هل يمكن تجنب الحرب بين أمريكا وإيران؟

الجمعة 17 مايو 2019 12:05 م

أثارت سلسلة من التصعيدات في الأقوال والأفعال مخاوف من نشوب مواجهة عسكرية بين أمريكا وإيران، سواء بشكل مباشر أو بالوكالة. ومن الملح أن تعمل الشخصيات الأكثر هدوءا - في العواصم الأوروبية كما في طهران وواشنطن - لتفادي تهديد الحرب الكارثية.

في الآونة الأخيرة، تسارعت وتيرة الخطورة بشكل خطير، ويمكن أن تؤدي التوترات قريباً إلى تصادم كارثي، إن لم تتخذ كل من الأطراف والجهات الفاعلة الخارجية خطوات عاجلة لإبطاء الطريق التصادمي أو التبديل إلى مسار آخر.

في 12 مايو/أيار الجاري، تعرضت 4 ناقلات نفط قبالة ساحل الفجيرة، وهو ميناء في دولة الإمارات على خليج عمان، للتخريب الواضح. وبعد يومين، هاجمت طائرات بدون طيار محطتين لضخ النفط على طول خط أنابيت "شرق - غرب" في السعودية بين العاصمة الرياض ومدينة ينبع الساحلية.

قد يرتبط أو لا يرتبط هذان الحدثان المنفصلان بإيران، وقد يثيران أو لا يثيران رداً، لكن في ظل تصاعد كبير بين واشنطن وطهران، فإنهما يمثلان علامات تحذير مشؤومة.

مسار تصادمي

وفي الأسابيع القليلة الماضية، ضاعفت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" جهودها لخنق الاقتصاد الإيراني. ولم تكتف بالانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي لعام 2015، ولكنها تدفع الآن لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.

وقد صنفت واشنطن الحرس الثوري الإسلامي كمنظمة إرهابية، كما بدأت في استعراض قوتها العسكرية من خلال نشر سفن حربية وطائرات قاذفة وبطاريات دفاع صاروخي في الشرق الأوسط لمواجهة "التهديدات الإيرانية" غير المحددة.

في المقابل، لم تبق طهران سلبية. وقد صنفت القوات الأمريكية في المنطقة على أنها "قوات إرهابية"؛ وخفضت امتثالها للصفقة النووية، محذرة من اتخاذ مزيد من الخطوات ما لم تقدم الأطراف المتبقية في الصفقة فوائد اقتصادية ملموسة؛ وهددت بإغلاق مضيق هرمز، وهو نقطة حيوية لتجارة النفط والغاز العالمية؛ وتعهدت بالانتقام من أي هجوم على أصولها أو مصالحها.

وبدون تقديم دليل، يزعم المسؤولون الأمريكيون أن إيران منحت أيضًا ترخيصًا لوكلائها الإقليميين لاستهداف المصالح الأمريكية، مما يشير إلى أن مثل هذا الهجوم يمكن أن يحدث في العراق أو في إحدى دول الخليج المتحالفة مع واشنطن. وفي خطوة تبعث على القلق، أمرت واشنطن في 15 مايو/أيار بمغادرة أفراد أمريكيين للعراق.

وفي ظل هذه الأجواء، يمكن أن يأتي التصعيد بسهولة. لكن خفض التصعيد هو ترتيب أطول بكثير، خاصةً في ظل ندرة القنوات المباشرة التي يمكنها أن تستبق سوء التفاهم أو سوء التقدير.

وكان تصعيد التوتر متوقعًا تمامًا، وأثارته الولايات المتحدة بالكامل. ونتيجة لتآكل اقتصادها الضعيف بالفعل، تصبح إيران أكثر عدوانية في المنطقة. وتصر العناصر الأكثر تشدداً في الجمهورية الإسلامية على فرض تكلفة على الولايات المتحدة لردعها عن تشديد العقوبات وإظهار أنه إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تؤذي إيران، فبإمكان طهران أيضاً أن تلحق الضرر بها أيضا.

ربما تكون هذه الإجراءات المتبادلة تمهيدًا للمفاوضات، فالولايات المتحدة تمارس "أقصى قدر من الضغط" ، كما تقول، لإعادة إيران "أكثر امتثالًا" إلى الطاولة.

بطريقة مماثلة، إذا خلصت طهران إلى أنه ليس لديها خيار سوى التوصل إلى اتفاق جديد مع واشنطن من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية غير المستدامة، فإنها تريد الدخول في مثل هذه المحادثات بيد أقوى.

ويعد استئناف أنشطة إيران النووية، وجعل وجودها محسوسًا في المنطقة، وتعطيل صادرات النفط السعودية أو الإماراتية، تعد كلها طرق لتعزيز قدرة واشنطن على المساومة.

ولكن إذا كانت هذه المناورات مجرد لعبة دبلوماسية، فهي لعبة خطيرة حيث يمكن لأي من الطرفين إساءة تفسير نوايا الطرف الآخر. ويمكن لأي تحرك إيراني أن يؤدي بسهولة إلى ضربات أمريكية أو إسرائيلية، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى رد إيراني مضاد أو العكس. 

باختصار، بصرف النظر إذا كانت طهران وراء الهجمات الأخيرة بشكل مباشر أو غير مباشر (أعلن الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن الهجمات في السعودية؛ ونفت إيران أي صلة لها بحادث تخريب السفن)، وعما إذا كانت واشنطن تصنع الاتهامات لتبرير تصاعد النشاط العسكري أم لا، فإن كل مكونات التصعيد موجودة.

حتى لو افترضنا أن أياً من الطرفين لا يسعى إلى الحرب، فإن الاحتكاك المتزايد في جميع النقاط الساخنة بين الجانبين يعني أن النوايا قد لا تكفي لمنعها. وقد تكون العواقب كارثية على الدول والشعوب في المنطقة المجاورة، وكذلك على الاقتصاد الدولي، نظرًا لاعتماده الكبير على التدفق الحر للنفط من الخليج.

تفادي الحرب

ولحسن الحظ، لم يفت الأوان لتفادي هذه النتيجة. وسيكون مفتاح وقف التصعيد هو قدرة الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي على منح إيران مهلة اقتصادية. على وجه الخصوص، يمكن أن تتخلى أوروبا عن ترددها في استيراد النفط الإيراني بشكل غير مباشر بالشراكة مع روسيا والصين.

وإذا قامت روسيا بتبادل النفط مع إيران واستمرت الصين في استيراد الخام الإيراني، فإن المعاملات ستولد ثقة يمكن البناء عليها، وكذا يمكن توسيع أداة "إنستكس" المالية الأوروبية مما يسمح لإيران بالانخراط في أوروبا بعيدا عن النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.

ويمكن لهذه الدول أن تزود إيران بمساعدات تنموية لإصلاح وتجديد بنيتها التحتية. ومع إظهار أوروبا استعدادها للمضي قدماً، يجب على إيران أن ترد بالمثل من خلال العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاقية النووية. كما يجب أن تتحلى بضبط النفس على الجبهة الإقليمية وأن تمتنع عن الخطوات التي قد تثير خصومها.

أما بالنسبة للرئيس "دونالد ترامب"، فهو يواجه خيارًا. وكانت حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2016 تدور حول تجنب التورط العسكري المكلف وغير الضروري في الشرق الأوسط. وهو ينفذ الكثير من الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية منذ دخوله منصبه. لكن كل ما يتعلق بسياسة إدارته تجاه إيران يشير إلى اتجاه مختلف بشكل لافت للنظر ويقود الأمور نحو الحرب، عن طريق التصميم أو الخطأ.

ويقول "ترامب" إنه يريد حوارا بين الولايات المتحدة وإيران. ومع ذلك، يجب أن يعلم أن الجمهورية الإسلامية لن تبدأ حوارًا والسلاح مصوب نحو رأسها؛ وسوف ترد على العدوان المتصوَّر بطريقة مماثلة، وهذا الرد يمكن أن يؤدي بدوره إلى دوامة لا يمكن السيطرة عليها.

وقد يكون من الممكن إجراء حوار عبر قناة خلفية في النهاية، لكن من أجل ذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن تخفف من حدة خطابها وأن تقدم للقيادة الإيرانية إشارة إلى استعدادها لتجاهل مطالبها القصوى وإيجاد حل مقبول من الطرفين.

قد يعتقد "ترامب" أن الوقت في صالحه، حيث تستمر العقوبات في التأثير على الاقتصاد الإيراني، لكن فترة الانتظار والترقب قد وصلت إلى نهايتها الطبيعية. هذه أزمة قد لا يريدها "ترامب" ولكن بعض مستشاريه لا يمانعون من إثارتها.. لقد حان الوقت لتعمل الحكمة ولكي يتحرك الجميع بشكل حاسم لإخراج القطارات عن مسار التصادم.

المصدر | مجموعة الأزمات الدولية

  كلمات مفتاحية

نصر الله: لا أمان لتل أبيب والرياض وأبوظبي إذا حوربت إيران

نتنياهو يرد على نصرالله ويتوعد لبنان بضربة قاصمة