تركيا في ليبيا.. اعتدال موازين القوة عسكريا وسياسيا

السبت 25 مايو 2019 03:05 م

"لن نسمح بتحويل ليبيا إلى سوريا جديدة".. بهذه الكلمات تحدث الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، نهاية الشهر الماضي، معلنا دخول بلاده على خط الأزمة الليبية، دعما لحكومة "الوفاق الوطني"، في مواجهة انقلاب اللواء المتقاعد "خليفة حفتر"، واصفا الأخيرة  بـ"الديكتاتور المدعوم أوروبيا وعربيا".

ولم يمر أسبوعين، حتى أظهرت مقاطع فيديو وصور، وصول دفعة كبيرة من أسلحة ومدرعات عسكرية نوعية، إلى ميناء طرابلس، الواقع تحت سيطرة حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، على متن سفينتين قادمتين من تركيا.

هذا الدعم، كان له أثر كبير على أرض الواقع، عبر عنه "لواء الصمود" الليبي، الذي يقاتل مع حكومة الوفاق، ضد قوات "حفتر"، حين توعد القوات المهاجمة للعاصمة طرابلس (غرب)، بالدحر خلال أسبوع.

تقارب تركي مع الوفاق

لم تبتعد تركيا عن أزمات ليبيا، منذ نجاح ثورتها في إطاحة نظام "معمر القذافي"، عام 2011، لكنها لم تكن من أولوياتها، مثل باقي الدول كسوريا مثلا؛ نظرا لانشغال النظام التركي في عدة ملفات محلية ودولية وإقليمية.

ومنذ تشكيل حكومة الوفاق، بعد الاتفاق السياسي الموقع بين الأطراف الليبية في ديسمبر/كانون الأول 2015، سارعت أنقرة بالاعتراف بالحكومة، والتواصل معها ودعوة رئيسها "فايز السراج" للزيارة، بل وعين الرئيس التركي مبعوثا خاصا له إلى ليبيا، ناهيك عن نشاط الدبلوماسية التركية هناك.

خلال الهجوم الذي بدأه "حفتر" على العاصمة الليبية في 4 أبريل/نيسان الماضي، التقى "أردوغان" برئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي "خالد المشري"، في إسطنبول، لبحث آخر تطورات الأوضاع في طرابلس، والجهود المبذولة لتنسيق الموقف الدولي تجاه هذا الاعتداء، إضافة إلى سبل إنجاح الحل السلمي للأزمة في ليبيا.

هذا فضلا عن اتصال هاتفي مع "السراج"، نهاية الشهر الماضي، أعلن خلال "أردوغان" دعمه للحكومة الشرعية، مؤكدا أن "تركيا ستسخر كل الإمكانيات لمنع ما سماها المؤامرة على الشعب الليبي".

يأتي هذا الدعم من أنقرة، كرد فعل تركي، نتيجة تقارب سياسي وعسكري وأمني مع ليبيا، على مدار الأشهر الماضية، تجسد في زيارات لـ"السراج" ووزير داخليته "فتحي باشاغا" إلى تركيا، وزيارة وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" إلى طرابلس.

رد "حفتر"

هذه الزيارات والتقارب خاصة العسكري والأمني، أثارت حفيظة "حفتر" ومؤيديه، ما دفعه لشن حملة منظمة ضد تركيا، واتهامها بدعم مدينة "مصراتة" بالسلاح والمقاتلين.

ومن أجل ذلك، عقد المتحدث باسم "حفتر"، "أحمد المسماري"، عدة مؤتمرات صحفية سخرها جميعها للهجوم على أنقرة و"أردوغان"، ومنها مؤتمر عقده في العاصمة المصرية القاهرة.

في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت قوات "حفتر"، احتجاز سفينة تركية في ميناء الخمس البحري (شرقي طرابلس) محملة بأطنان من الذخيرة والأسلحة على خلاف بيانات الحمولة التي تشير إلى أنها مواد بناء، معتبرة هذا خرقا لقرار حظر السلاح المفروض من قبل مجلس الأمن، الأمر الذي نفته تركيا.

ويشير مراقبون إلى أن موقف "حفتر" من "أردوغان" ينم عن خلاف الجنرال الليبي مع جماعات "الإسلام السياسي" من ناحية، وعن محاولة منه لمغازلة داعميه من مصر والإمارات من ناحية أخرى، كون وجود خلافات كبيرة بين حكومة أنقرة ونظام الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" الداعم لـ"حفتر" منذ ظهوره.

الدعم يتصاعد

ودفع رد "حفتر" المناهض بقوة لتركيا، إلى تصاعد دعم أنقرة لحكومة الوفاق؛ حيث استجابت مؤخرا لطلبات حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها، وأرسلت أسلحة هجومية متطوّرة، ومدفعية ثقيلة، لمواجهة الدعم الجوي والذخيرة والسلاح الذي تقدمه بعض الدول العربية لـ"حفتر".

وأظهرت مقاطع فيديو وصور، الأسبوع الماضي، وصول دفعة كبيرة، من أسلحة ومدرعات عسكرية نوعية، إلى ميناء طرابلس، قادمة من تركيا.

تظهر الفيديوهات والصور، لحظة إنزال السفينة لشحنتها من المدرعات البالغ عددها تقريبا، بحسب المقاطع، من 30 إلى 40 قطعة.

وتشبه العربات العسكرية التي تظهرها المقاطع المنشورة، مدرعات تركية من نوع "كيربي" من صناعة شركة "BMC"، التي تتخذ من مدينة سامسون مقرا لها، وتنتج معدات عسكرية للجيش التركي.

ووفق مراقبين، فإن أنقرة لن تتوقف عند هذا الحد، وستزيد من دعمها الحكومة الليبية، حسب زيادة الآخرين هجماتهم وتصعيدهم ضد الشعب الليبي.

يشار إلى أن القرار الدولي رقم 1970 الصادر عن مجلس الأمن في مارس/آذار 2011، يطالب جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، بمنع بيع أو توريد الأسلحة ومتعلقاتها إلى ليبيا، إلا أن الواقع على الأرض كان أمرا مختلفا تماما؛ فالسلاح لم يتوقف عن التدفق على جانبي الصراع سواء حكومة الوفاق أو قوات "حفتر".

ويقول الكاتب والمحلل السياسي التونسي المختص بالشأن الليبي "نزار مقني"، إن دعم تركيا العسكري سيذهب بشكل مباشر وأولي إلى كتائب مصراته، وقوات الدرع المشترك الليبية وستكون في الأغلب أسلحة ثقيلة ومضادة للطائرات.

ولفت إلى أن هذا الدعم يأتي عقب تصريحات لـ"باشاغا" عن ضربات جوية "تنفذها مقاتلات دول عربية لمساندة قوات حفتر، وتقوم بقصف دقيق للمواقع في طرابلس".

واعترف عضو المكتب الإعلامي لقوات المنطقة الوسطى التابعة لحكومة الوفاق "محمد الشامي"، بوصول تشكيلات مسلحة تركية لحكومته، إلا أنه قال إن هذه الأسلحة جاءت ضمن اتفاقات شرعية ورسمية، وإن المدرعات لا يشملها قانون حظر الأسلحة على ليبيا.

توازن قوى

وشدد "الشامي" على أن هذه الخطوة ستغير من شأن المعركة عسكريا، منبها إلى أن ما تستعمله قوات الوفاق هي أسلحة قديمة ومتهالكة، ورغم ذلك صمدت 50 يوما من الدفاع عن العاصمة.

لكن في المقابل، تملك قوات الشرق بقيادة اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" مدرعات ودبابات متطورة بعضها صنع في 2019، "وكلها مقدمة من قبل الإمارات ومصر"، وفق معلوماته.

وتوقع "الشامي" أن تحاصر قوات الحكومة مراكز القيادة لقوات "حفتر"، وأن هذا الأمر لن يتجاوز عيد الفطر، كما قال.

الباحث السياسي الليبي "علي أبوزيد" اعتبر أيضا "دخول تركيا على خط الدعم لحكومة الوفاق وجيشها أمرا مهما ومحوريا، وسيؤدي إلى اتزان الموقف الدولي المنقسم حول ليبيا، وربما تحويل مواقف بعض الدول أو تعديلها".

أما الناشط والمدون الليبي "فرج فركاش"، فقال إن هذا التوازن لن يكون عسكريا فقط، مضيفا: "الدعم السياسي التركي لحكومة الوفاق، سيكون في مواجهة الدعم السعودي والإماراتي لحفتر".

وتوقع "مقني" ألا يقف الدعم العسكري عند المدرعات، وأن تقوم تركيا بمد حلفائها بأسلحة تكتيكية مضادة للطائرات.

وأضاف: "كما أنها قد تمد حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها بأسلحة هجومية متطورة ومدفعية ثقيلة لمواجهة الدعم الجوي الإماراتي والذخيرة والسلاح المصريين؛ "ما يمكن القوات من الدفاع ليس فقط من صد الهجوم، وإنما التقدم واكتساب مساحات جديدة من الأرض خاصة بعد فتح جبهة سرت، وكذلك دعم الموجات الهجومية التي تنفذها قوات البنيان المرصوص في هذه المدينة".

ويدلل مراقبون على فشل قوات "حفتر"، خلال الأيام الأخيرة، من التقدم، بقصفه الجمعة، مقر مجلس النواب الليبي.

فيما اعتبر مدير مركز بيان للدراسات الليبية بإسطنبول "نزار كريكش" أن "تدخل تركيا سيكون جزءا من معادلة ستحدث توازنا ضمن استراتيجية لدعم الشرعية والمسار السياسي".

ووفق مراقبين، فإن دخول تركيا أيضا، سيكون له الأثر البارز على الدعم الذي تقدمه فرنسا لـ"حفتر".

ومن المرجح أن نرى محورا دوليا داعما لحكومة الوفاق تقوده تركيا وربما تنضم إليه إيطاليا، التي لا زالت تسعى إلى تحييد فرنسا، وسيكون دور تركيا مهما لفضح أي تدخلات عسكرية داعمة لـ"حفتر" تخرق القرارات الدولية، وفق المراقبين.

ولعل هذا التحالف الجديد، يغير من الدور الدولي في التعاطي مع الأزمة، حتى أنه فشل في التوصل إلى قرار بمجلس الأمن بإدانة هجوم "حفتر" على طرابلس، ليكتفي بالوصول لــ"مشروع بيان"، دون ذكر اسم الجنرال الليبي.

ويسعى هذا التكتل الجديد الداعم لحكومة "الوفاق"، في الضغط على الوكلاء، بوقف دعمهم، وإجبار من يدعمون الطرفين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.

وتعاني ليبيا من عدم الاستقرار منذ سقوط نظام "معمّر القذافي" عام 2011، وغرقت في الفوضى مجددا إثر هجوم قوات "خليفة حفتر" للسيطرة على طرابلس، حيث مقر حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها "فائز السراج"، ما دفع القوات الموالية للوفاق لشن هجوم مضاد، أدى إلى تركّز المعارك في جنوب العاصمة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المشري يوضح طبيعة العلاقة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية