الرجل الأطول عمرا في غزة: «يوما ما كانت منازلنا ملكا لنا»

السبت 16 مايو 2015 09:05 ص

خلال فترة شبابه، سافر «رجب التوم»، الذي يعتقد الآن أنه أقدم رجل في قطاع غزة، بحرية في سوريا وفلسطين على الجمل. ووفقا لبيانات وزارة الصحة في غزة، فإن المعمر الفلسطيني يبلغ من العمر 127 عاما. حيث شهد انهيار الامبراطورية العثمانية والانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى 3 أجزاء (قطاع غزة تحت الحكم المصري، والضفة تحت الحكم الأردني والقدس الخاضعة لسيطرة الأمم المتحدة)، وإشهار دولة إسرائيل عام 1958 وحكم السلطة الفلسطينية ثم حركة «حماس».

عندما كان شابا، سافر «التوم»، من فلسطين إلى سوريا ولبنان على راحلته. في تلك الأيام، في أواخر القرن التاسع عشر، كان يطلق عليها «أرض الشام». «كنت أعيش في مدينة جباليا، شمال قطاع غزة، وأتسوق من المجدل. في فصل الشتاء أسافر إلى بئر السبع للعمل كمزارع. وفي الصيف، اعتدت على السفر الى حيفا لرؤية المرأة التي أحبها». «كان يمكن أن تتحرك بسهولة جدا من مدينة إلى أخرى. لم تكن هناك حدود بين مدن فلسطين أو غيرها من الدول المجاورة». وقال«أينما ذهبت، فسوف  تجد الحرية والسلام».

لدى «التوم» 300 من الأحفاد، وكان يقضي وقته يحكي لهم الحكايات حول تاريخ فلسطين وكيف اعتادت أن تكون. «في الأيام الخوالي، كان منزلك ملكا لك وكان أبناؤك من حولك يملؤهم الأمل في المستقبل. ولكن الآن الأمر مختلف، يمكنك أن تفقد كل شيء في أي لحظة ولأي سبب».

يعتبر عام 1948 هو ذكرى وخيمة على الفلسطينيين، اضطر البعض لترك أراضيهم خوفا من التعرض للقتل. وقدم البعض أراضيهم لأجل اللاجئين الجدد. «تركت كل شيء خلفي من أجل البقاء على قيد الحياة. رأيت جباليا تنقسم إلى قسمين نظرا لنزوح مئات اللاجئين الإضافيين». وأضاف: «عرضت سكان غزة كل ما في وسعهم لمساعدتهم ، في الوقت الذي كانت فيه الأمم المتحدة غير قادرة على تغطية كل احتياجاتهم».

التاريخ الذي نقرأه يكتبه المنتصرون. لقد كان الأمر كذلك من البداية وليس خاصا بصراع بعينه. بالنسبة للفلسطينيين، لا يزال الشيوخ المعمرون يذكرون التاريخ الغير مكتوب بصورة ليست واضحة للبقية. لقد شهدنا التاريخ يتم تحريفه عاما بعد عام. قبل أن تبدأ التنهدات والدموع، كان يمكنك أن ترى ابتسامات البهجة على وجوه الحكماء عندما يتم سؤالهم عن الوطن والعيش بسلام قبل النكبة عام 1948.

يتم تمرير التاريخ الفلسطيني من جيل إلى آخر عبر روايات الأجداد إلى الأبناء إلى الأحفاد، وهكذا. في كل بيت للاجئين في قطاع غزة هناك العديد من القصص حول أسر أجبرت على مغادرة منازلهم وجيرانهم وممتلكاتهم، وأحيانا أطفالهم في بعض الظروف الأكثر قسوة.

ووفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، اضطر 66% من السكان الأصليين في فلسطين التاريخية إلى مغادرة منازلهم هربا إلى الدول المجاورة مثل سوريا ولبنان والأردن وبطبيعة الحال قطاع غزة الفلسطيني . الآن، 67 في المئة من الفلسطينيين في غزة هم من اللاجئين الذين يريدون العودة إلى ديارهم.

ذكريات مؤلمة

«سعدية تارتوري»، 83 عاما، هو لاجئ فلسطيني من قرية الفالوجة، التي تقع على بعد 30 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة، على الجانب الآخر من الحدود في العصر الحديث مع إسرائيل. وبدأت «سعدية» بالحديث عن حياتها في الفالوجة منذ كان عمرها 10 سنوات.

مع ابتسامة جميلة، تتذكر «سعدية» صديقها اليهودي الذي كان ابنا لأحد الصاغة المحليين: «أوه! أبو داود، يا له من صديق.لقد  اعتاد أن يعطيني الشوكولاتة في كل مرة ذهبت أمي إلى متجره لشراء المجوهرات».  وقال «سعدية»: «لم أر منه أي شيء سوى الحب».

كانت «سعدية» هي الابنة الوحيدة لأمها وأميرة العائلة الصغيرة، أعطاها والدها فسيلة لشجرة أطلق عليها اسمها، بينما قامت هي بزرعها أمام منزلهم في الفالوجة.

وبينما كانت لا تزال طفلة، عاصرت «سعدية» المشاهد التي قتلت براءتها. استغرق الأمر من «سعدية» بعض الوقت لإعداد نفسها لاستحضار ذكريات الفترة الأصعب في حياتها، «رأيت كيف نزل أشخاص جدد بأرضنا وقاموا بقتلنا دون أسف. رأيت النساء الفلسطينيات أثناء محاولات الاختباء بين الماشية حتى لا يتعرضن للاغتصاب، ورأيت شبابا يحفرون حفرا في الأرض للاختباء خوفا من القتل ورأيت بعضهم يختفي بين جثث الآخرين»، كان يمكنها الحديث بالكاد دون أن تدمع عينيها. وكانت نبرة الألم بارزة بوضوح في صوتها.

وأضافت: «عندما اندلعت الحرب، جمعت أنا ووالدتي كل ما لدينا من الذهب لنحمله معنا، وقال والدي أنها ستكون بضعة أيام حتى نعود. قمنا بإخفاء الذهب ودفناه. وبعد بضعة أيام، وجدت نفسي في قطاع غزة كلاجئة». وقالت «سعدية»: «عرفت بعد أن كنت قد فقدت بيتي».

فر آلاف الفلسطينيين إلى قطاع غزة بعد النكبة، وتركوا ممتكاتهم معتقدين أنهم سيعودون في وقت قريب إلى منازلهم. «وصلت إلى قطاع غزة كما فعل كثير من الناس، من دون أي شيء سوى ملابسي التي أرتديها. بالنسبة لعائلتي، يمكنك أن تعتبرنا من المحظوظين نوعا ما، لأنه لدينا أقارب في قطع غزة لاحتضان قوبنا المكسورة. ولكن كنا عائلة بحاجة إلى إيجاد وسيلة للبقاء على قيد الحياة.  كنت أنا ووالدتي نذهب إلى مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة للحصول على الحليب وجبة واحدة لكل شخص كل يوم من الأمم المتحدة. وعمل إخوتي في الصيد، بينما استغرق والدي في الحزن».

تمكن شقيق «سعدية» أن يحصل لها على إذن من السلطات الإسرائيلية لزيارة منزلها عام 1970، وكانت في حاجة ماسة للزيارة. «ركضت نحو نحو موقع منزلنا، وكان أول شيء رأيته هي الشتلات المزروعة، التي أصبحت شجرة ضخمة، جلست في ظلها وشعرت السلام». وأضافت «سعدية» بابتسامة عريضة على وجهها.«ولكن الشعور تلاشى عندما رأيت أن بيتي كان قد هدم».

دور وزارة الثقافة في الحفاظ على التاريخ الشفهي

هذه القصص التي توثق الأحداث الحقيقية للتاريخ الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي والحياة قبل نكبة عام 1948 ينبغي أن يتم توثيقها عبر الكتب من أجل الأجيال القادمة. ومع ذلك، وتنفي وزارة الثقافة الفلسطينية قيامها بجمع الروايات الشفوية من الشيوخ الذين شهدوا تلك الأحداث مباشرة.

وقال «مصطفى الصواف» وكيل الوزارة لـ«ميدل إيست آي» وزارة الثقافة الفلسطينية لا تقوم بأي دور إلى الآن في جمع التاريخ الشفهي:، مضيفا أن هناك منظمات متخصصة تعمل على هذا الأمر.

وقال «خالد الخالدي»، أستاذ التاريخ الفلسطيني في الجامعة الإسلامية في غزة، ورئيس المركز الفلسطيني للتاريخ الشفهي لصحيفة «ميدل إيست آي» أن المركز تمكن من إجراء مقابلات مع مئات الفلسطينيين لنقل ما شاهدوه وتحملوه.

وأضاف: «بدأنا المشروع في عام 1999، وقمنا ببث مئات المقابلات مع الأشخاص الذين فروا من منازلهم، جاءوا إلى غزة. وشملت القائمة  الشخصيات السياسية مثل الشيخ أحمد ياسين، في 35 ساعة من البث».

ويضطلع «الخالدي» بدور كبير في الحفاظ على التاريخ الشفوي الفلسطيني. وقال «أنصح طلابي بمقابلة الشيوخ في قطاع غزة وأن يحضروا لي قصصا جديدة وأبحاثا للدراسات العليا».

وأشار «الخالدي» إلى كون عام النكبة يعد عاما محوريا للفلسطينيين كما ظهر في المقابلات مع العديد منهم. وقال انه لاحظ كيف تحول الفلسطينيين من ملاك للأراضي الغنية إلى متسولين للحصول على الغذاء بسبب الحرب والاحتلال.

  كلمات مفتاحية

فلسطين غزة ذكرى النكبة

”النكبة الفلسطينية“ أمام الأزمات العربية .. للخلف در!

«أريج لاون» .. فنانة فلسطينية من الناصرة ترسم لوحاتها بحبات الزيتون

الفلسطينيون في سيناء بين النكبة والنكسة وكامب ديفيد

18 صورة تروي تاريخ مدينة القدس الشريف بين الانتداب البريطاني ونكبتين

المرصد الأورومتوسطي يكشف مؤشرات صادمة لتسع سنوات من حصار غزة

نزاع داخلي .. رد محدود

حتى النزوة التالية