إطلاق الصاروخ نحو «غان يفنه» أدى على الفور الى وقفات طويلة في البث الحي لنشرات الاخبار في قنوات التلفزيون وتبين في غضون ساعة بانه نزاع فلسطيني داخلي. الاسرائيليون، الذين لا تزال في وعي الكثيرين منهم تكوي الاحداث القاسية للقتال في الصيف الماضي، يمكنهم في هذه اللحظة أن يهدأوا.
فقد وفرت مصادر أمنية في اسرائيل وفي قطاع غزة أمس تفسيرا موحدا لما حصل: رئيس الذراع العسكري للجهاد الاسلامي حاول في الايام الاخير ان يفرض على رجاله في شمال القطاع تعيين قائد محلي جديد. نشطاء الميدان عارضوا، ونشبت بين الطرفين مواجهة عنيفة، في اثنائها قرر أحد المعسكريين الصقريين تصعيد النزاع بالذات من خلال اطلاق صاروخ على اسرائيل. ولم تتم الخطوة بالتشاور مع حكم حماس في القطاع ومعقول ان تعمل المنظمة الان على لجم أعضاء الفصيلين الصغيرين.
الرد الإسرائيلي على النار سيكون بالتالي محدودا. صحيح أن هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها صاروخ لمدى بعيد نسبيا مذ نهاية الحرب في أغسطس/آب الماضي، ولهذا السبب أطلقت صافرات في منطقة اسدود. ولكن اسرائيل، تماما مثل حماس، لا تبحث حاليا عن صدام عنيف في القطاع. وعليه، فان الخطاب سيكون متصلبا والناطقون الرسميون سيوضحون بان نظام حماس مسؤول عن كل عدوان من الاراضي التي تحت سيطرته. أما عمليا فيبدو أن الجيش سيرفع العتب لهجوم رمزي، بينما يتأكد من أن رده لن يؤدي في اعقابه الى تدهور آخر.
ولا يزال، معقول ألا يمر إطلاق النار دون أي رد. فهذه هي السياسة المعلنة منذ عهد حكومة نتنياهو السابقة. كما أن النار هي الحدث الأمني الاول في الجنوب منذ أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية قبل نحو أسبوعين. ويدور الحديث عن حكومة ستتحداها من اليمين كتلة اسرائيل بيتنا التي فضلت البقاء في المعارضة.
وعلى مدى حملة الانتخابات وبعدها حرص «أفيغدور ليبرمان» على انتقاد خطوات الحكومة السابقة في زمن الحرب في غزة والايضاح بأنه لو كان الامر متعلقا به، لحسمت اسرائيل أمر حماس. حتى على هذه الخلفية لا يمكن لنتنياهو أن يسمح لنفسه بأن يبدو ضعيفا امام حماس.
أما حماس، التي تقلق بقدر لا يقل عن اسرائيل من النار العشوائية من القطاع الى جنوب البلاد، فستواصل من جهتها حفر الأنفاق، وتجاهل إطلاق النار وتدريب رجالها على مواجهة محتملة اخرى مع الجيش الاسرائيلي.
ولا يزال، تشخيصان مركزيان يبقيان على حالهما منذ انتهت الحرب: الأول، حاليا الطرفان لا يبحثان عن حرب اخرى؛ وثانيا، هكذا كان ايضا في الصيف الماضي، سلسلة من الحسابات المغلوطة، الأعمال وردود الفعل المضادة الحادة أدت الى معمعان في نهايته حرب.
لما كانت الجهود لإحلال وقف نار طويل المدى لم تنجح في هذه المرحلة، ولما كان الواقع الاقتصادي في القطاع يبقى بشعا مثلما كان قبل سنة، يصعب الحديث عن استقرار في حدود غزة. وحتى بدون مصلحة واضحة في القتال، لا يمكن في الظروف الحالية توقع الهدوء على مدى الزمن. في الدراما الغزية يوجد عدد كبير من اللاعبين الفرعيين مثل المنظمات الاسلامية الصغيرة التي قد تكون مصلحتها معاكسة. وبوسعها في النهاية ان تجر الطرفين الى مواجهة.