حكومة نتنياهو الجديدة.. ماذا تعني لمستقبل العلاقات الخليجية الإسرائيلية؟

الجمعة 10 مايو 2019 08:05 ص

فاز رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بالانتخابات بما يعني بقاءه في السلطة على رأس حكومة أكثر يمينية. وسوف يمثل ذلك اختبارا لدول الخليج العربية التي كانت حتى الآن تتجه نحو علاقات أوثق مع (إسرائيل). وبينما تنتهج الحكومة القومية الجديدة سياسات تتحدى المصالح الخليجية التقليدية، سيتم التشكيك في تلك العلاقات. وعلى الرغم من خطاب (إسرائيل) العدواني المتزايد، إلا أن كل دولة خليجية تقريبا لديها ما يكفي من الأسباب الاقتصادية أو الأمنية أو الدبلوماسية لمواصلة إعطاء الأولوية للجهود الرامية إلى تنمية علاقات إيجابية مع (إسرائيل) بدلا من قطع التواصل. وستواصل دول الخليج العربية التقدم نحو تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، لكن هذا التقدم سوف يتباطأ، لأن تلك الدول ملزمة بالاعتراض على سياسات معينة، مثل الضم المحتمل لأجزاء من الضفة الغربية أو أي عملية عسكرية كبيرة أخرى ضد "حماس" في غزة.

الطريق إلى التطبيع

وتطورت العلاقات بين (إسرائيل) ودول الخليج العربي بشكل كبير منذ قيام هذه الدول بفرض حظر على الطاقة استهدف (إسرائيل) عام 1973، لكنها انتقلت بالفعل من الظل إلى العلن خلال إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". وتضغط واشنطن من أجل تحالف أكثر تماسكا ضد إيران، الأمر الذي يتطلب تعاونا إقليميا، وقد استحدثت التركيبة السكانية المتغيرة عددا أكبر من الشباب الذين لا يحملون الكثير من الاستياء تجاه (إسرائيل) مقارنة بالأجيال الأكبر سنا. ويتشارك جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وهم البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مخاوف بشأن النفوذ الإيراني المتزايد، والذي يمكن مواجهته بمساعدة (إسرائيل) وشركائها الغربيين. وعلى الرغم من الاختلافات الأيديولوجية، تقر معظم دول الشرق الأوسط بالمزايا التي ستأتي من خلال الوصول إلى التكنولوجيا والتجارة مع (إسرائيل).

ووجدت كل دولة خليجية طريقتها الخاصة لبناء العلاقات مع (إسرائيل) في الأعوام الأخيرة، إما لأغراض اقتصادية عبر المعاملات التجارية، أو لأغراض استراتيجية دبلوماسية. وتستخدم قطر وعمان (إسرائيل) كوسيلة لإظهار الفائدة الاستراتيجية لكل منها لدى الولايات المتحدة، أقرب حليف لـ(إسرائيل). ويفسر هذا قيام سلطنة عمان باستضافة "نتنياهو" في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تحاول مسقط تخفيف الانتقادات حول موقفها الحيادي تجاه إيران. وأظهرت قطر أيضا، التي كانت هدفا للهجمات الدبلوماسية في واشنطن من قبل السعودية والإمارات، قيمتها لـ(إسرائيل)، ومن ثم الولايات المتحدة، عبر تقديم المساعدات إلى قطاع غزة، والمساعدة في التوسط بين (إسرائيل) وحركة "حماس".

وفي هذه الأثناء، سعت السعودية والبحرين والإمارات إلى توثيق العلاقات مع (إسرائيل) في محاولة لموازنة نفوذ إيران المتزايد في العراق وسوريا ولبنان. وتستورد هذه البلدان التكنولوجيا الإسرائيلية، خاصة تكنولوجيا الحرب الإلكترونية، كما زادت الزيارات الثقافية والاقتصادية لممثليها إلى (إسرائيل)، كما شرعت في التعاون الاستخباراتي معها ضد "حزب الله" وإيران، وقدمت دعما خطابيا من مستويات مختلفة من المسؤولين والشخصيات الإعلامية للتطبيع.

وكانت الإمارات أكثر دول الخليج جرأة في تقديم مبادرات التطبيع مع (إسرائيل). وقد تساءل مسؤولوها بصراحة عن جدوى حل الدولتيين الذي طالما طالبت به الدول العربية كشرط لقبول (إسرائيل)، ورحبت أبوظبي بزيارات رفيعة المستوى من الإسرائيليين. وفي السعودية، يواصل المسؤولون الشباب، بمن فيهم ولي العهد "محمد بن سلمان"، السعي نحو علاقات أوثق مع (إسرائيل) لتحقيق مكاسب اقتصادية وأمنية، في حين يتمسك الملك "سلمان" بالسياسة السعودية التقليدية، التي تتماشى مع مبادرة السلام العربية لعام 2000، التي تتطلب تنفيذ حل الدولتين في مقابل القبول الإقليمي لـ(إسرائيل).

وليس لدى الكويت نفس الحوافز الجيوسياسية للوصول إلى (إسرائيل) مثل جيرانها؛ فلم يكن حيادها الإقليمي التقليدي بين العالم العربي وإيران موضع تساؤل من قبل السعوديين أو الإماراتيين، وليس لديها مصلحة في أن يُنظر إليها على أنها منافس عدائي لإيران. وبدلا من ذلك، استكشفت الكويت العلاقات التجارية الهادئة مع (إسرائيل) كجزء من مساهمتها في تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الأردني المجاور. ويساعد الاستثمار في الأردن بشكل عرضي في تأمين حدود (إسرائيل) الشرقية، كما يمنح الإمارة المزيد من النقاط لدى الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي للأردن.

ما الذي يتغير؟

وكانت كل هذه الدول مستعدة لتبني سياسات (إسرائيل) وغض الطرف عن ممارساتها غير المرغوبة في الأعوام الأخيرة. لكن المشهد السياسي في (إسرائيل) نما بشكل مطرد ليصبح أكثر قومية ويمينية خلال العامين الماضيين، بتشجيع من حكومة أمريكية مؤيدة أكثر لـ(إسرائيل). والآن، وصلت حكومة إسرائيلية يمينية قومية جديدة إلى السلطة، ومن المرجح أن تبحث عن حل الدولة الواحدة، الذي لا تريده عدة دول خليجية. ولا يزال ائتلاف "نتنياهو" اليميني قيد التشكيل، لكن ملامح سياساته واضحة. وللمحافظة على أغلبيته البرلمانية الضعيفة، التي يحتاجها لحمايته من الملاحقة القضائية بتهمة الفساد، سيواجه "نتنياهو" ضغوطا سياسية لتبني االتوجهات القومية اليمينية القديمة. ويشمل هذا التحرك نحو الضم الجزئي أو الكامل للضفة الغربية، وزيادة التوسع الاستيطاني في المناطق التي يسيطر عليها الفلسطينيون، والتخلي عن حل الدولتين وتبني سياسات أكثر قسوة ضد حركة "حماس" وقطاع غزة.

وسوف تختبر هذه القرارات توجهات دول الخليج التي كانت في طريقها لعلاقات أكثر دفئا مع (إسرائيل)، لكن لا يزال يتعين عليها مواجهة جمهور يدعم القضية الفلسطينية إلى حد كبير. ومن المحتمل أن تتخلى بعض الدول عن جهود التواصل مع (إسرائيل)، بينما سيكون لدى الدول الأخرى أسباب أقل للقيام بذلك.

خطوات للوراء

ولدى عُمان حوافز لتخفيف علاقتها مع (إسرائيل)، ولكن ليس قطعها، حفاظا على المكاسب الدبلوماسية التي حققتها مع الولايات المتحدة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تمت تغطية زيارة "نتنياهو" في وسائل الإعلام الرسمية. لكن مع استمرار "نتنياهو" في الإعلان عن سياسات تمهد لضم الضفة الغربية، فإن الضغوط الشعبية ستدفع مسقط إلى إعادة النظر في إعلان أي اتصالات مع (إسرائيل) في وسائل الإعلام الحكومية. ومع ذلك، تلتزم عمان بإثبات فائدتها للولايات المتحدة، وذلك لمنع السعودية أو الإمارات من كسب النفوذ عليها في واشنطن. وبالتالي، يجب على مسقط الحفاظ على موقف محايد نسبيا، وإبقاء القنوات مفتوحة مع (إسرائيل) ولكن بعيدا عن الأنظار. ومن المرجح أن يتباطأ التقدم في العلاقات الاقتصادية ولكنها لن تتوقف بشكل كلي.

وفي هذه الأثناء، يتحدى وجود حكومة إسرائيلية يمينية استراتيجية القوة الناعمة لقطر. وتمارس الدوحة سيطرة سياسية قوية على عدد سكانها الصغير، مما يعني أنه من غير المرجح أن تواجه ردة فعل عنيفة داخلية عامة لتواصلها مع (إسرائيل). لكن استراتيجية القوة الناعمة لقطر استخدمت القضية الفلسطينية لرفع مكانة قطر في العالم الإسلامي، كوسيط ودولة دبلوماسية وكذلك عملاق إعلامي، عبر "قناة الجزيرة"، وهي مؤسسة إعلامية مملوكة للدولة، وتدعم القضايا الفلسطينية بشكل بارز. وبينما تسعى (إسرائيل) بقوة أكبر إلى ضم الضفة الغربية، يتعين على قطر الحفاظ على التوازن بين إرضاء الولايات المتحدة عبر مواصلة التعاون مع (إسرائيل)، وبين إبقاء هذا التعاون في إطار محدود وغير علني في معظمه. وسيؤدي ذلك إبطاء برامج التعاون الاقتصادي والحد من حجمها.

وسوف تجعل الصحافة الحرة النابضة بالحياة في الكويت والبرلمان المفتوح نسبيا والعدد الكبير من المغتربين الفلسطينيين من الصعب على الإمارة تحقيق مكاسب كبيرة في العلاقة مع (إسرائيل) خلال الحكومة المقبلة. وفي حين أن بعض الفرص التجارية منخفضة المستوى قد تكون ممكنة، إلا أن الكويت سوف تتعرض لمخاطر سياسية كبيرة في حال أعلنت العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ومع ذلك، يمكن أن تنمو العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الكويت والأردن، خاصة وأن الحكومة اليمينية في (إسرائيل) تضغط على العلاقات الإسرائيلية الأردنية، وقد يضطر الأردن بشقيه القومي والإسلامي إلى الضغط لتقليص العلاقات مع (إسرائيل) بسبب احتمال ضم الضفة الغربية.

خيارات صعبة

وستواجه الاستراتيجية الإماراتية للبناء على الفوائد الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية للعلاقات الوثيقة مع (إسرائيل) بعض الحواجز لكنها لن تمثل مشكلة كبيرة. وتملك الحكومة الإماراتية سيطرة مشددة على نظامها الإعلامي والسياسي المحلي، كما أن سمعتها الدولية أقل ارتباطا بالقضية الفلسطينية. وقد تنامى حضور (إسرائيل) في الإمارات، بما في ذلك الإعلان عن مشاركتها في معرض دبي إكسبو 2022، وسيستمر في النمو. وفي حين أنه قد تتواجد بعض المعارضة الصغيرة بشأن التواصل مع (إسرائيل) داخل المجتمع الإماراتي ستكون الحكومة الإماراتية قادرة على إدارة هذا التوتر ومواصلة بناء العلاقات، بما في ذلك العلاقات الثقافية والعلاقات التجارية القائمة بالفعل.

وستواجه البحرين أيضا ضغوطا أقل لتغيير استراتيجيتها الحالية المنفتحة نسبيا مع (إسرائيل)، ولكن لأسباب مختلفة جدا. فالبحرين منقسمة اجتماعيا بين أغلبيتها الشيعية والأقلية السنية الحاكمة، تاركة القليل من الشرعية المتبقية للملكية الحاكمة لتخسرها بسبب العلاقات الاقتصادية والأمنية المتنامية مع (إسرائيل). علاوة على ذلك، تبحث الأقلية السنية الملكية عن أي حلفاء يمكنها الحصول عليها للحفاظ على السلطة ضد التحريض الشيعي الذي ترعاه إيران في بعض الأحيان، وسوف تقبل الاستفادة من أي تكنولوجيا تجسس إسرائيلية مفيدة في المراقبة. كما يؤكد الاقتراب من (إسرائيل) أيضا على أهمية البحرين للولايات المتحدة، الضامن الأمني ​​المهم.

وسوف تضع الحكومة الإسرائيلية المتشددة السعودية في أصعب موقف بين دولة الخليج العربية. وبالفعل، كان على العاهل السعودي، الملك "سلمان"، التدخل والتأكيد علنا على التزام الرياض المستمر بمبادرة السلام العربية لعام 2000. وانتقد "سلمان" أيضا قرار الولايات المتحدة بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، ورأى أن هذه الخطوة تنحرف عن حل الدولتين. ولا يتصرف "سلمان" بدون دعم حيث يظل الكثير من السعوديين مترددين في التخلي عن القضية الفلسطينية. وكلما أصبحت الحكومة الإسرائيلية أكثر يمينية، كلما زاد احتمال أن السعوديين الذين لا يزالون متعاطفين مع قيام دولة فلسطينية سوف يتماشون مع موقف الملك "سلمان"، وليس ولي العهد "محمد بن سلمان" وأتباعه الذين يريدون بدء دولة جديدة تتبنى علاقة المنفعة المتبادلة مع (إسرائيل). وفي حين أن هذا الجهد قد يستمر بهدوء من خلال اجتماعات سرية، فسوف تكافح المملكة من أجل تلبية المطالب المتناقضة للقوى الداخلية والخارجية. ومن المرجح أن ينتظر الإسرائيليون الذين يحلمون بدخول السوق السعودية فترة أطول قليلا.

وبالنسبة لمجتمع الأعمال الدولي، سيحدد نمو أو تباطؤ العلاقة هذا سلوك عدد كبير من الشركات الإقليمية والعالمية التي كان تستعد للاستفادة من الوتيرة السابقة لاحترار العلاقات. ويمكن للشركات أن تتوقع أن تواصل الإمارات والبحرين علاقات وثيقة مع (إسرائيل). لكن البلدان التي يقيدها الرأي العام المحلي والإقليمي مثل قطر والسعودية وسلطنة عمان والكويت سوف تقلص علاقاتها التجارية مع (إسرائيل) ما سيحبط فرص التجارة عبر الحدود والاستثمار متعدد الجنسيات.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الانتخابات الجديدة في (إسرائيل).. هل يفوز نتنياهو مجددا؟