضلي" في صحة مزاعم الحكومة بأن هناك أدلة على أن البدون يحملون جنسيات أخرى. وتكهن "الفضلي" بأنه إذا كانت الأدلة موجودة بالفعل، كانت الحكومة لتشاركها مع الجمهور، بدلا من "بيعنا إلى الدول العربية والأجنبية"، في إشارة إلى الحل المقترح من الحكومة لإصدار جنسية عربية أو أجنبية للبدون.

وفي مارس/آذار 2018، قدم الجهاز المركزي إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للجمعية الوطنية الكويتية ما أسماه "خارطة طريق لحل مسألة تجنيس البدون".

وتشمل هذه الخطة تقسيم البدون إلى فئات، بعضهم يتم منحه الجنسية الكويتية، وآخرون يتم إجبارهم على الحصول على جوازات سفر عربية أو أجنبية من دول مثل جزر القمر.

ومع ذلك، بعد مرور عام، لم يتم اتخاذ أي إجراء.

وفي 11 يناير/كانون الثاني 2019، احتج العشرات من البدون في العاصمة الكويت. وفي تحد للقانون الذي يمنع غير الكويتيين من المشاركة في التجمعات العامة، انتقدوا إخفاق الحكومة المستمر في تلبية طلباتهم للحصول على الجنسية.

ومع كل هذا، لا يعتبر وضع البدون في الكويت سوى جزءا من مشكلة إقليمية أكبر. ووفقا للدليل العالمي للأقليات والشعوب الأصلية، يعيش أكثر من 500 ألف شخص "بدون جنسية" في منطقة الخليج.

ودعت الأمم المتحدة الكويت إلى إنهاء التمييز ضد "البدون". وفي سبتمبر/أيلول 2017، ذكر فريق من الخبراء في لجنة القضاء على التمييز العنصري أن "البدون لا يتمتعون بالمساواة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية، والإجراءات القانونية الواجبة، والوثائق المدنية الصالحة قانونيا". ودعت اللجنة البلاد إلى "العثور على حل دائم" وتقييم طلبات الحصول على الجنسية الكويتية.

ورغم وعود الحكومة، لم ير البدون أي تقدم أو تحرك من جانب الحكومة الكويتية. ويبقى التجنس أولوية قصوى لسكان الكويت عديمي الجنسية. ومع ذلك، تواصل الحكومة الكويتية إنكار مسؤولياتها تجاه هذه الأقلية عبر تشجيع البدون على الحصول على الجنسية من البلدان الأخرى التي ليس لهم صلة أو روابط حقيقية بها.

المصدر | هلال الجمرة - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

إحالة البدون المحرض على اغتيال مسؤولين كويتيين للمحاكمة