جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا لن تخدم الحرب مع إيران مصالح أمريكا؟

السبت 25 مايو 2019 03:05 م

لا تزال المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران تتطور بسرعة، إلا أنه من الصعب تفهم المنطق الاستراتيجي لأي تدخل عسكري أمريكي ضد إيران، إذا قررت إدارة "ترامب" أن تتدخل. ومع وضع ذلك في الاعتبار، يجدر بنا أن نتوقف لحظة لتخيل كيف ستبدو الحرب بين الطرفين.

حتى الآن، كان يتعين على الولايات المتحدة أن تتعلم درسا رئيسيا من حربي فيتنام والعراق، أولهما أنه يصعب الفوز في النزاعات الخارجية البعيدة دون وجود وصف محدد جدا للنجاح ودون التزام عسكري طاغي، وهو النوع الذي لا يرغب الشعب الأمريكي عادة في تقديمه ما لم يواجه تهديدًا كبيرًا وفوريًا. ويحقق التورط في صراعات صغيرة القليل من الإنجاز، وبدلاً من ذلك فإنه يخاطر بتصعيد هذه الصراعات إلى صراعات أكبر.

ويعد التدخل لتنصيب حكومات مواتية في دول أجنبية على وجه الخصوص أمرا صعبا ومكلفا ويستغرق الكثير من الوقت، بل وحتى فتّاكا أكثر مما يدعي القادة، وغالبًا ما ينتهي الأمر إلى دعم وكيل محلي غير مناسب، وغالبًا ما يكون الوكلاء بديلاً غير فعال للوجود العسكري الأمريكي عندما يتعلق الأمر بالسعي خلف الأهداف الأمريكية.

ودون التزام كبير وطويل الأمد من جانب القوات الأمريكية، فمن المرجح أن تخلق مثل هذه الحروب فراغًا في القوى عندما تنسحب الولايات المتحدة، وتكون النتيجة في النهاية هي حكومة منهارة، أو غزو جديد من قوى مجاورة، أو ثورة تخلق هياكل جديدة وغير مستقرة، أو مزيج من هذه الأمور.

وفي الواقع، لم تحقق الولايات المتحدة سوى القليل من الانتصارات الحقيقية في الحروب التي خاضتها منذ الحرب العالمية الثانية.

الغارات الجوية المحدودة

إذن، لنفكر في خيارات الحكومة الأمريكية للحرب مع إيران. وهنا يبدو الخيار الأول والأكثر احتمالاً هو ضربة محدودة، على غرار نطاق من الضربات على سوريا التي أمرت بها إدارة "ترامب" عامي 2017 و 2018، حتى وإن كانت أكبر حجما وأوسع نطاقا.

لكن إيران ليست سوريا، وهي تمتلك بنية تحتية متطورة للدفاع الجوي والكثير من القدرة على حماية مجالها الجوي، مما يزيد من فرص وقوع إصابات في قوات الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، ربما لن تؤدي الضربة الجوية المحدودة إلى أي شيء مفيد. ربما تنجح الولايات المتحدة في تدمير من أجهزة الرادار والدفاع الجوي، مما يرسل إشارة سياسية لكنه يؤثر بأي شكل من الأشكال على الواقع الاستراتيجي على الأرض. وكانت المرة الوحيدة التي غيرت فيها القوات الجوية الأمريكية وحدها الحقيقة على الأرض في كوسوفا، لكن إيران اليوم أقوى بكثير من صربيا في عام 1999.

بدلاً من ذلك، فإن الضربة المحدودة من المرجح أكثر أن تحقق نتائج تتعارض مع المصالح الأمريكية. ويتعرض الاقتصاد الإيراني حالياً للضرر، ويبدو المجتمع أكثر انقسامًا مع تنامي إحباط المواطنين من الحكومة، وقد استخدمت الولايات المتحدة العقوبات كاستراتيجية لتعطيل الاقتصاد بما يكفي لممارسة ضغوط اجتماعية على طهران، مما أجبر الحكومة على إنفاق مبالغ أقل على دفاعاتها وتمويلها للميليشيات في سوريا والعراق.

وحتى الآن، كان ذلك فعالاً. وإذا حافظت الولايات المتحدة على هذا التكتيك، فسوف يزداد الوضع الداخلي لإيران في التدهور مع مرور الوقت، ومن المرجح أن يلوم المواطنون قياداتهم على مشاكلهم. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تكثيف الانقسامات داخل الحكومة مما يؤدي إما إلى حكومة صديقة أكثر للغرب أو حكومة يهيمن عليها فيلق الحرس الثوري الإسلامي.

لكن الضربات الجوية الأمريكية المحدودة ستزيد حتما من قوة الحرس الثوري. فبالرغم من أن العقوبات قد تساعد على خلق انقسام، إلا أن الهجوم يوحد المتشددين والإصلاحيين في إيران ضد الولايات المتحدة، ومن المحتمل أن تحدث هذه الوحدة تحت رعاية المتشددين الذين حذروا من أن هذا اليوم سيأتي إذا كانت إيران حمقاء بما يكفي لتثق في الولايات المتحدة، وبصفتهم الكيان الأقوى في البلاد، فمن المحتمل أن يتولى الحرس الثوري الإيراني المهمة، وأن يقوم بذلك بدعم شعبي.

استخدام القوة البرية

تعتبر القوة البرية خيارًا أقل ترجيحًا للولايات المتحدة، حتى مع أهداف محدودة (مثل القضاء على معدات عسكرية معينة أو تأمين المرور عبر مضيق هرمز)، لكن من المرجح أن تحقق ما تريده الولايات المتحدة حقًا وهو أن تستدعي إيران ميليشياتها الأجنبية حتى تدافع عن الجبهة الداخلية.

ولكن عندما تتم إزالة القوة العسكرية بسرعة دون وجود بديل جاهز ليحل محلها، فإنها تخلق فراغًا في القوى، وبالتالي، تخلق فرصة للآخرين لملء الفراغ، وهم في هذه الحالة الدولة الإسلامية والجماعات الجهادية الأخرى. ويعد التوقيت مهم جداً، فالسرعة التي ستسحب بها إيران ميليشياتها من سوريا والعراق - وهي دول هشة بالفعل - ستخلق خطرًا كبيرًا في موازين القوى الإقليمية.

وإذا عادت "الدولة الإسلامية" إلى الفضاء الذي سيخلقه غياب إيران، فسيكون على الولايات المتحدة أن تتعامل مجددًا مع هذه المشكلة، الأمر الذي سيتطلب إعادة احتلال أجزاء من العراق أثناء قتال إيران. وهذا بدوره يستلزم على الأرجح دعمًا من القوات الكردية السورية والعراقية، مما سيضغط مرة أخرى على علاقات الولايات المتحدة بتركيا.

لكن قد لا يرى الأكراد السوريون أن التحالف طويل الأمد مع الولايات المتحدة في صالحهم بعد أن هددت الولايات المتحدة بتركهم في العراء في ديسمبر/ كانون الأول 2018، ويمكنهم بدلاً من ذلك البحث عن حل سياسي مع دمشق - تدعمه روسيا - يحميهم من تركيا.

وإذا عاود "الدولة الإسلامية" الظهور، من الممكن أن تتدخل روسيا لدعم الجماعات الكردية مثل القوات الديمقراطية السورية، لكن هذا يعني أن الولايات المتحدة ستكون معتمدة على المساعدات الروسية لتغطية الجهة الغربية، وفي مقابل مثل هذا التعاون، من المرجح أن تطلب روسيا تنازلات أمريكية في أماكن مثل أوكرانيا. باختصار، سيتطلب غزو إيران إما احتلالًا أمريكيًا واسع النطاق أو اعتمادًا على روسيا في سوريا والعراق لمنع الدولة الإسلامية من العودة، وكلا الخيارين ليس جذاباً بالنسبة لواشنطن.

وإذا كان تغيير النظام هو الذي تسعى إليه الولايات المتحدة في إيران، فسوف تكون المخاطر أكبر. وسوف تكون الحرب هذه المرة مشابهة إلى حد كبير لحرب العراق الثانية، ولكن على نطاق أوسع بكثير.

ولا يعد تنصيب نظام مؤيد لأمريكا أمرا سهلا ويمكن أن يفشل بسهولة. وساعتهاـ سيتعين على الولايات المتحدة إما الالتزام باحتلال إيران لأجل غير مسمى أو المخاطرة مرة أخرى بظهور فراغ في السلطة.

في أفضل السيناريوهات، ستنصب الولايات المتحدة رئيسًا جديدًا للحكومة في الوقت الذي تواجه فيه تمردًا طويلًا، والذي من المحتمل أن يشمل بقايا الحرس الثوري الإيراني وأسلحته الثقيلة. وبعد احتلال طويل ومكلف، ستنسحب الولايات المتحدة، تاركة قادة إيران يواجهون المعارضة بمفردهم، ولا يعد عمر القادة الذين يتم تنصيبهم من قبل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط طويلاً، ويحضرنا هنا شاه إيران نفسه كمثال على ذلك.

الخلاصة هنا أن المواجهة العسكرية الأمريكية مع إيران، أيا كان شكلها، من المرجح أن تخلق مشاكل للولايات المتحدة أكثر مما تحل، وتعد الاعتبارات الاستراتيجية السابق الإشارة إليها هي ما تحتاج واشنطن للتفكير فيه قبل الدخول في مثل هذه الحرب.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

فرنسا تحذر من خطر الانزلاق لحرب بين أمريكا وإيران

إلى أي مدى يستطيع اقتصاد إيران الصمود في وجه العقوبات؟