بعد 25 عاما من الوحدة .. الانفصاليون يحققون مكاسب على الأرض في اليمن

الأحد 31 مايو 2015 06:05 ص

منذ ربع قرن من الزمان، كان اليمن مكانا يشع بالأمل، هكذا استعاد «عقيل العطاس» من المكلا في جنوب اليمن ذكرياته، وقال إنه يتذكر عندما كان يشاهد التلفاز وقام كبار السياسيين برفع علم الجمهورية اليمنية التي أنشئت حديثا في مدينة عدن.

«كان هناك إثارة شديدة وسعادة في مدينة المكلا» كما يقول «العطاس»، عندما أشار إلى احتفال الوحدة الذي جرى قبل نحو 25 عاما بالضبط.

ولكن اليوم، «العطاس» وكثير من الناس الذين عاشوا فرحة الوحدة يطالبون بالانفصال وإقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن. فمع احتدام العنف وتحريض مختلف الاطراف ضد بعضهم البعض على الأرض، يخشى «العطاس» وكثير من الجنوبيين الآخرين استمرار الوحدة ومن أن تصبح سببا في مزيد من المتاعب.

مرة أخرى في عام 1990، عندما كان اليمن موحدًا، اعتبرت الوحدة حلا لموجة من الحروب في جنوب الخليج.

ولم تكن العملية سهلة. توحدت الجمهورية الديمقراطية اليمنية الماركسية السابقة وجمهورية اليمن العربية التي تسيطر عليها القبائل رسميا ضمن إطار الجمهورية اليمنية، وبعد سنوات من المحادثات المتقطعة تم التوصل في النهاية إلى اتفاق مكتوب يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989.

ويتذكر «عبد الباري طاهر»، صحفي يمني مخضرم ومحلل سياسي يعيش في الشمال، أيضا مشاهدة تلك الصور نفسها في 22 مايو/أيار عام 1990. ويقول إنه لا يزال يتذكر بوضوح الاحتفالات والنشوة التي اجتاحت شوارع اليمن للاحتفال بولادة الجمهورية الجديدة.

«لقد كان حدثا كبيرا والذي اعتقد الناس أنه سوف يضع حدا للصراعات سواء بين الجنوب والشمال أو داخل كل دولة»؛ هكذا قال «طاهر» لصحيفة «ميدل إيست آي» عبر الهاتف من منزله في العاصمة اليمنية. «كان الناس يحلمون ببلد القانون والنظام».

يعتقد معظم الناس أن هناك مجموعة من الفوائد التي يمكن تحقيقها، «اعتقد الناس في الجنوب أنهم سوف يتخلصون من الحزب الاشتراكي القمعي»، كما قال «العطاس».

منذ استقلال البلاد في عام 1967، حكمت اليمن الجنوبي من قبل الاشتراكيين المتحالفين مع روسيا، والذي خلقوا نظام حكم أقرب إلى كوبا، وبعض النقاد جعلوا ذلك مساوي لكوريا الشمالية.

وقال «العطاس» إنه بعد فترة وجيزة من التصديق على اتفاق الوحدة، فتح الجنوب سوقه مع الشمال، ما سمح للتجار بجلب منتجات نادرة للمرة الأولى منذ عقود.

«تم إغلاق الجنوب عقليا واجتماعيا واقتصاديا. في الماضي كانت تقدم علب المانجو  مع الوصفات الطبية مثل الدواء»، كما يقول «العطاس»، حيث كان يتحدث عن نظام التقنين القاسي القسري من قبل القيادة القديمة.

الجنوبيون الذين عاشوا خلال فترة الشيوعية قالوا إن الدعوة لتوحيد شطري اليمن كانت عبارة عن نشيد يتردد يوميا في المدارس والتجمعات العامة، ويؤكد ذلك «العطاس» بقوله: «لقد تربينا على شعارات تمجد الوحدة مع الشمال».

تراجع الاحتفالات

لكن الاحتفالات السنوية التي عقدت للاحتفال بهذه المناسبة، بدأت في طريقها إلى الزوال في السنوات الأخيرة مع تنامي مشاعر الانفصال، وفي المقابل اكتسبت الحركة الجنوبية الانفصالية زخما.

وفي هذا العام، اختفت الاحتفالات من التلفزيون الوطني. وفي الوقت الذي يوجد فيه هذا البلد في خضم حرب أهلية بين حركة الحوثي القوية، المدعومة من قبل الرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، وبين الرئيس «عبد ربه منصور هادي» الذي فر إلى المملكة العربية السعودية، فقد بات المزاج للاحتفال بهذه المناسبة غير مواتيا. كان الاحتفال الوحيد الملحوظ في جميع أنحاء البلاد هو عرض عسكري متواضع في محافظة مأرب التي يسيطر عليها «هادي».

«هادي» من الجنوب لكن لا يتمتع بقدر كبير من الدعم هناك. وقد تحول هذا قليلا منذ أن بدأ الحوثيون يسيرون نحو الجنوب، وسيطروا على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي، ومن ثم تحركوا على طول الطريق وصولا إلى عدن في مارس/أذار من هذا العام.

ودفع تقدمهم الحراك الجنوبي مجددا لحمل السلاح ضد الحوثيين وقوات «صالح»، وأصبحت هذه المنظمة مظلة لسلسلة من المجموعات الانفصالية التي باتت حاليا القوة الدافعة وراء مقاومة قوية ضد وجود الحوثيين في الجنوب

ويقول محللون يمنيون إن استمرار العمليات العسكرية للحوثيين في الجنوب عززت المشاعر المؤيدة للاستقلال، وأجهضت كل الجهود التي تبذلها الحكومات الأخيرة لكسب قلوب وعقول الجنوبيين الساخطين.

«مصير الوحدة يعتمد على مسار التوسع العسكري للحوثيين»؛ على حد قول «الفجيع» رئيس تحرير جريدة المصدر اليومية. وأضاف:«سوف تنهار البلاد إذا كسبوا المعركة؛ لأنها سوف تذكي مطالب الانفصال. ولكن هناك أمل لإصلاح الوحدة، إذا تفككت قبضة الحوثيين على البلاد».

منحدر زلق

بالنسبة للعديد من المحللين  مثل «طاهر» فإن السبب الجذري للمشكلة يعود إلى السنوات الأولى من الوحدة. فبعد فترة وجيزة من توحد البلاد، اشتعلت التوترات بين الجانبين بعد موجة من الاغتيالات التي استهدفت أعضاء من الحزب الاشتراكي الحاكم السابق الذين كانوا يقيمون في العاصمة اليمنية الموحدة حديثا، صنعاء.

في عام 1993، سافر «علي سالم البيض»، نائب الرئيس والرئيس السابق لجنوب اليمن، غاضبًا إلى عدن، ورفض العودة إلى صنعاء بسبب المخاوف على سلامته.

وأدى تزايد التوتر إلى حرب أهلية في إبريل/نيسان 1994، والتي انتهت عندما دخلت قوات الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» عدن في يوليو/ تموز من نفس العام، ما اضطر البيض وكبار الاشتراكيين إلى الهروب إلى المنفى.

ويعتقد بعض المحللين الآن أن هذه الحرب المبكرة هي التي حولت الوحدة من نعمة إلى نقمة، ويصرون على أن ذلك ساعد في زرع الشكوك والتوترات التي انفجرت الآن مرة أخرى.

وقال «طاهر»، صحفي مقيم بصنعاء، «تحول هذا الحدث العظيم [الوحدة] إلى كارثة حقيقية ما زالت البلاد تدفع ثمنا باهظا لها».

وفي أعقاب الحرب الأهلية، اضطر عشرات الآلاف من ضباط الجيش والموظفين الحكوميين من اليمن الجنوبي السابق إلى التقاعد. وقال الجنوبيون إن المنتصرين نهبوا الأراضي واحتكروا السلطة والثروة. ومهدت سنوات من التهميش الطريق للحركة الانفصالية الشعبية لتتشكل في جميع أنحاء الجنوب وتشكيل الحراك في عام 2007.

وكانت الحرب مؤامرة ضد الوحدة من قبل الحكام في الشمال الذين سيطرون حصرا على المجال السياسي بعد إزالة شركائهم السابقين الجنوبيين؛ على حد قول «طاهر».

وشعر «العطاس» أيضا أن حكومة «صالح» يجب أن تعالج شكاوى الجنوبيين عن طريق إعادة تثبيت الجنود في وظيفتهم والموظفين العموميين. وبدلا من ذلك، اتهم «صالح» المحتجين بمحاولة التقسيم، ومن ثم استعمل القبضة الحديدية.

وقال «العطاس»:«اندلعت الحركة المؤيدة للاستقلال عندما تجمع أصحاب المعاشات العسكرية في عدن في 7 يوليو/ تموز 1994 للمطالبة بأجر متساو مع أقرانهم في الشمال».

وأوضح أن بعض كبار الشخصيات مثل «حسن باعوم»، انفصالي متشدد، و«حيدر العطاس»، رئيس الوزراء السابق، اقترحا مبادرة في عام 1996 لتصحيح المسار، بما في ذلك طلب إعادة الجنود إلى مراكزهم السابقة وإنشاء نظام اتحادي. لكن «صالح» تبنى مرة أخرى نهجا شديد الوطأة. ولقي المئات حتفهم، واعتُقل الآلاف في عمليات قمع تالية.

لقد كانت سنوات القمع صعبة جدا على الانفصاليين، ولكن أعطى الصراع الحالي لهم الأمل في أن دولة جنوب اليمن الجديدة سوف تخرج في نهاية المطاف من تحت الانقاض.

هذا الأسبوع، تلقت الروح المعنوية للانفصاليين دفعة كبيرة عندما استعادوا السيطرة على الضالع من المتمردين الحوثيين. إنها المدينة الجنوبية الأولى التي تخضع كليا للانفصاليين، والعديد سوف يراقب الأحداث هنا لمعرفة ما إذا كان ذلك مقدمة لتغيير على نطاق أوسع في المستقبل.

  كلمات مفتاحية

اليمن الحراك الجنوبي هادي على صالح الحوثيين الانفصال الوحدة

الطائفية والانفصالية والقاعدة والفقر.. مخاطر تؤرق اليمن

«ستراتفور»: اليمن يتجه نحو الانفصال والأزمة الإنسانية تزداد تفاقما

الحراك الجنوبي في اليمن يهدد بمزيد من التصعيد ضد صنعاء للمطالبة بالانفصال

جنوب اليمن: قضية الانفصال ومعضلة الخيارات الصعية

الجنوبيون يحيون ذكرى الاستقلال في عدن ويدعون لسرعة الانفصال

في اليمن ... الوحدة ليست مكسبا والانفصال كذلك

المونيتور: لماذا تدخلت السعودية في اليمن؟!

السعودية بين وحدة اليمن وانفصالها

اليمن.. بداية التحرير تبعث مخاوف الانفصال