باطل.. المعارضة المصرية تتجاوز حجب السياسة بتطوير أدائها الإلكتروني

الجمعة 12 أبريل 2019 02:04 م

"100 ألف توقيع في يومين"..

هكذا جاءت حصيلة التفاعل الكبير مع منصة "باطل" الإلكترونية، المخصصة لجمع التوقيعات الرافضة للتعديلات الدستورية في مصر، كاشفة عن تطور ملحوظ في مستوى الأداء الإلكتروني للمعارضة المصرية، ما يراه محللو الشأن الأمني بدوائر النظام العسكري الحاكم جرس إنذار يهدد تمديد ولاية الرئيس "عبدالفتاح السيسي" حتى عام 2034.

ففي وقت متأخر من الثلاثاء الماضي، أبلغ المراقبون عبر الإنترنت بحجب موقع الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة (فويس أون لاين voiceonline)، بعد أن تمكن خلال ساعات قليلة من استقطاب أكثر من 60 ألفًا من المصريين الذين أدلوا بأصواتهم في الحملة وأعلنوا رفضهم التعديلات الدستورية التي بات إقرارها وشيكًا في مصر.

وبحسب مجموعة "NetBlocks" للرقابة على الإنترنت، فقد منع مزودو خدمات الإنترنت في مصر الوصول إلى موقع الحملة، سواء من الحواسب المحمولة أو الثابتة أو الجولات.

لكن ذلك لم يسفر عن تأثير كبير على تسارع المشاركة في "الاستفتاء الإلكتروني الموازي" الذي تنظمه المعارضة المصرية لـ "كشف حقيقة موقف الشعب المصري من التعديلات الدستورية"، حسبما أعلنت حملة باطل، فقد سجل الموقع نحو 40 ألف توقيع في اليوم الثاني لإطلاقه.

فكيف تمكنت قوى المعارضة المصرية من تطوير أدائها الإلكتروني على هذا النحو؟ وإلى أي مدى يمثل ذلك تهديدا لشرعية النظام الحاكم؟

انسداد سياسي

تعود إجابة السؤالين إلى حالة الاضطرار التي فرضها الانسداد السياسي التام في مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز عام 2013، إذ شهدت مصر مناخا قمعيا ضد أي ممارسة سياسية، وصفته الجماعات المستقلة بأنه أسوأ حملة على حقوق الإنسان في تاريخ مصر الحديث.

وفي هذا الإطار، سجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اعتقال ما لا يقل عن 60 ألف شخص منذ تولي "السيسي" السلطة؛ لأسباب سياسية، بينها "التظاهر دون ترخيص"، إذ تنص المادة رقم 10 من قانون تنظيم التظاهر (مرره مجلس النواب) على إلزام طالبي التظاهر بإخطار الجهات الأمنية وحق وزير الداخلية أو مدير الأمن في رفضها إذا ما وجو ما يهدد الأمن والسلم العام.

ومارست وزارة الداخلية المصرية هذا "الحق" ميدانيا إزاء 7 أحزاب طلبت تنظيم وقفة للتعبير عن رفضها للتعديلات الدستورية أمام مجلس النواب، في 28 مارس/آذار الماضي، وهو ما أيدته محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة.

وإزاء ذلك، بات تطوير أداء المعارضة عبر الفضاء الإلكتروني مسألة ضرورة، بدأت في ممارسة مقتضياتها عبر إنشاء المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي واجهته السلطة بأدوات أمنية أيضا عبر اللجوء إلى إنشاء قائمة لحجب مواقع الإنترنت ذات التوجهات السياسية التي يراها النظام تهديدا لاستمراره.

كما استخدم النظام المصري أداته التشريعية في فرض منظومة ردع عقابية بحق أي ممن يثبت تعاونهم مع هذه المواقع والحسابات التواصلية، إذ أقر مجلس النواب مؤخرا قانونًا لتنظيم الشبكات الاجتماعية على الإنترنت ووضعها تحت إشراف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وحدد عقوبات، تشمل السجن، ضد المخالفين له.

وفي هذا الإطار، لم يعد موقع تصويت "باطل" متاحًا للدخول بمصر، وظل متاحا للمصريين في الخارج بجميع دول العالم باستثناء السودان، ما عزته مجموعة "NetBlocks" السبب إلى البنية التحتية المشتركة لشبكة الإنترنت بين البلدين الجارين. 

ومنذ مايو/أيار 2017 شهدت مصر سيلاً من حجب المواقع الإلكترونية تجاوزت الـ500 موقع، ما بين إعلامي وحقوقي، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين من أنصار الحريات الإعلامية، داخل مصر وخارجها، فضلا عن دعاة حظر المحتوى الإباحي على الإنترنت، الذين طالما دعوا إلى حجب المواقع الجنسية في مصر دون استجابة، بدعوى أن تطبيقه يحتاج إلى تكلفة عالية، بحسب تبرير الإعلامي الموالي للنظام "عمرو أديب" (شاهد).

تطوير ضروري

 

غير أن الاتساع الكبير في حجب المواقع الإلكترونية، خاصة تلك التي حازت جماهيرية كبيرة، دفع ملايين المصريين إلى استخدام الوسائل المجانية المتاحة للتحايل على حجب المواقع (VPN)، والتي تقوم على أساس تغيير رقم التعريف الخاص بأجزتهم لتبدو وكأنها أجهزة من دولة أخرى.

لذا لم تجد حملة "باطل" صعوبة في الاستعداد لحجب موقعها المتوقع، وسارعت لتوفير رابط بديل للموقع كما أتاحته أيضا عبر "فيسبوك"، ما أفضى إلى عدم تأثير التفاعل الجماهيري مع الموقع بنسبة كبيرة.

وبحسب ما أوضحته الحملة، في بيان لها، أصدرته الثلاثاء، فإنها وفرت سرية وخصوصية على مستوى عال للمشاركين في التصويت الإلكتروني، عبر تشفير محكم لبياناتهم، و"هو ما من شأنه إثبات النتيجة الحقيقية التي يمكن أن يعبر عنها أي استفتاء حول التعديلات الدستورية إذا ما جرى في أجواء نزيهة".

وعززت إضافة التشفير المحكم لموثوقية بيانات المتفاعلين من "مصداقية" التصويت بحملة "باطل"، الذي استهدفت وسائل الإعلام الموالية للنظام المصري التشكيك فيه بدعوى أنه مزيف، وهو أسلوب تتبعه المعارضة المصرية إلكترونيا لأول مرة، وأكسب لتصويتها الإلكتروني مكانة دولية معتبرة في 48 ساعة.

وبدا إحكام هذا التشفير واضحا في إعلان "باطل" أنها رصدت 4 محاولات اختراق لموقعها، ما يعني استعدادا قويا على مستوى التأمين الإلكتروني، إلى حد تعهد القائمين على الحملة بكشف مواقع محاولات الاختراق وتفاصيلها.

ولم يقتصر تطوير أداء المعارضة المصرية إلكترونيا على وسائل تجاوز الحجب والتأمين من الاختراق، بل تعدى ذلك إلى الانتشار بعدد أكبر من وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة برامج التراسل الفوري.

وفي هذا الإطار، أطلق الفريق التقني لـ"باطل" منصات جديدة للتصويت عبر تطبيق "تليغرام"، المعروف بإمكاناته العالية في تشفير التراسل، على الرابط (t.me/batel_2034bot).

وإزاء ذلك، كثفت وسائل الإعلام الموالية للنظام المصري نشر فواصل "توعوية" تحذر المواطنين من أي تفاعل مع مواقع "أعداء الوطن".

وأيا ما كانت نتيجة التصويت بحملة "باطل" وتأثيرها على مشهد الاستفتاء المزمع على تعديلات الدستور المصري، فالمؤكد أن ثمة مؤشرات عدة على تدرج باتجاه خسارة النظام الحاكم لمساحة مهمة من معركة الفضاء الإلكتروني أمام المعارضة، على ذات المنوال الذي خسر فيه معركة برامج الـ "توك شو"، إذ تسبب الانسداد السياسي في تراجع حاد لمتابعة ما تبقى على شاشات القنوات الموالية، وباتت برامج القنوات المعارضة مؤخرا هي الأكثر متابعة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قوانين الجرائم الإلكترونية وسيلة لإسكات المعارضين في مصر والسعودية والإمارات