استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تراث الأمة مستهدف بالحروب والجهل

الاثنين 25 مايو 2015 03:05 ص

تحت عنوان «التاريخ ضحية من ضحايا حرب اليمن» بثت وكالة انباء رويترز يوم الخميس الماضي تقريرا حول التدمير الذي لحق بالآثار التاريخية في اليمن.

التقرير يحصي عددا من الآثار التي تعرضت للقصف ومن بينها مسجد الهادي الذي بني قبل اكثر من 1200 عام ومبان قديمة من الجص بمدينة زبيد المطلة على البحر الاحمر. وليس معروفا بعد مصير آلاف المخطوطات ومن ضمنها نسخ نادرة من القرآن الكريم.. وقد يكون الحديث عن تدمير الآثار «ترفا» في الوقت الذي يتعرض له البشر، رجالا ونساء واطفالا، للقتل العبثي يوميا.

مع ذلك فمن الضرورة تسليط الضوء على ما يحدث لتراث امة المسلمين من تدمير على ايدي ابنائها بعد ان استعصت على الاستهداف من الخارج.. فالتراث يحكي تاريخ الامم، وليس هناك من امة لا تفتخر بتاريخها، او تحتفظ به على الاقل لتقرأه الاجيال اللاحقة وتستنتج العبر منه. فمن لا تاريخ له لا مستقبل له، والشجرة التي ليس لها جذور تحت الارض لا تنبت الازهار او الثمار او الاغصان الصاعدة الى الاعلى.

فمثلا نشرت صحيفة «تايمز» البريطانية مؤخرا مقالا للكاتب كلايف أزلت بعنوان: وفروا لمدننا التاريخية الحماية التي تحتاجها، داعيا لعدم السماح بمزيد من البناء الذي يؤثر على هويتها التاريخية. فأين هذه الدعوة مما تتعرض له المدن الاسلامية التاريخية، من التدمير والتشويه؟

هل لدى هذه الامة تاريخ؟ ما معالمه؟ ما الادلة عليه؟ ما تجلياته المادية والفكرية؟

فبدون ذلك التاريخ لا يمكن الحديث عن وجود «أمة» متميزة عن بقية الامم. والتميز لا يعني العداء او المفاصلة مع الآخرين او الغاءهم، بل يضيف للتراث الانساني لمسة اخرى من العطاء البشري في مجالات الدين والفكر والثقافة والفن.

ففي مجالات العلم ثمة سفر حافل بالعطاء الذي ليس له نظير على ايدي علماء خلدهم التاريخ واصبحوا مفخرة لذوي العقول وعشاق العلم والتطور. فمن يستطيع تجاهل ما قدمه رسول الله للبشرية؟

وهل هناك عالم يبحث تاريخ العلوم يستطيع تجاوز ابن سيناء والبيروني اوالكندي والقارابي وابن رشد وغيرهم ممن أسهم في تشييد صروح العلم عندما كان العقل وليس الاهواء وعقلية البداوة يحكم الجزيرة العربية؟

التراث العلمي الذي بقي مفخرة لاجيال الامة عبر العصور انما هو جزء من ذلك التاريخ الذي امتزج فيه الايمان بالعلم والعقل. ولذلك لا يمكن فصل ما يتعرض له تراث المسلمين اليوم عن السجال الجديد – القديم حول دور العقل في المنظومة الدينية والفكرية و السياسية لأية امة.

وسيظل سجال «العقل» و «النقل» محتدما، وهو صراع محمود اذا انحصر في دوائر العلم وأبعد عن ساحات الحروب والتعصب المذهبي. وما لم تقرر الامة العودة لحاكمية العقل في الحوار والسجال والتبادل الثقافي فستظل اسيرة لجوانب مظلمة من تاريخها غيب عنها العقل واستبدل بالعصبيات القومية والدينية، ولم تؤد الا للدمار والخراب.

تقرير رويترز المذكور حول الحرب على التاريخ لفتة مهمة من جهة اعلامية اجنبية في الوقت الذي طغت فيه الحسابات الفئوية والنزعات المذهبية على الاعلام العربي خصوصا حين تعاطى مع الصراعات الدموية في اليمن والعراق وسوريا، وكذلك في ليبيا ومالي وتونس. وبقراءة موضوعية لطبيعة تلك الصراعات يمكن تسجيل حقيقة مهمة مفادها انها «حرب شاملة» ليس على البشر فحسب بل على الانسان وموقعه على هذا الكوكب الذي أراد الله له الاعمار والصلاح والنماء والتعايش بين سكانه.

فاستهداف البشر وفق خطوط التمايز الديني او الايديولوجي او العرقي او المذهبي انما يجسد تخلفا خطيرا وردة على ما حققته الانسانية من تطور في القيم الحضارية عبر عقود من الصراع بين الظلم والعدل، بين الحرية والاستبداد وبين التقدم والتخلف. واستهداف التاريخ الاسلامي ومعالمه الاثرية جزء من ذلك الصراع الذي ما فتأ يغذى بالاحقاد الجاهلية والقيم البعيدة عن روح الاسلام والانسانية والحضارة.

فمن بين سمات عالم اليوم الاهتمام بالجوانب الفنية من العطاء البشري. وحين تباع لوحة عمرها للفنان بيكاسو باكثر من 160 مليون دولار فان ذلك يعكس عمق الاهتمام ليس بالفن فحسب بل بالتاريخ والحضارة كذلك. أليس في ذلك عبرة ودرس ومادة للتساؤل والبحث؟  

طوال السنوات الثلاث الاخيرة لوحظ ان المجموعات المسلحة التي نشطت في البلدان العربية استهدفت التراث الاسلامي والانساني بشكل واضح. فما مغزى ذلك؟ وقال الموقع الالكتروني لمنظمة اليونسكو إن المنظمة أدرجت تدمر على لائحة التراث العالمي المعرضة للخطر في 2013، وتضم أطلال مدينة كانت يوما من أهم المراكز الثقافية في العالم القديم. ومن المتوقع جدا ان تلاقي آثار تدمر نهاية مأساوية كنهاية آثار «نمرود» العراقية. ودمر تنظيم داعش بشكل منهجي آثارا في أراض عراقية سيطر عليها العام الماضي منها نينوى والحضر والموصل.

ونشر داعش شريطا مصورا لعناصره وهم يدمرون مدينة نمرود الآشورية الأثرية في شمال العراق، التي تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وأظهر الشريط الذي تداولته حسابات الكترونية مؤيدة للتنظيم، عناصره وهم يستخدمون مطارق وآلات ثقيلة لتدمير ألواح حجرية ضخمة، واختتم بمشهد انفجار كبير تليه لقطات للمدينة وقد سويت بالأرض. وقال أحد العناصر في نهاية الشريط المصور أنهم «كلما تمكنوا من بقعة أرض أزالوا معالم الشرك منها».

وحسب خبراء الآثار، فإن التنظيم الذي يسيطر على مساحات في سوريا والعراق، يعتمد على تهريب الآثار وبيعها كأحد مصادر التمويل، ويقوم بتدمير الآثار الكبيرة والثقيلة التي لا قدرة له على نقلها. وتعد مدينة نمرود درة الحضارة الآشورية وموطنا لكنز يعد من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين.

واعتبرت مديرة المنظمة إيرينا بوكوفا تجريف آثار نمرود بمثابة «جريمة حرب» تدخل ضمن «التدمير المتعمد للتراث الثقافي». كما نشر التنظيم في مطلع شهر نيسان/ابريل الماضي شريطا آخر يظهر قيام عناصره بتدمير مدينة الحضر الأثرية في شمال العراق، المدرجة على لائحة التراث العالمي. وأثارت عمليات التدمير هذه هلع علماء الآثار الذين قارنوها بتدمير حركة طالبان تمثالين عملاقين لبوذا في منطقة باميان الأفغانية في عام 2001، ما أثار في حينه موجة من السخط في العالم. وسبق للتنظيم أن نشر صورا وأشرطة مصورة تظهر تدميره العديد من المزارات والأضرحة في العراق، إضافة الى نزع صلبان وتحطيم إيقونات في عدد من كنائس شمال البلاد. 

وفي 14 يوليو من العام الماضي أقدمت عناصر داعش على هدم مرقد النبي يونس وقاموا بتفجير مرقد الإمام ابو العلى فضلاً عن حسينية وجامع في مدينة الموصل. كما اعلن زهير الجلبي رئيس مجلس إسناد أم الربيعين عن قيام تنظيم «داعش» بتفجير مرقد النبي دانيال غربي الموصل. وجاء الحادثان بعد أقل من 24 ساعة على قيام مسلحي تنظيم «داعش» بتفجير مرقد الإمام يحيى ابو القاسم بمنطقة الشفاء غرب الموصل.

وفي اكتوبر 2014 ادانت السيدة بوكوفا بشدة تدمير مرقد الإمام محمد الدري الواقع في محافظة صلاح الدين بالعراق قائلة:»إن ممارسات الاستهداف المتعمد وأعمال التدمير الممنهجة للتراث الثقافي في العراق قد بلغت مستوى غير مسبوق»، مضيفة أن «تدمير مرقد الإمام محمد الدري لا يشكل حادثاً منفرداً، حيث وقعت خلال الشهور الأخيرة اعتداءات مماثلة استهدفت أبنية تاريخية، منها على وجه الخصوص مساجد وكنائس ومقدسات».

ويُعتبر هذا المرقد، الذي أنشئ في القرن الحادي عشر الميلادي، مظهراً من المظاهر الرمزية للعمارة الإسلامية في هذا العصر.

ما مغزى هذا الاستهداف المنظم لتراث المسلمين؟ وأية عقلية تلك التي ترى الشرك في ما بناه السابقون وتركوه للاجيال اللاحقة؟ أليس جمال العالم بتعدديته وتراثه وفنونه وتمايز ثقافاته وحضاراته؟

فمن يستهدف مقدسات الآخرين يرفض مبدأ التعددية ويتجاهل الدعوة القرآنية للتعارف: «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا». أليس في معاداة التراث والفنون تأسيس للقطيعة مع الشعوب والحضارات السالفة؟ فحين تشن الحروب لماذا تشمل التاريخ ايضا؟

البعض يرفض مقولة اعادة قراءة التاريخ لتقويمه وتنقيته، ولكنه لا يتردد في استهداف آثاره ومبانيه وما يعكسه من حياة وفن وذوق. ألم يحن الوقت لصون تاريخ الامة وحماية ذوقها والحفاظ على ما صنعته أيدي الاجداد وباهت به الامم وصاغت به الجمال وحركت به كوامن العقول والاذواق. لنتق الله في ما بقي من هذا التراث الذي نحافظ عليه ليس بهدف تقديسه او عبادته بل للاعتبار والتذكر والعظة. أليس ذلك من الاوامر الإلهية التي نص عليها القرآن الكريم؟

 

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

 

  كلمات مفتاحية

تراث الأمة الحروب الجهل التراث الإنساني الحضارة الثقافة المقدسات

الصراع بين الأمة والطائفة

حالة العالم الإسلامي.. ليست بخير !

الغضب من الحروب العربية يغذي الخطر الجهادي في السعودية

انتقال الأمة إلى مشروع جديد

اســتـعادة الـمـبـــادرة !

اليونسكو يختار الإمارات رئيسا لبرنامج «ذاكرة العالم»

عن التراث والعنف .. هل نحرقه لكي ترضوا؟!

أين الطريق للأمة الموحدة؟

اكتشاف مستوطنة أثرية تعود للقرن الرابع قبل الميلاد في تبوك

جيلوجي سعودي قادته الصدفة لشراء أرض جبلية بها مقابر تاريخية

مراجعة التراث .. بيدي لا بيد عمرو!

لو رجعنا إلى التمر واللبن